تبذل إيطاليا جهودًا حثيثة من أجل إنشاء محور غاز جديد مع الجزائر وليبيا، في ظل نقص الإمدادات الروسية، ردًا على العقوبات الأوروبية المفروضة على موسكو بسبب حربها في أوكرانيا.
وقد رجّح مقال حديث -نشرته مجلة “إنرجيا” (Energia) الإيطالية وطالعته منصة الطاقة المتخصصة- نجاح هذه المساعي لإنشاء مركز جديد للبنية التحتية للغاز في البحر المتوسط، مع إحياء مشروع خط أنابيب غالسي.
وكشف المقال أن النشاط الدبلوماسي المتجدد قادر على تحويل إيطاليا إلى جسر للطاقة بين شمال البحر الأبيض المتوسط وجنوبه، مشيرًا إلى أن هناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأن هذا المشروع سينجح، على الرغم من أن التحديات والشكوك كبيرة.
ويُمكن للجزائر وليبيا توفير ما بين 10 مليارات و15 مليار متر مكعب أخرى من الغاز للتصدير إلى إيطاليا، على مدى السنوات الـ3 المقبلة، بما يمكّن الدول الـ3 من تطوير محور غاز جديد في المنطقة.
إنشاء محور غاز جديد
من أجل إنشاء محور غاز جديد، روجِع مشروع خط أنابيب غالسي بين الجزائر وإيطاليا مرورًا بجزيرة سردينيا، خلال زيارة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني إلى الجزائر، بالإضافة إلى اقتراح توسيع قدرة خط أنابيب ترانسميد.
فقد أدى الانهيار الأخير لإمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا وتغير ديناميكيات الطاقة الدولية لإعادة الاهتمام بالمشروع، الذي يهدف هذه المرة إلى نقل الهيدروجين الأزرق والأخضر وكذلك الميثان، وفق ما نقله المقال الذي اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
ومع ذلك، يظل السؤال المركزي هو ما إذا كانت هناك إمدادات إضافية كافية وطويلة الأجل، في مواجهة توسع البنى التحتية لنقل الغاز، وما إذا كان هناك طلب كافٍ لاستيعابها.
وأضاف المقال: “الإعلانات السياسية ومذكرات التفاهم لا تكفي لِعَدّ المشروعات مكتملة، في الواقع، سيعتمد الكثير على كيفية تطور العرض والطلب على الغاز في الدول المعنية، وعلى المخاطر المرتبطة بذلك”.
وشدد على أن السؤال الأساسي يكمن في كمية الغاز التي ستكون متاحة للتصدير، وموعد توافرها، فضلًا عن موازنات الغاز في ليبيا التي تعدّ “أكثر تعقيدًا بسبب الصراعات السياسية الداخلية”.
ومع ذلك، فإن أيّ توسّع كبير في العرض من البلدين تجاه إيطاليا والدول الأوروبية الأخرى سيتطلب استثمارات جديدة طويلة الأجل.
كما من المحتمل أن تقلل القارة العجوز واردات الغاز من المناطق التي تُعدّ محفوفة بالمخاطر، لصالح التبادلات مع الدول الصديقة أو الحليفة.
وفي هذه الحالة، على الرغم من عدم ضمان انخفاض الأسعار وزيادة التوافر، طرح المقال تساؤلًا: “هل يُمكن أن تؤدي الزيادة في واردات الغاز المسال إلى تقليل أو تجميد الواردات عبر خطوط الأنابيب من شمال أفريقيا؟”
مذكرة تفاهم مع الجزائر
في هذا السياق، وقّعت الجزائر وإيطاليا مذكرة تفاهم، في 23 يناير/كانون الثاني 2023، على هامش زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، لتحديد التدابير الممكنة بهدف تحسين قدرة الجزائر على تصدير الطاقة إلى أوروبا.
وصرّح الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بأن خط أنابيب غالسي سيضم الغاز والهيدروجين والأمونيا والكهرباء.
وتستهدف مذكرة التعاون التي وقّعتها سوناطراك الجزائرية وإيني الإيطالية زيادة قدرة نقل الغاز الحالية، وإنشاء خط أنابيب جديد -أيضًا- لنقل الهيدروجين، ومدّ خط كهرباء بحري للربط بين البلدين، وزيادة القدرة على إنتاج الغاز المسال.
وقال تبون: “اتفقنا على إنشاء خط الأنابيب، ووقّعنا الاتفاقية، على أساس بداية الدراسة ثم الإنجاز”، مشددًا على أن المشروع مهم جدًا، ويجعل من إيطاليا موزعةً لهذه الطاقات عبر أوروبا.
وأضاف أن الأنبوب الذي سيربط بين الجزائر وسردينيا ستكون له مواصفات خاصة، ولن يكون مثل الموجود حاليًا، في إشارة إلى خط أنابيب ترانسميد الذي ينقل الغاز الجزائري إلى إيطاليا.
وتوضح الخريطة التالية -التي أعدّتها منصة الطاقة المتخصصة- خطوط أنابيب الغاز الطبيعي والغاز المسال بين الجزائر وإيطاليا:
خط أنابيب غالسي
كانت إيطاليا والجزائر قد وضعتا خططًا في السابق لتنفيذ خط أنابيب لنقل الغاز الجزائري إلى سردينيا الإيطالية، من خلال خط تحت الماء يبلغ طوله 284 كيلومترًا وأقصى عمق له 2880 مترًا، يربط ميناء كودية الدراوش الجزائري في شمال شرق البلاد بميناء بورتو بوتي في جنوب غرب سردينيا.
وتوقّف تنفيذ المشروع قبل 10 سنوات، بقرارات من الحزب الديمقراطي اليساري الحاكم في إيطاليا وقتها، وفق المعلومات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
وأوضح خبير الهيدروجين والصناعات الغازيّة لدى منظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول “أوابك”، المهندس وائل حامد عبدالمعطي، أن “التصميم الأصلي لخطّ أنابيب غالسي هو نقل الغاز الطبيعي، أمّا إذا حُوِّلَ للعمل بالهيدروجين النظيف، فيستطيع نقل ما يعادل 2.5 مليون طن سنويًا من الهيدروجين، وهو ما يجعله من أكبر مشروعات تصدير الهيدروجين عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا”.
وأكد أن الجزائر ستتمكن من تغطية نحو 25% من واردات أوروبا المستقبلية من الهيدروجين بحلول عام 2030، من خلال خط أنابيب غالسي؛ ما يرسّخ مكانة الجزائر بوصفها موردًا رئيسًا مستدامًا للطاقة بأنواعها المختلفة (غاز وهيدروجين وكهرباء) إلى أوروبا.