الدكتور مسعود المهدى السلامي.
أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة.
بدأ الدينار الليبي يتهاوى بشكل متسارع امام العملات الأجنبية الأخرى، وقفزت بشكل ملحوظ أسعار العملتين الأمريكية(الدولار )والعملة الاوروبية(اليورو ) مقابل الدينار الليبي ووصلت الى مستوى قياسي وغير مسبوق منذ فترة طويلة ، حيث بلغ سعر الدولار الواحد 7.35 دينار في السوق الموازي(السوداء ) واليورو.7.87 دينار. ،والجنيه الاسترليني الى 9.35 دينار. وتشير التوقعات أن سعر العملة الأمريكية ربما يصل الى 9دينار في حالة فشل مجلسي النواب والدولة في الوصول لتسوية لمشكلة مصرف ليبيا المركزي في الاجتماع المقرر يوم الاتنين القادم.
واذا كانت حالة الانهيار القياسي لقيمة الدينار الليبي بين عامي 2014_2019 والتي لم يشهد لها مثيلا قبل هذه الفترة المدكورة ولابعدها نتيجة حالة الصراع السياسي المسلح وقتها ،إلآ أن أسباب الانهيار الحالي لقيمة الدينار والتي أتت بعد فترة من الاستقرار النسبي لسعره مقلقة واكثر خطورة لانها تأتي على خلفية الصراع بين الأطراف السياسية على الاستيلاء على مصرف ليبيا المركزي الذي يمتل بيت مال الليبيين ومخزن العملتين المحلية والاجنبية، وماتلاه من تداعيات خطيرة تمتلت في قيام حكومة حماد الموازية في المنطقة الشرقية وبالتنسيق مع رئيس مجلس النواب عقيله صالح بإغلاق الحقول والمواني النفطية في سابقة لم يسجل فيها من قبل بمثل هذا السلوك. الذي يستهدف مصدر قوت الليبيين.
#الصراع على مصرف ليبيا المركزي
من بين اهم الأسباب التي ادت إلى انهيار قيمة الدينار الليبي نشوب الصراع على مصرف ليبيا المركزي بين الأطراف السياسية في ليبيا والتي أتت على خلفية إصدار المجلس الرئاسي قرارا بتعيين محمد الشكري محافظا للمصرف المركزي بدلا من الصديق الكبير، وسارع عقيله صالح برفض القرار واعتبره اجراء غير قانوني ،علما ان عقيله صالح نفسه كان قد اقال الكبير من منصبه مرتان الأولى في العام 2014 والتانيةفي العام 2018 وادت تداعيات لازمة إلى فرار الصديق الكبير من ليبيا بحجة وجود تهديدات امنية على حياته ،مما ادى الى تعطل عمل المصرف كليا ، ووضع المؤسسات المالية والإدارية الليبية في حالة من الحصار والشلل، وجعلها رهينة لتصرفات الكبير الذي احكم قبضته على المصرف.
كما ادت هذه التطورات الى توقف تام لمنظومة المعاملات المصرفية بما فيها عملية المقاصة بين المصارف التجاريةالليبية، وإغلاق منظومة التعامل بالنقد الأجنبي، و توقف فتح الاعتمادات المستندية، واصيبت المصارف التجارية بالشلل التام وعجزت حتى عن صرف مرتبات شهر أغسطس للمواطنين. يقول المبعوت الأمريكي الأسبق إلى ليبيا جوناتان واينر أن ازمة مصرف ليبيا المركزي خبر سي على الجميع، محذرا من تداعياتها على إلاقتصاد الليبي وعلى الاستقرار الإقليمي، وقال إن الصمت الدولي مقلق، محذرا من وأن تأثير أغلاق الحقول والمواني النفطية في ليبيا سيكون قويا وخطيرا بشكل متزايد على الليبيين.
# أغلاق الحقول والمواني النفطية
ومما فاقم من سرعة انهيار قيمة الدينار الليبي قيام رئيس الحكومة الموازية أسامة حماد بإصدار قرار بإغلاق الحقول والمواني النفطية،وقد سبقه إلى ذلك رئيس مجلس النواب عقيله صالح الذي هدد بأنه سيتم إقفال الحقول والمواني النفطية إلى حين الغاء قرار إقالة الكبير، والتقسيم الذي سماه عقيلة المتساوي للثروة على(الأقاليم ) الثلاثة .وقد تسبب أغلاق الحقول والمواني النفطية في خسارة ليبيا عشرات الملايين من العملة الصعبة،والشح في توفر السيولة ، والارتفاع الحاد في سعر العملات الأجنبية، وتهاوي قيمة الدينار الليبي وانخفاض الدخول الحقيقية للافراد، وتداعي مستوى معيشة المواطن،وزيادة شقا الليبيين في الحصول على قوت يومهم
وكلما أستمر أغلاق الحقول والمواني النفطية كلما خسرت العملة المحلية وتدهورت قيمتها امام العملات الأجنبية الأخرى. وفي هذا الخصوص أبدى عضو مجلس النواب خليفة الدغاري تخوفه من تداعيات قرار أغلاق النفط على إلاقتصاد الليبي ومعيشة المواطن، وراى أن الاغلاقات تزعزع الثقة بالليبيين وليبيا في السوق العالمية، وتزعزع الاستقرار المالي والنقدي للدولة.
وتأتي ازمة انهيار قيمة الدينار الليبي لتضاف إلى ازمات اخرى متلاحقة اصابت الاقتصاد الليبي، مثل ازمة نقص السيولة، وازمة الوقود ،وازمة غلاء أسعار السلع الأساسية وارتفاع مستوى التضخم.
يوضح المحلل الاقتصادي عادل المقرحي” أن سعر صرف الدولار لن يشهد استقرارا على المدى القصير وسط النزاع على مصرف ليبيا المركزي، مشيرا إلى أن إقفال منظومة النقد الأجنبي، وعدم وجود صيغة مناسبة لحل مشكلة الدولار سيؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار مما يتسبب في تواصل انهيار قيمة الدينار الليبي.” إن المعارك ألتي تنشب في كل مرة بين الأطراف المتصارعة على السلطة والمال، ستجعل الدينار يفقد قيمته أمام العملات الاجنبية، ومما يزيد من من خسائر الدينار المصارف التجارية التي تحولت إلى دكاكين تعمل على استغلال المواطن في رحلة بحته عن السيولة
ويبرز هاجس التخوف من استمرار انهيار قيمة الدينار الليبي في السوق الموازي(السوداء )بعد سنوات من الاستقرار النسبي لسعره أمام العملات الاجنبية وهو مايؤرق الليبيين من جديد، لما يجره من تداعيات خطيرة على حياتهم المعيشية، وعلى الاقتصاد الليبي. وبدون شك فإن استمرار التراجع في قيمة الدينار اذا ترك بدون إيجاد حل حقيقي، لمشكلة مصرف ليبيا المركزي، ربما يكون بداية لما هو أسوأ فقد يصل التدهور التدريجي لقيمته إلى مستويات يصعب معها تفادي انهياره بالكامل.