في خطوة مفاجئة ،وتبدو كما يرى البعض مدبرة اصدر رئيس هيئة الرقابة الادارية القرار رقم 347 لسنة 2024 القاضي بإيقاف وزير النفط والغاز محمد عون عن العمل، والتحقيق معه بسبب ارتكابه( حسب القرار )مخالفات قانونية وأدارية تتعارض مع مقتضيات وظيفته، وتضر بقطاع النفط،وإهدار للمال العام. ولم توضح هيئة الرقابة الادارية في نص القرار أو بعده ماهي المخالفات القانونية والإدارية التي ارتكبها عون، ولا متى او كيف ارتكبها،خاصة وأن عون نفى الاتهامات،ودفع ببرأءته منها قائلا:” انا على يقين تماما بأنني لم ارتكب اي مخالفة قانونية، بل عملت طيلة عملي على الحفاظ على ثروات ليبيا “.
وقد آثار قرار الايقاف الكثير من الشكوك حول توقيته ودوافعه، ومن يقف وراءه، خاصة بعد أن سارع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بعد يوم واحد من قرار الايقاف بتكليف وكيل وزارة النفط(خليفة عبد الصادق )بمهام وزير النفط مؤقتا بدلا من محمد عون.
والسؤال: ماهي الأسباب الحقيقية لإيقاف عون ؟
وهل دخل النفط في الصراع بين الأطراف السياسية؟
وماهي الانعكاسات المحتملة لهذا القرار على استقرار وإنتاج النفط في ليبيا؟
تثير قضية إيقاف عون عن العمل جدلا واسعا حول أسباب ودوافع الايقاف خاصة وأن الرجل كما يرى الكثيرون معروف بالمهنية والالتزام في العمل، والحرص على ثروات ليبيا النفطية، ومعارضته القوية لمحاولة المؤسسة الوطنية للنفط خاصة في عهد رئيس المؤسسة الحالي فرحات بن قداره ابرام عددا من الصفقات والعقود النفطية التي اعتبرها عون غير قانونية ومجحفة وتعد تفريطا في ثروةالليبيين النفطية. وربما هذا هو مايفسر حسب البعض السبب الخفي لابعاد عون عن منصبه كوزير للنفط والغاز،وهو مايثير التساؤل حول عمل شركات النفط الأجنبية في ليبيا، وعلاقاتها، وكيفية حصولها على عقود الامتياز.
ومن المعلوم ان العلاقة بين الأطراف المتحكمة في قطاع النفط ليست على مايرام ،بسبب الخلافات والصراع بينهم على الصفقات والاتفاقيات النفطية، وحول كيفية إدارة عائدات النفط. ومن المعلوم ايضا ان الخلافات بين الدبيبة وعون وصلت إلى حد القطيعة منذ سبتمبر 2023 على خلفية قيام الدبيبة بتشكيل المجلس الأعلى لشؤون الطاقة برئاسته، وتوقيع الدبيبة على مذكرة تفاهم مع تركيا في 2اكتوبر 2022 للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية والتي لاقت اعتراض من وزير النفط عون الذي اعتبر تصرف الدبيبة تفريطا في ثروة الليبيين. ومن أسباب الخلاف بين الدبيبة ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة من جهة وبين وزير النفط محمد عون من جهة أخرى رفض عون توقيع صفقة تسمح لائتلاف شركات اجنبية مكونة من شركة ايني الإيطالية و توتال الفرنسية وادنوك الإماراتية ومؤسسة الطاقة التركية بتطوير حقل الحمادة النفطي مقابل نسبة 40%من الانتاج، واعتبر عون هذه النسبة عالية جدا، وتفتح الباب أمام الشركات الأجنبية الأخرى للمطالبة بزيادة حصتها في الانتاج ،وطالب بإعطاء الاولوية للشركات الوطنية العاملة في مجال النفط لتطوير حقل الحمادة.
وقد لاقى قرار إيقاف الوزير محمد عون عن العمل رفضا واسعا من العديد من الجهات الرسمية ومن الاحزاب والنقابات والجهات الأخرى ذات العلاقة، فقد اعتبر 53 عضوا من المجلس الأعلى للدولة بأن إيقاف وزير النفط عن العمل، خطوة مشبوهة ومتعمدة ،وهي تأتي بسبب معارضة الوزير عون للصفقات والاتفافيات النفطية التي تمنح امتيازات غير مقبولة لبعض الشركات النفطية من ناحية وتعرض ثروة الليبيين من النفط للنهب والاستيلاء عليها من جهة أخرى.
من جهة تانية، اتهم التجمع الوطني للاحزاب الليبية حكومة الوحدة الوطنية بالعمل على التخلص من عون من أجل تمرير بعض الصفقات المجحفة والمرفوضة، ومنها المفاوضات المتعلقة بالاتفاقية الخاصة بحقل NC7 في حوض الحمادة ،معتبرا ان هناك شبهة فساد تحوم حول أصرار كل من الدبيبة ورئيس المؤسسة
الوطنية للنفط فرحات بن قدارة على المضي في
مفاوضات الاتفاقية المدكورة ،واتمام هذه الصفقة لصالح شركات ايني الإيطالية وتوتال الفرنسية وادنوك الإماراتية ومؤسسة الطاقة التركية، رغم ان هذه الخطوة مثيرة للشكوك، وتعطي هذه الشركات امتيازات غير مستحقة وتتعارض مع المصلحة العامة.
وحسب عضو المجلس الأعلى للدولة سعد بن شرادة ان مايحدث في مورد النفط هو عبث كبير، خاصة في هذه الظروف التي تعاني منها ليبيا،ولم تكن حسب القوانين واللوائح المعمول بها في الدولة الليبية.
ومن الواضح أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة الذي يواجه هذه الأيام تحديا لسلطاته رتب بالتنسيق مع رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة( الذي هو على خلاف دائم مع عون)، عملية ازاحة عون الذي يعتبر المعارض الوحيد
لكل الصفقات والاتفافيات التي يحاول كل من الدبيبة وبن قدارة تمريرها لصالح شركات بعض الدول بعينها من اجل تحقيق مصالح سياسية، وكسب ود الدول المتنفذة .
كما يكشف إيقاف وزير النفط عون عن العمل في هذه الظروف التي تعاني منها ليبيا سياسيا واقتصاديا أن مورد النفط اصبح في قلب المعركة بين الأطراف السياسية المتصارعة على السلطة والمال، مما يتسبب في زيادة تكاثر الاطماع الدولية في الهيمنة على النفط الليبي ، والعبث بالثروات والموارد الطبيعية للبلاد، من اجل تحقيق مصالح ضيقة تضيع معها المصالح الوطنية وحقوق الاجيال القادمة.
بقلم: الدكتور مسعود المهدي السلامي: أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة