الدكتور مسعود المهدى السلامي.
أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة.
اصدر مجلس النواب الأربعاء الماضي قرارا بإجراء تخفيض جديد على بيع النقد الأجنبي من 20% إلى 15% لكل الأغراض ،بعد مقترح من محافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى ونائبه مرعي البرعصي الذي طلب من مجلس النواب إصدار قرار التخفيض، وايضا بعد صدور عدة أحكام قضائية بإلغاء فرض الضريبة. وقد اصدر المصرف المركزي توجيهاته للمصارف التجارية بضرورة تنفيد القرار.
وهذا هو التخفيض التاني للضريبة بعد تخفيضها المرة الأولى من 27% إلى 20%. وقد اختار المصرف المركزي طريقة تخفيض الضريبة على دفعات متتالية حتى يتم تفادي اي صدمات للطلب المحتمل على العملة الصعبة والخسائر التي قد يتكبدها التجار وأصحاب الاعتمادات في حالة القيام بإلغاء الضريبة دفعة واحدة
وقد أدى قرار التخفيض إلى تراجع السعر الرسمي للدولار، وتقارب في السوقين الرسمية والموازية، حيت بلغ فارق الدولار أمام الدينار 44قرشا، وانخفض سعر الدولار في السوق الرسمي من 5.88 دينار إلى 5.66 دينار, فيما تراجع سعر صرف الدولار في السوق السوداء بشكل طفيف ،بالإضافة الى تراجع أسعار بعض السلع الأساسية بشكل متفاوت.
ومن المعلوم انه تم فرض الضريبة على بيع النقد الأجنبي للمرة الأولى في العام 2018 من قبل حكومة السراج وبنسبة 183% وذلك ضمن مااعتبره السراج وقتها برنامجا اصلاحيا شمل ايضا مراجعة عملية دعم المحروقات، و عدد من الإجراءات الأخرى المصاحبة منها تخصيص مبلغ 500 دولار لكل فرد في الأسرة.
ويأتي قرار تخفيض الضريبة الى 15% ضمن الجهود التي يبذلها مصرف ليبيا المركزي والتي يسعى من خلالها المصرف إلى احدات الاستقرار المالي ،ورفع قيمة الدينار الليبي امام العملات الأجنبية الأخرى، واعادة التوازن للسوق المحلي، والاستجابة لمطالب الليبيين بالغاء الضريبة لتقليل فاتورة الأعباء المالية عليهم وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين،خاصة وان فرض الضريبة كان قد اثار موجة من الغضب الشعبي بسبب تحميل المواطن دفع فاتورة الفساد ونهب المال العام، علاوة على انعكاسات فرض الضريبة على أسعار السلع الأساسية التي يعتمد عليها المواطن في معيشته، خصوصا وأن معضم هذه السلع يتم استيرادها بالعملة الصعبة.
من جهة تانية، يحمل توقيت تخفيض الضريبة على بيع النقد الأجنبي العديد من الدلالات الاقتصادية المهمة خاصة وان هذا التخفيض يأتي بعد أقل من شهر واحد من التخفيض الأول، فهو من جانب يعكس التزام المصرف المركزي بالمصداقية في مواصلة العمل على تخفيض الضريبة ودعم قيمة الدينار الليبي،ومن جانب آخر، يشير قرار التخفيض إلى أن الإدارة الجديدة للمصرف عازمة على ازالة كل الآثار السلبية الناجمة عن قرارات محافظ مصرف ليبيا المركزي السابق الصديق الكبير ومنها قرار فرض الضريبة على بيع النقد الأجنبي بنسبة 27%,وعمله على تحقيق تحسن ملموس في الوضع الاقتصادي للبلاد ،من خلال الالتزام باستراتيجية واضحة لإدارة السياسة النقدية، مما يؤدي الى تحقيق الاستقرار المطلوب في سعر صرف الدينار الليبي على الاقل على المدى القصير، وإلى انخفاض أسعار السلع الأساسية والمعمرة ألتي يحتاجها المواطن،علاوة على تخفيف مستوى التضخم الذي خلق تشوهات في بنية الاقتصاد.
لكن بالمقابل، فإن نجاح عملية تخفيض الضريبة على بيع النقد الأجنبي في تحسين واستقرار قيمة الدينار الليبي، وتحسين الوضع المعيشي للمواطن،وتحريك الوضع الاقتصادي، يتطلب وجود سياسة نقدية ومالية رشيدة وواضحة للمصرف المركزي ،والتي تبدأ بالتنسيق مع السلطة التنفيذية لوقف الهدر في الانفاق العام ومحاربة الفساد خاصة في القطاعات المهمة التي يعتمد عليها الاقتصاد، والعمل على تنويع مصادر الدخل،ووضع حد لوجود السوق السوداء من خلال تأسيس شركات رسمية للصرافة تلتزم بالظوابط التي يضعها المصرف،وايجاد مصادر اخرى بديلة للدخل غير النفط، والاتفاق على ميزانية مالية موحدة للعام 2025،تراعي الأولويات التي تحتاجها البلاد، وتقليص الانفاق على المشاريع غير منتجة.