يُجسِّد أكبر مشروع لإنتاج اليورانيوم الطبيعي في العالم رقمًا مهمًا بمعادلة إعادة إحياء الطاقة النووية في إطار الجهود الدولية الرامية للاعتماد على هذا المصدر النظيف في مزيج الكهرباء الوطني للدول.
ويمثل المشروع المنفذ في الصين حجر الزاوية بإتاحة إمدادات موثوقة من هذا المعدن الإستراتيجي الذي يُعد الوقود الرئيس المُستعمَل لتشغيل المحطات النووية؛ ما يخدم جهود بكين في هذا المسار.
ووفق أرقام رصدتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرها واشنطن) تمتلك الصين ما يزيد على 2.8 مليون طن من موارد اليورانيوم الطبيعي، ما يعكس قدرات البلاد الهائلة في إتاحة إمدادات وفيرة محليًا لضمان أمن الطاقة في ظل الوضع الجيوسياسي العالمي بالغ التعقيد.
إشارة البدء
شرعت الصين في تطوير أكبر مشروع لإنتاج اليورانيوم الطبيعي في العالم بمدينة أوردوس، الكائنة في منطقة منغوليا الداخلية شمال البلاد، وفق ما نشرته صحيفة غلوبال تايمز (Global Times).
واليورانيوم الطبيعي هو حجز الزاوية لتطوير الصناعة النووية في الصين، وهو مورد إستراتيجي مهم ومعدن رئيس لضمان أمن الطاقة الوطني في ثاني أكبر بلد تعدادًا للسكان في العالم.
وقالت المؤسسة الوطنية الصينية للطاقة النووية (China National Nuclear Corporation) المعروفة اختصارًا بـ”سي إن إن سي” (CNNC) إن أكبر مشروع لإنتاج اليورانيوم الطبيعي في العالم سيساعد بكين على ضمان إمدادات وفيرة من المعدن الإستراتيجي، في تصريحات حصرية إلى غلوبال تايمز.
وتلامس التكلفة الاستثمارية للمشروع المنفذ بوساطة “سي إن إن سي” قرابة 1.5 مليار يوان (نحو 207 ملايين دولار).
وسيتمتع المشروع بأعلى سعة إنتاجية وكذا أعلى مستوى بناء مقارنةً بأي مشروع محلي آخر لإنتاج اليورانيوم الطبيعي، في البلد الآسيوي.
التعدين الأخضر
سيستعمِل أكبر مشروع لإنتاج اليورانيوم الطبيعي في العالم أحدث أنظمة تعدين رقمية وتقنيات خضراء في العالم؛ ما يُسهِم في خفض معدلات الانبعاثات المنطلقة، وتعزيز التنمية المستدامة والمراقبة عن بُعْدْ، بحسب “سي إن إن سي”.
وسيرتكز المشروع على عملية تعدين متطورة تستعمل تقنية استخلاص غاز ثاني أكسيد الكربون والأكسجين.
وعلى عكس طرق التعدين التقليدية التي تُنفذ تحت الأرض، بمقدور التقنية المُستعمَلة في المشروع استخراج اليورانيوم عبر دورة مغلقة لمحلول اليورانيوم دون الاضطرار إلى رفع الخام إلى السطح للمعالجة.
وبذلك يمكن أن يصبح أكبر مشروع لإنتاج اليورانيوم الطبيعي في العالم حيادي الكربوني في عملياته الإنتاجية؛ ليعزز جهود الاستدامة مع تراجع الانبعاثات الكربونية.
إلى جانب ذلك سيعتمد المشروع على حزمة من التقنيات بالغة التطوير مثل الأتمتة والتحكم المركزي عن بُعد إلى جانب الدقة المتناهية في تحليل البيانات الضخمة لتحقيق أهداف تحليل التشغيل الذكي والتعدين الدقيق.
وما إن يدخل حيز التشغيل سيكون أكبر مشروع لإنتاج اليورانيوم الطبيعي داعمًا رئيسًا لجهود بكين في إتاحة إمدادات وفيرة ومستدامة من اليورانيوم الطبيعي؛ ما يحسن مقومات الابتكار المستقل لإنتاجه، ويعزز قدرة بكين التنافسية عالميًا في تلك الصناعة الحيوية، وفق تصريحات هيئة الطاقة النووية الصينية سي إيه إي إيه (CAEA)، تابعتها منصة الطاقة المتخصصة.
55 وحدة طاقة نووية
لدى الصين -الآن- 55 وحدة طاقة نووية تجارية نشطة بإجمالي سعة مركبة يصل إلى 57.03 مليون كيلوواط، محتلةً بذلك المركز الثالث عالميًا خلف الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، وفق ما أظهرته نتائج دراسة مسحية كشفت عنها الجمعية الصينية للطاقة النووية في 15 أبريل/نيسان (2024).
ويُشار إلى أن سعة الكهرباء المولدة بالطاقة النووية في الصين لامست 58.08 مليون كيلوواط/ساعة خلال المدة من مايو/أيار (2024)، صعودًا بنسبة 2.3% على أساس سنوي، بحسب أرقام إدارة الطاقة الوطنية إن إي إيه (NEA) في الصين.
وخلال العام الماضي (2023) بلغ إنتاج الطاقة النووية في الصين 440 ألف غيغاواط/ ساعة؛ ما يقارب 5% من إجمالي إنتاج الكهرباء المولدة في البلاد.
تنامي الطلب على اليورانيوم
تبرز أهمية أكبر مشروع لإنتاج اليورانيوم الطبيعي في العالم مع تزايد حدة المنافسة على هذا العنصر الإستراتيجي، في ظل تدافع العالم نحو التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة وتحرك البلدان نحو تحقيق أهداف الحياد الكربوني؛ ما يغذي الصراع الدائر بين القوى الكبرى للسيطرة على إمدادات ذلك المعدن.
ووفق تقديرات الرابطة النووية العالمية “دبليو إن إيه” (WNA) يُتوقع ارتفاع الطلب على اليورانيوم من 162 مليون رطل في عام 2021، إلى 206 ملايين رطل بحلول عام 2030 و292 مليون رطل بحلول عام 2040، وفقًا لتوقعات الرابطة النووية العالمية، رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
(الرطل = 0.000453592 طنًا).
ومن المتوقع -كذلك- أن تدير الصين أكبر أسطول محطات طاقة نووية في العالم قبل نهاية العقد الحالي (2030)، وأن تمثل الطاقة النووية 10% من كل الكهرباء المولدة في البلاد بحلول أواسط العقد المقبل (2035)، بحسب بيانات منفصلة صادرة في أبريل/نيسان (2024).