أ.د مسعود المهدى السلامي: أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة
اعتمد مجلس النواب في جلسة غير مكتملة النصاب حضرها اقل من 50 نائبا ميزانية العام 2024 بقيمة اجمالية تبلغ 17,9 مليار دينار،وهي تعد الميزانية الاضخم في تاريخ ليبيا.
وحسب ماذكره مجلس النواب انه تم تقسيم صرف الميزانية بين الحكومتين، اي حكومة الوحدة الوطنية والحكومة الموازية،بحيث تتولى كل منهما بشكل مستقل عملية صرف المبالغ المالية المخصصة لها في الميزانية على المناطق الخاضعة لسيطرتها، والواقعة تحت اشرافها. وقد أسند مجلس النواب لحكومة الوحدة الوطنية صرف البند الخاص بالمرتبات والبند الخاص بالدعم، بسبب وجود الاصول والبيانات الخاصين بهذين البندين في ديوان حكومة الوحدة الوطنية بطرابلس.
وقد صرح رئيس لجنة المالية بمجلس النواب عمر تنتوش ان “اعتماد الميزانية العامة جاء بطلب من محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، وبالتوافق معه، وأن المصرف اعلن انه قادر على صرف هذه الميزانية “.كما صرح أعضاء اخرين من مجلس النواب ان اعتماد الميزانية تم بالتشاور مع جميع الأطراف ومنها حكومة الوحدة الوطنية ،ومحافظ مصرف ليبيا المركزي.
من جهة تانية، قوبل اعتماد الميزانية من قبل مجلس النواب بالرفض وباعتراضات واسعة، خاصة من قبل مجلس الدولة الذي اعتبر ان جلسة مجلس النواب غير قانونية وافتقدت النصاب القانوني المطلوب لإقرار الميزانية وهو عدد 120 نائبا، وانها لم تتم وفق الاصول المتبعة ،وبالتشاور الملزم مع مجلس الدولة،كما اعترض المجلس الرئاسي هو الآخر على اعتماد الميزانية، واعتبر انها لم تتم وفق السياق المطلوب .
وفي هذا الخصوص عقد مجلس الدولة جلسة يوم الاتنين الماضي تم خلالها رفض إقرار الميزانية حيت صوت 63 عضوا من أصل 73 حضروا الجلسة ضد إقرار الميزانية.
من جهته صرح عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة انه(ضد) إقرار الميزانية في ظل وجود حكومتين متنافستين وبالمخالفة للاتفاق السياسي،مشيرا إلى انه يجب على المصرف المركزي تحمل مسؤليته بأن يقوم بالصرف فقط على بابي المرتبات والدعم..
في نفس الاتجاه أكد عضو مجلس النواب عبد السلام نصية أن هناك تضخما في أرقام الميزانية، مطالبا بضرورة وضع خطة للمحافظة على الحد الأدنى من السلامة المالية، ومقدرا أن الموازنة المناسبة يجب ألا تتعدى 135مليار دينار.
وحسب الخبير الاقتصادي الدكتور عطية الفيتوري ان إظهار ميزانية بهذا الشكل فيه تشوه كبير، ولاتعبر عن الإيرادات الحقيقية لأنها اخفت إيرادات بيع النفط الخام بالمقايضة. كما انها لاتعبر عن الإنفاق الحقيقي المتمثل في واردات شركة البريقة من المشتقات النفطية،مؤكدا ان هذه الميزانية لاتتصف بالشفافية والافصاح المطلوبين لبيان الواقع المالي للدولة.
مغالطات في إقرار الميزانية
لقد شاب إقرار ميزانية 2024 جملة من الأخطاء والمغالطات الصريحة والتجاوزات المكشوفة التي يجب الوقوف عندها ،والتنبه لها لمحاولة تلافي اثارها السلبية على الاقتصاد الوطني، وعلى الوضع المعيشي للمواطن الذي يتردى كل يوم وذلك في حالة موافقة محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير على صرف الميزانية ، وأولى هذه المغالطات ان اعتماد ميزانية بهذا الحجم وفي الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الليبي من تشوهات مزمنة مثل التضخم وتدني قيمة العملة المحلية والارتفاع الفاحش في أسعار السلع الأساسية يعد عبثا، واستنزافا لأموال الدولة الليبية، وتاني هذه المغالطات أن خطوات أعداد الميزانية حسب الاتفاق السياسي تبدأ بإعداد السلطة التنفيذية المختصة مشروع الميزانية ،ثم يتم تحويلها لمجلس الدولة لأبداء الملاحظات حولها ثم تحول لمجلس النواب لاعتمادها. وفق الاصول القانونية الصحيحة، وثالث هذه المغالطات أن مجلس النواب لم يقم بالإعلان عن عدد النواب الذين حضروا الجلسة،ولا عدد الاعضاء الذين صوتوا لصالح إقرار مشروع الميزانية، خاصة وان القانون ينص على وجوب تصويت 120 نائبا لصالح إقرار قانون الميزانية حتى تصبح نافذة
إن إقرار مجلس النواب لقانون الميزانية للعام 2024 في هذه الظروف السياسية والاقتصادية المتقلبة التي تعيشها ليبيا، وفي غياب التوافق مع مجلس الدولة، وبدون اتباع الاصول القانونية المتبعة في هذا الخصوص، وفي وجود حكومتان متنافستان على السلطة والمال ،كل هذا سيدخل البلاد في حلقة جديدة من الانقسام السياسي والفوضى الاقتصادية والفساد المالي والإداري.
من جهة تانية، إن موافقة محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير الذي يعتبر الحارس على المال العام للدولة على صرف هذه الميزانية الضخمة يظهر سيطرة الصراعات والاصتفافات السياسية التي دفعت الى اعتماد الميزانية ، كما تكشف التناقض الواضح تصريحات وأفعال الصديق الكبير بخصوص الوضع المالي للدولة فقد سبق وان قام الصديق الكبير قبل ثلاثة أشهر بفرض ضريبة 27% على مبيعات النقد الأجنبي بذريعة التوسع في الإنفاق الذي أدى حسب قوله إلى زيادة العجز المالي.
كما يثير اعتماد ميزانية بهذا الحجم وفي الوقت الذي يمر فيه الاقتصاد الليبي بحالة غير مسبوقة من التشوهات والعشوائية والفساد يتير التساؤل حول مدى قيام المعنيين باقرار الميزانية بتقييم الوضع الاقتصادي في البلاد، و التنبه للمخاطر التي قد تترتب من جراء صرف هذه الميزانية الضخمة.
وعلاوة على كل ذلك ،فإن تعدد جهات الصرف لايبشر بتدفق مستمر ولا بإنفاق واضح المعالم لهذه المليارات من الدينارات، والاغلب انها لن تذهب لتنفيد خطط التنمية المتوقفة منذ سنوات، ولن تذهب ايضا لتحسين مستوى معيشة المواطن الليبي الذي ضاقت عليه سبل الحياة،بل على الأغلب ستذهب للمحاصصة بين الأطراف السياسية المستفيد الأول من هذه الميزانية الضخمة،وستنفق على المرتبات العالية لكبار المسئولين و على الامتيازات والنتريات والايجارات،والاجتماعات والسفريات الخاصة بالوزراء ووكلاء الوزراء والنواب والسفراء وبارونات الاعتمادات، ومن هم على شاكلتهم.