Skip to content

مافيا السوق السوداء تتحكم في الاقتصاد الليبي

 

ا

لدكتور مسعود المهدى السلامي.
أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة.

تلعب السوق السوداء دورا خطيرا في التحكم في مفاصل الاقتصاد الليبي، بشكل غير مشروع ،ودون ظوابط قانونية، وبالمخالفة للتشريعات وللقوانين الاقتصادية المعمول بها في البلاد، و هي تعمل خارج أطار مايعرف بالدورة الاقتصادية الرسمية.
وقد تنامت السوق السوداء ،وتوسعت منذ العام 2014بحيث اصبح الاقتصاد الليبي يعتمد بشكل كبير على هذه السوق،ويتأثر بتقلباتها ويتحمل مخاطر تغلغلها، وتأثيرها على حياة الليبيين. وما زاد من حدة
انتشار السوق السوداء ضعف النظام المصرفي الليبي المفلس المنهار، وقيوده الانتقائية،وغياب القوانين الرادعة والرقابة الحكومية الفعالة، وانتشار الفساد في اغلب مؤسسات الدولة الرقابية والتنفيذية على حد سواء، وسيطرة بعض المتنفذين على المؤسسات المالية، للدولة والتراخي من قبل الجهات المختصة في تنظيم عمل هذه السوق،وتحديد طبيعة عملها..
وقد تحولت السوق السوداء إلى مافيا متغولة في يد عصبة متحكمة ،قادرة على المناورة تتاجر في ازمات البلاد، ولا تترك فرصة تمر دون أن تستغلها وفرض السعر الذي تحدده للعملة الصعبة.
والاخطر من كل ذلك أن السوق السوداء نجحت إلى حد كبير في التأثير على الوضع الاقتصادي وتوجيهه لصالحها خاصة في وقت الأزمات، فهي اصبحت بديلا عن الاقتصاد الرسمي حيث يلجأ إليها الجميع للحصول على العملة الصعبة، و اصبحت تتحكم في معيشة الليبيين بدرجة كبيرة، مقارنة بأوقات اخرى مرت على البلاد خلال العقد الماضي.

 

السوق السوداء وتجارة العملة الأجنبية

لقد اصبح من المألوف أن تشاهد المحال التجارية في المدن الرئيسية في البلاد ترفع لافتات كتب عليها ( محلات صرافة) على مرأى من الأجهزة الرقابية والظبطية ، ودون حصولها على تراخيص للعمل من مصرف ليبيا المركزي أو الجهات المختصة الأخرى.
وقد انتعشت تجارة بيع وشراء العملة الأجنبية في السوق السوداء، وبالمخالفة للقانون وتنامت مع الوقت إلى أن اصبحت اقتصاداً موازياً ومنافسا للاقتصاد الرسمي، وتستحود على مايزيد عن 60 مليار دينار، التي يتم التعامل بها خارج المصارف التجارية.
وتقوم السوق السوداء بالمتاجرة في العملات الأجنبية، والتلاعب وبشكل عشوائي في تحديد قيمة العملة الرئيسية للبلاد(الدينار ) الذي تضاءلت قدرته الشرائية وفقد قيمته أمام العملات الاجنبية الأخرى، مما أدى إلى إرتفاع أسعار السلع الأساسية التي يعتمد عليها المواطن الليبي في حياته. علاوة على تنفيد عمليات
الحوالات المالية في الداخل والخارج ،وبيع العملة المحلية والاجنبية بالشيك المصدق مقابل عمولات ربوية كبيرة، وشراء بطاقات الأغراض الشخصية، وغيرها من النشاطات غير المشروعة التي تعد من الجرائم الاقتصادية الممنوعة .التي تسببت في حدوث تشوهات كبيرة في بنية الاقتصاد وحولته إلى اقتصاد طفيلي غير منتج.
يشير المحلل الاقتصادي مختار الجديد إلى خطورة سيطرة السوق السوداء على حياة الليبيين بالقول:”أن السوق السوداء ليست مجرد لقاء لسماسرة العملة،راقب نفسك وستجد انك تأكل دولارا، وتلبس دولارا،وتركب دولارا وحتى تكاد أن تتنفس دولارا”.ومن جهته طالب وزير الاقتصاد محمد الحويج الجهات الضبطية بمنع المضاربة بالدولار، قائلا:”ان الدولار اصبح سلعة، ولايجوز أن تتحول العملة إلى سلعة “.

