تغيرت أحوال أسواق السلاح العالمية بعد الحرب الروسية الأوكرانية، ولم تعد الأحوال كما كانت عليه قبل الحرب، التي كشفت النقاب عن سباق تسلح عالمي جديد بين الدول الكبرى، لتسطع شمس تجار جدد للسلاح وتأفل أخرى، فيما تبقى الولايات المتحدة صاحبة الكلمة العليا في هذه السوق باستحواذها على ثلث مبيعاتها، وامتلاكها أكبر خمس شركات فيها.
انتعشت أسواق الأسلحة الأمريكية بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، عبر رفع وتيرة الإنتاج من جهة، ومعاملات الشراء من جهة أخرى، إذ شهدت الحرب اصطفافا أمريكيا غربيا إلى جانب كييف، والالتزام بتزويد الجيش الأوكراني بالأسلحة للدفاع عن أرضه، ما أدى إلى زيادة حجم الإنفاق الأوروبي على برامج التسليح بعد أن كشفت الحرب الأخيرة في أوكرانيا نقطة ضعف الجيوش الأوروبية.
صدرت الولايات المتحدة نحو ثلث مدخراتها من صواريخ جافلن المضادة للدروع إلى أوكرانيا، لترفع من حصتها من ثلث الصادرات العالمية إلى 40 في المائة، ومثلت الصادرات الأمريكية من الأسلحة نحو ضعف الصادرات الروسية والصينية مجتمعة، ما يؤكد هيمنتها على السوق، رغم محاولات موسكو وبكين كسر نظام القطب الواحد.
تقيم أكبر خمس شركات لصناعة الأسلحة في العالم على الأراضي الأمريكية وتعمل لمصلحة حكومتها، وهذه الشركات، هي: لوكهيد مارتن، ورايثيون، وبوينج، ونورثروب جرومان، وجنرال ديناميكس، وقد ضمنت أزمة أوكرانيا لتلك الشركات الحفاظ على مكانتها لبعض الوقت فضلا عن أن التدفق الهائل للأسلحة الأمريكية على أوكرانيا سيبقي الشركات الأمريكية منشغلة لفترة طويلة، ما يقلل من مستويات البطالة ويزيد من فرص العمل مع انتعاش الوضع الاقتصادي المرتبط بمبيعات السلاح.
ارتفاع الطلب الروسي على السلاح قلل من فرص مبيعات الشركات الروسية للأسواق الخارجية، ما دفع الدول الراغبة في الشراء إلى التوجه نحو الصين، التي كثفت من إنتاجها، وفتحت أسواقا ناشئة، للاستحواذ على الحصة الروسية من مبيعات الأسلحة، خصوصا أن المنتجات الصينية أقل تكلفة من المنتجات الأمريكية والغربية، وقد تكون أكثر تطورا وتقدما.
وتضمنت قائمة أكبر الدول المصدرة للسلاح الولايات المتحدة 40 في المائة، وروسيا 16 في المائة، وفرنسا 11 في المائة، والصين 5.2 في المائة، وألمانيا 4.2 في المائة، وإيطاليا 3.8 في المائة، وبريطانيا 3.2 في المائة، وإسبانيا 2.6 في المائة، وكوريا الجنوبية 2.4 في المائة.
لا يقتصر الانتعاش الأمريكي على أسواق بيع السلاح من جراء الحرب الروسية الأوكرانية، حيث جنت الولايات المتحدة كثيرا من الأرباح بسبب هذه الحرب، فهي الرابح الأكبر بعد الاستيلاء على حصة روسيا من بيع الغاز عقب انقطاع الغاز الروسي، الذي رافق القلق الأوروبي من التهديدات الروسية.
سوق السلاح الروسي
ازدهرت تجارة الأسلحة الروسية، ووصلت إلى مستويات مرتفعة جدا بعد 2010 لكن في ظل أزمة أوكرانيا شهدت موسكو تراجعا كبيرا في مبيعات السلاح، حيث دفعتها الحاجة إلى استهلاك مخزونها من السلاح وما كان مقدرا للبيع، بحيث وصلت إلى مستويات هي الأدنى فتراجعت تجارة السلاح الروسية أكثر من 70 في المائة.
كما اقتصرت مبيعات الأسلحة الروسية على 12 دولة، ولولا آثار أزمة أوكرانيا لكان من الممكن أن تبقى منتعشة مدة أطول، مع طول أمد الأزمة وزيادة العقوبات ضد روسيا، تتزايد الشكوك بشأن الأسلحة الروسية، فضلا عن قدرة موسكو على إنتاج أسلحة متطورة وتقديم دعم طويل الأجل للعملاء الذين يشترونها، إضافة إلى أن روسيا ليست لديها قاعدة تكنولوجية أو اقتصاد كبير لدعم تطوير أنواع كثيرة من الأسلحة والمكونات الجديدة.
كما تواجه الشركات الروسية صعوبة في الحصول على تكنولوجيا أشباه الموصلات، خاصة في ظل اشتداد العقوبات الغربية التي كبحت جماحها، وقيدت تعاملاتها الخارجية، كما تحتاج عملية زيادة الإنتاج إلى وقت إضافي في ظل الطلب الكبير على الأسلحة، خصوصا إذا استمرت اضطرابات سلاسل التوريد.
أظهر الخلاف الكبير بين قائد قوات فاغنر الروسية وهجومه المتكرر على وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، من جراء النقص الكبير في الذخيرة، الذي تعرضت له الوحدات المقاتلة أثناء حصار مدينة باخموت، فيما عزت جهات غربية أن السبب في نقص الذخيرة يعود إلى عدم قدرة المصانع الروسية على توفيرها.
الشركات الصينية أسرع نموا
تمتلك الصين ست شركات من ضمن أكبر 25 شركة دفاعية في العالم، وتبلغ حصتها الحالية 5 في المائة من سوق الأسلحة العالمية، وتعد أقل بكثير من حصة روسيا البالغة 19 في المائة، إلا أن هذه الحقائق تشير إلى امتلاك الصين القدرة على توسيع حصتها في السوق بعد اندلاع أزمة أوكرانيا، إضافة إلى توسيع شبكة الإنتاج الصناعي الخاصة بها.
كما تتمتع الصين بعديد من المزايا، التي يمكن أن تسمح لها بالسيطرة على سوق الأسلحة، حيث بدأت أخيرا ببيع أنظمة أسلحة متطورة لعملاء في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، خصوصا بعد الزيارة الأخيرة للرئيس الصيني شي جي بينغ للعاصمة السعودية الرياض، وعقد القمة العربية الصينية هناك.
إلى ذلك، تحقق الشركات الصينية للأسلحة أسرع نسبة نمو مقارنة ببقية شركات السلاح في العالم، حيث سجلت حضورا قويا بانضمامها إلى نادي أكبر عشر شركات تصنيع للسلاح في العالم، ورغم استمرار الهيمنة الأمريكية على هذا القطاع، فإن الأرقام تظهر أن الشركات الصينية باتت تنافس الشركات الأوروبية على وجه الخصوص.
كما تعد واشنطن أن توسيع رقعة مبيعات الأسلحة الصينية يقوض النفوذ الأمريكي في المنافسة الجيوستراتيجية المستمرة، لكن هذه النتيجة ليست حتمية بعد، إذ لا يزال هناك متسع من الوقت للولايات المتحدة وحلفائها لتقديم بدائل للأسلحة الروسية بأسعار معقولة، وبالتالي إحباط طموحات الصين.
ختاما، ينظر العالم في ترقب وحذر لعودة الرايخ الألماني إلى المنافسة من جديد، بدخوله أسواق صناعة الأسلحة، وتحديد موازنة مليارية، لتسليح الجيش وتدعيم عقيدته القتالية.