Skip to content

رفع إيطاليا الحظر عن الطيران الليبي: الدوافع والمنافع الاقتصادية

في خطوة لافتة دات أبعاد اقتصادية وسياسية قامت الحكومة الايطالية برفع الحظر المفروض منذ 10 سنوات عن حركة الطيران الليبي واستئناف الرحلات الجوية المباشرة في الاتجاهين بين ايطاليا وليبيا اعتبارا من سبتمبر القادم .

وكان الاتحاد الاوروبي قد فرض في العام 2014 الحظر على الطيران الليبي ،وايقاف جميع الرحلات الجوية بين طرابلس والعواصم الاوروبية ،بسبب تداعيات الازمة الليبية ، وماقيل وقتها عن مخاوف اوروبية تتعلق بسلامة قطاع الطيران والركاب ،وعدم قدرة المطارات الليبية على استيفاء المعايير الدولية المطلوبة لسلامة رحلات الطيران من والى المطارات الليبية، علاوة على التحسب لاية اختراقات تهدد امن الدول الاوروبية .

ويعد قطاع الطيران المدني في ليبيا من اكثر القطاعات التي تضررت من تبعات الازمة السياسية في البلاد، والاكثر تاثرا بسبب سوء الاوضاع الامنية، ونتيجة إغلاق الاجواء الدوليه في وجه شركات الطيران الليبية، وبسبب تعرض معظم الاسطول الجوي للحرق والنهب والتدمير عندما ثم استهداف مطار طرابلس العالمي وتدميره كليا في العام 2014.

وجاء رفع الحظر عن الطيران الليبي بعد التحسن في الوضع الامني والاستقرار السياسي في ليبيا ،ونتيجة مجهودات كبيرة قامت بها حكومة الوحدة الوطنية، والزيارات المتبادلة بين كل من رئيس حكومة الوحدة الوطنية ،ورئيسة الوزراء الايطالية الى كل من طرابلس وروما ،وبعد ان استعانت وزارة المواصلات بفنيين تابعين لشركة الخطوط التركية ،وفنيين اخرين تابعين لشركة الخطوط الايطالية لمعاينة وتقييم المطارات الليبية، والوقوف على مدى جاهزيتها و تطبيقها للمعايير الدولية الخاصة بسلامة الطيران الجوي .

كما جاء رفع الحظر بعد ان بادرت شركات طيران دولية اخرى الى استئناف رحلاتها الى ليبيا مثل شركة الخطوط التونسية ،وشركة مصر للطيران ،وشركة خطوط مالطية خاصة .

دوافع رفع الحظر الايطالي

تختلط الاسباب السياسية مع الاسباب الاقتصادية من وراء قيام ايطاليا برفع الحظر على الطيران الليبي، واستئناف الرحلات الجوية بين البلدين فايطاليا وهي الدولة المقابلة مباشرة للسواحل الليبية على الجانب الآخر من المتوسط تعتبر ان العلاقات التاريخية التي تربطها بليبيا تجعل من الاخيرة مجالا حيويا لها خاصة في سباق التنافس الدولي على النفوذ في ليبيا، ورغبة ايطاليا في ان تحظى بالمرتبة الاولى في هذا السباق، وان تصبح ليبيا ممرا امنا لها في تجاه العمق الافريقي الذي اصبحت ايطاليا توليه الاهتمام الكبير لاسباب تتعلق بمحاربة الهجرة والارهاب ،

اما على المستوى الاقتصادي فإن رفع الحظر عن حركة الطيران الليبي يسهل حركة التواصل التجاري ويؤسس للشراكة الاقتصادية بين الجانبين ،ويسهل عمل شركات النفط الايطالية ويمنحها فرصة اكبر للمنافسة .

ويؤكد رئيس غرفة التجارة الايطالية الليبية نيكولا كوليكي “إن استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين ايطاليا وليبيا يعتبر خطوة ايجابية للغاية لزيادة الاتصالات بين البلدين، ويعمل على إزالة المشاكل التي تعيق عمل الشركات الايطالية في ليبيا ،وهو تطور مهم لانشاء شبكة من رواد الاعمال الايطاليين الليبيين “.

إن ايطاليا تعتبر الشريك التجاري الاوروبي الاول مع ليبيا والتاني بعد تركيا ،، وبقيمة تفوق 15مليار دولار سنويا ،وهي تقود التحرك الاوروبي لتفعيل العلاقات مع ليبيا في مجال الطاقة لمحاولة الاستغناء عن استيراد ما يصل الى 40%من الغاز الروسي ،وتغطية جزء من هذه الحصة من الغاز الليبي .

في الوقت داته تسعى ايطاليا الى ان تصبح معبر للغاز الليبي ، وربما الافريقي في السنوات القادمة الى اوروبا، وهناك خطط مستقبلية لنقل الغاز النيجيري الى اوروبا عبر خط يمر بليبيا (في حالة الاستقرار السياسي والامني الكامل )ليصل الى جنوب ايطاليا ومنه الى بقية الدول الاوروبية .