السوق السوداء وإخفاء السلع الأساسية.

لايقتصر وجود السوق السوداء على المتاجرة والسمسرة في العملة الأجنبية، بل امتدت لتشمل المتاجرة والمضاربة في السلع الأساسية ألتي يعتمد عليها المواطن، في حياته، حيث يقوم عددا من تجار الأزمات ومنهم تجار الجملة من الليبيين والمصريين على وجه الخصوص بالمضاربة في السلع الأساسية واخفائها من الأسواق، والامتناع عن عرضها، وبما يؤدي إلى حدوث شح كبير في هذه السلع،تم بيعها لاحقا بأسعار مضاعفة لسعرها الحقيقي ،وقد توسعت تجارة المضاربة في السلع الأساسية لتشمل ايضا المنتجات المحلية التي شهدت هي الأخرى ارتفاعا ملحوظا في اسعارها.
وقد قاد مااعلنه محافظ مصرف ليبياالمركزي المقال الكبير مؤخرا بخصوص وقف المؤسسات المالية الدولية تعاملاتها مع مصرف ليبيا المركزي تجار الأزمات إلى استشعار خطر نفاذ المخزون السلعي من غداء ودواء فعمدوا إلى إخفاء السلع الأساسية انتظارا لرفع اسعارها لاحقا،وهو مادفع وزير الاقتصاد الحويج إلى تحذير المضاربين باتخاذ اجراءات رادعة ضدهم وفقا للقانون رقم 13 لسنة 2010.
وفي المجمل يمكن القول ان مافيا السوق السوداء والمضاربة في العملة الأجنبية وفي السلع الأساسية اصبحت في غياب الرقابة والمتابعة من الجهات المختصة احد التحديات الخطيرة التي تواجه الاقتصاد الوطني ،واحد اهم العوامل التي تهدد الامن الوطني في ليبيا.

والسؤال الذي يطرح نفسه :هل تساهم الانفراجة الاخيرة في ازمة مصرف ليبيا المركزي باتفاق الأطراف السياسية على اختيار ناجي عيسى محافظا للمصرف ومرعي البرعصي نائبا له في تحجيم مافيا السوق السوداء ؟
لقد بعت التوافق بين الأطراف السياسية على تعيين محافظ لمصرف ليبيا المركزي امالا حذرة بالوصول إلى حالة من الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد قد ينعكس ايجابيا على مجمل الأزمات الاقتصادية في ليبيا، ومن بينها ازمة مافيا السوق السوداء، ومن المؤشرات الدالة على هذه الانفراجة أن الدينار بدأ في التعافي، واصبحت معدلاته في طريقها للعودة كما كانت عليه قبل ازمة المصرف المركزي الحالية. وربما يتخد محافظ مصرف ليبيا المركزي الجديد خطوات اجرائية لتنظيم عمل محلات الصرافة واخضاعها للقانون وبما يؤدي الى تعافي قيمة الدينار، وانخفاض أسعار السلع الأساسية، ومنع المضاربة في العملة المحلية وفي السلع الضرورية لحياة الليبيين.
من جهة تانية يبقى القلق قائما بشأن فاعلية هذآ التوافق ومدى فاعلية هذا التوافق في معالجة العديد من الأزمات الاقتصادية ألتي تعاني منها ليبيا ومنها ازمة السوق السوداء ، خاصة وأن الأجسام الجاتمة على السلطة عودتنا بالانقلاب في كل مرة على اي حلول او اتفاقات يتم الوصول إليها، فهذه الأجسام لاتهتم إلا بالتفاهمات والاتفاقات التي تخدم مصالحها الشخصية والجهوية وتؤمن لها البقاء في السلطة لاطول فترة ممكنة .

أشهر في موقعنا