أصبحت احتياطيات الغاز في أفريقيا ورقةً رابحةً للعديد من دول العالم، الساعية لتأمين إمدادات موثوقة ومستقرة من تلك السلعة الإستراتيجية، في ظل مستويات طلب محلية ضاغطة.
ويبرُز الغاز الأفريقي خيارًا مطروحًا على طاولة الأوروبيين الذين يسابقون الزمن لطي صفحة الاعتماد على روسيا في إمدادات الطاقة، في أعقاب التوترات التي تلت غزوها أوكرانيا في 24 فبراير/شباط (2022).
ويُتوقع أن يُسهم الموقع الجغرافي المتميز لأفريقيا، إلى جانب مشروعات البنية التحتية الطاقوية المطورة -حاليًا- مثل خط أنابيب الغاز العابر للصحراء (Trans-Saharan Gas pipeline)، في تسهيل تدفق الغاز الأفريقي إلى أوروبا وآسيا؛ ما يدعم أمن الطاقة العالمي.
ووفق بيانات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) لامست احتياطيات الغاز في أفريقيا 17.89 تريليون متر مكعب بنهاية عام 2023، بتراجع 44 مليار متر مكعب، قياسًا بـ17.93 تريليون متر مكعب في العام السابق (2022).
فرص وتحديات
بينما يشهد قطاع الطاقة العالمي تحولات جذرية، تبرز أهمية احتياطيات الغاز في أفريقيا في تلبية الطلب العالمي المطرد على الغاز الطبيعي المسال، الذي يُعوّل عليه في مسارات التحول الأخضر.
لكن احتياطيات الغاز في أفريقيا ما تزال غير مستغلة -حتى الآن- نتيجة تحديات عدة، أبرزها البنية التحتية اللازمة لتصدير هذا الوقود الإستراتيجي في القارة السمراء، وفق منصة إنرجي كابيتال آند باور (Energy Capital & Power).
ويمضي الطلب العالمي على الغاز الطبيعي في مسار صعودي؛ مدعومًا بخواص الحرق النظيف التي يتمتع بها، مقارنةً بالفحم والنفط؛ ما يتسق مع المساعي العالمية الرامية إلى خفض الانبعاثات الكربونية.
ومن المتوقع أن ينمو الطلب العالمي على الغاز بنسبة 2.5% خلال العام الجاري (2024)، على الرغم من القيود المفروضة على إمدادات الغاز، والمعرقلة لنمو الطلب، وفق تقديرات لوكالة الطاقة الدولية، طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
ويأتي هذا الطلب مدعومًا -جزئيًا- بزيادة مستويات الاستهلاك في آسيا، لا سيما في الهند والصين؛ إذ يُنظَر إلى الغاز على أنه وقود انتقالي نحو مصادر الطاقة المتجددة.
وفي أوروبا تظلّ هناك حاجة إلى تأمين مصادر طاقة متجددة ومتنوعة، على الرغم من تراجع الطلب على الغاز بوجه عام، نتيجة الأهداف الطموحة التي يتبناها الاتحاد الأوروبي، ممثلة في تقليص انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 55% بحلول نهاية العقد الحالي (2030).
ويوضح الرسم البياني أدناه -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة- أكثر 10 دول امتلاكًا لاحتياطيات الغاز في أفريقيا خلال 2023:
احتياطيات الغاز في أفريقيا
تلامس احتياطيات الغاز في أفريقيا أكثر من 620 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي؛ ما يعادل قرابة 8.5% من الاحتياطيات العالمية المؤكدة.
وتمثّل نيجيريا والجزائر وموزمبيق ومصر مستودعات الغاز في القارة السمراء؛ إذ تستحوذ الدول الـ4 مجتمعةً على غالبية تلك الاحتياطيات.
وبدءًا من عام 2023 صارت نيجيريا التي لديها 206 تريليونات قدم مكعبة من احتياطيات الغاز المؤكدة أكبر مُنتِج لتلك السلعة في عموم أفريقيا، ومزودًا رئيسًا لأسواق حيوية مثل إسبانيا وفرنسا والبرتغال وإيطاليا، عبر محطة نيجيريا للغاز المسال، البالغة سعتها 22 مليون طن سنويًا.
ثم تأتي الجزائر بحجم احتياطيات من الغاز لامس 4.50 تريليون متر مكعب، دون تغيير عن 2022، وتُصنّف الجزائر عاشر أكبر مُنتِج للغاز في العالم.
وقفزت صادرات الغاز المسال الجزائري إلى أوروبا بنسبة 12%، لتصل إلى 3.01 مليون طن، ما يمثّل 9.9% من إجمالي واردات القارة العجوز خلال الأشهر الـ3 الأولى من 2024.
وتبرُز موزمبيق، التي يلامس احتياطياتها من الغاز 2.84 تريليون متر مكعب، لاعبًا رئيسًا في قطاع الغاز المسال العالمي، بفضل اكتشافات ضخمة في حوض روفوما (Rovuma) البحري.
ويُتوقع أن تلامس السعة الإنتاجية لمشروع موزمبيق للغاز المسال، الذي تقوده عملاقة الطاقة الفرنسية توتال إنرجي، 12.8 مليون طن سنويًا.
إلى جانب ذلك تقود شركة إكسون موبيل الأميركية مشروع روفوما للغاز المسال، المقدرة سعته بـ15.2 مليون طن سنويًا، في حين تطلِق شركة إيني الإيطالية ثاني محطة غاز مسال عائمة تابعة لها في موزمبيق، التي يُعوّل عليها في تعزيز حصة البلد الواقع في شرق أفريقيا في الإمدادات العالمية.
وعبر استفادتها من موقعها الجغرافي الإستراتيجي واكتشافات الغاز المهمة في البحر المتوسط، ترسخ مصر مكانتها مركز غاز إقليميًا، باحتياطيات بلغت 2.21 تريليون متر مكعب في 2023.
وتضع تقديرات احتياطيات حقل ظُهر العملاق، المطور بوساطة شركة إيني، عند قرابة 3 تريليونات قدم مكعبة، كما تصل السعة المجمعة لمحطتي الغاز المسال المصريتين في إدكو ودمياط بنحو 12.2 مليون طن سنويًا؛ ما يُسهِم في تعزيز القدرات التصديرية للقاهرة إلى الأسواق الأوروبية.
دعم العرض والطلب عالميًا
تؤدي مشروعات الغاز في أفريقيا دورًا حاسمًا في تنويع إمدادات الغاز العالمية؛ ما يعزّز أمن الطاقة ويحقق استقرارًا في الأسعار، وفق متابعات لمنصة الطاقة المتخصصة.
وتوجّه أوروبا أنظارها إلى احتياطيات الغاز في أفريقيا، للحصول على احتياجاتها من إمدادات غاز مسال موثوقة، في ظل سعيها إلى خفض اعتمادها على الغاز الروسي بسبب التوترات الجيوسياسية المتصاعدة،
وفي العام الماضي (2023) استحوذت أفريقيا على نحو 15% من واردات أوروبا من الغاز المسال، واستأثرت نيجيريا والجزائر بنصيب الأسد من تلك الإمدادات، في حين أسهمت مصر وموزمبيق بحصص أصغر.
فرصة لآسيا
تُعدُّ احتياطيات الغاز في أفريقيا غايةً في الأهمية لسد الطلب المتنامي على ذلك الوقود منخفض الكربون في آسيا، بحسب معلومات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
فعلى سبيل المثال يُسهم مشروع موزمبيق للغاز المسال في تأمين عقود طويلة الأجل مع مشترين في اليابان والصين والهند؛ ما يضمن استقرار الطلب على إنتاج مابوتو المستقبلي.
وبفضل موقعها الجغرافي الفريد، لا سيما بالنسبة إلى المنتجين في شرق القارة مثل موزمبيق، والدول التي تتمتع بفرص تصديرية مستقبلية مثل تنزانيا وجنوب أفريقيا، تلوح أمام الغاز الأفريقي فرصةً ذهبيةً لاقتحام الأسواق الآسيوية؛ ما يخفّض تكاليف النقل والوقت، قياسًا بمزودي الغاز التقليديين في الشرق الأوسط وأستراليا.
ومع ضخامة احتياطيات الغاز في أفريقيا ومشروعات تطوير البنية التحتية الجارية على قدم وساق، أصبحت القارة مهيّأة لسد الطلب العالمي المتنامي على الغاز.