المنافع الاقتصادية

تتكبد شركات الطيران الليبية خسائر مالية كبيرة تتجاوز قيمتها 250 مليون دولار سنويا نتيجة القيود المفروضة على الطيران الليبي منذ 2014 ، و توقف 85% من محطات الطيران الخارجية عن العمل، والخسائر في قيمة ساعات الطيران الاضافية والخدمات، بالاضافة الى الالتزامات المالية مع المؤسسات الخارجية ،كما فوت الحظر الحصول على ملايين الدولارات المتأتية من خدمات رحلات (الترانزيت) بالإضافة الى التكلفة المالية الباهظة التي يدفعها المواطن الليبي في رحلته الطويلة والشاقة الى الدول الاخرى والتي تتطلب عادة المرور باكثر من دولة ليصل الى وجهته المقصودة ، هذا زيادة على تضرر او توقف اغلب مرافق الطيران الليبي عن العمل .

وفي هذا الصدد يؤكد المدير العام لمصلحة المطارات محمد بيت المال ان 80% من المطارات الليبية معطلة عن العمل مما تسبب في خسائر مالية كبيرة لشركات الطيران، وتحول اعداد كبيرة من العاملين الى عاطلين عن العمل .

وسيعيد قرار رفع الحظر الانتعاش لحركة الطيران الليبي، ويساهم في عودة حركة التبادل التجاري بين البلدين، وتنشيط دور رجال الاعمال والتجار الليبيين، وتسهيل حركة استيراد السلع من ايطاليا .كما انه يرفع العناء عن المسافرين الليبيين القاصدين اوروبا.

كما يساهم رفع الحظر في تشجيع دول وشركات طيران اخرى على رفع الحظر واعادة تسيير رحلات الطيران من والى ليبيا .ويمكن الاشارة في هذا الاتجاه الى ان شركة مصر للطيران ستقوم اعتبارا من الاول من سبتمبر القادم بتسيير خط طيران ثالث الى مدينة مصراته ليضاف لرحلاتها الاسبوعية الى كل من طرابلس وبنغازي،في نفس الوقت زادت شركة (اويا)الليبية الخاصة للطيران من عدد رحلاتها الى تونس .

لاتتوقف جهود حكومة الوحدة الوطنية عند النجاح في رفع ايطاليا الحظر عن رحلات الطيران الليبي الى روما ،بل تسعى الحكومة جاهدة لرفع الحظر الكامل عن رحلات الطيران الليبي الى كل الوجهات الدولية، ومن اجل النجاح في تحقيق هذا الهدف شرعت حكومة الدبيبة منذ الوقف الدائم لاطلاق النار في اكتوبر 2020 في عمل الكثير من الاستثمارات في قطاع الطيران وإعادة تاهيل المطارات المتوقفة عن العمل بسبب التخريب او التدمير التي طالها ، منها افتتاح محطة برنيق الجديدة في مطار بنينة الدولي التي تتسع ل 2.5 مليون مسافر سنويا .في الوقت نفسه يجري العمل على اعادة تأهيل مطار طرابلس العالمي، وهو المطار الرئيسي والاكبر في البلاد ليكون جاهزا لمعاودة العمل واستقبال الرحلات المحلية والدولية مع بداية 2024، كما تثم صيانة مطار سبها الدولي في جنوب ليبيا ، وعدد من المطارات المحلية ، علاوة على إعداد الخطط اللازمة لإنشاء مطار جديد في مدينة تراغن الحدودية الجنوبية .

ان رفع الحظر وعودة الرحلات في الاتجاهين بين روما وطرابلس هو خطوة مهمة في تجاه عودة الامن والاستقرار الى ليبيا ،

و بداية عودة ليبيا الى محيطها الاقليمي والدولي لتكون مركز دولي للطيران ، وهو بمثابة هدف اخر يسجله رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة في لحظة حرجة في مرمى (خصومه) بانجازه ماعجز عنه كل من سبقوه من رؤساء حكومات اخرين ، وهو ايضا مؤشر قوي على اعادة روما تفعيل دورها في ليبيا ،ودليل على عمق العلاقات الليبية الايطالية ،وعلى حرص ايطاليا على تطوير الشراكة مع ليبيا في كل المجالات ، وهذه الخطوة ستفتح الباب امام نقل التعاون بين البلدين في المستقبل المنظور الى مستوى الشراكة الاستراتيجية .

كما انه سيقود حتما الى تشجيع دول اوروبية وغير اوروبية اخرى للقيام بالخطوة نفسها .

الدكتور مسعود المهدي السلامي: أستاذ الاقتصاد السياسي 

أشهر في موقعنا