بعد إعادة فتح منظومة التعامل بالنقد الأجنبي، قام مصرف ليبيا المركزي بوضع مجموعة من الضوابط للحصول على العملة الأجنبية، حاول من خلالها منع تلاعب التجار والسماسرة والمضاربين بالعملة ، الذين يستغلون حاجة المواطن الحصول على العملة ، ومنع التحكم بسعرها.
وترتكز الآلية الجديدة على بيع النقد الأجنبي بشكل مباشر، من قبل المصرف المركزي عن طريق حجز وشحن البطاقات عن طريق تطبيق إلكتروني خاص بلمصرف المركزي، تحال بعدها المخصصات من النقد الأجنبي التي حجزها للمواطن إلى الحساب المصرفي الخاص به، يمكنه بعدها التصرف فيها سواء بيعها أو تجميعها في حسابه الخاص بالنقد الأجنبي، أو تحويلها لعميل آخر.
وقد شملت الضوابط التي اقرها المصرف تخفيض القيمة المخصصة للأغراض الشخصية(الأفراد )من 10 الالاف دولار كما كان سابقا الى 4 الالاف دولار سنويا. أو مايعادله من العملات الاجنبية الأخرى، كحد أقصى لما يمكن بيعه للشخص الواحد من قبل جميع المصارف في ليبيا. بالإضافة الى فرض مجموعة من الضوابط الخاصة بفتح الاعتمادات المستنديةللتجار ،تضمنت تحديد سقف أعلى لقيمة الاعتماد المستندي وفق الآتي:
الاعتماد المستندي الخدمي =1 مليون دولار.
الاعتماد المستندي التجاري =3 مليون دولار.
الاعتماد المستندي الصناعي =7 مليون دولار.
وشدد المصرف المركزي على ضرورة ان تكون قيمة الاعتماد المستندي مغطاة بالكامل بالعملة المحلية من خلال الرصيد المتاح بالحساب، وأن لا تتعارض طلبات فتح الحساب مع القرارات الصادرة عن الجهات ذات الاختصاص بشأن تحديد السلع المحظور استيرادها أو تصديرها.
وتأتي الضوابط أنتي أقرها مصرف ليبيا المركزي بخصوص التعامل بالنقد الأجنبي كمحاولة لتنظيم بيع العملة الصعبة ،والحد من استنزافها وتسربها للسوق السوداء،او تهريبها للخارج، خاصة بعد تزايد تزايد حجم الطلب على العملة الأجنبية خلال العام 2023 ,حيث بلغت استخدامات النقد الأجنبي خلال سنة 2023 ماقيمته 25 مليار دولار، وإذا مااضيفت إليها قيمة دعم المحروقات فيكون إجمالي الطلب على النقد الأجنبي قد وصل إلى 43 مليار دولار خلال تلك السنة، وهو الأعلى منذ العام 2013,دون الاخد في الحسبان المبالغ الي تم تهريبها بشكل غير قانوني ،مما دفع المصرف المركزي وقتها إلى سحب 10مليار دولار من احتياطات النفد الأجنبي لمواجهة الطلب المتزايد على العملة.
عودة العملات الأجنبية للارتفاع الحاد في السوق الموازي.
ورغم اهمية هذه الضوابط في الحفاظ على رصيد المصرف المركزي من العملة الصعبة، لكنها لم تفلح حتى الآن في لجم ارتفاع العملات الأجنبية في السوق الموازي، حيث يواصل الدولار في الارتفاع متخطيا حاجز 7دينار للدولار الواحد ،واليورو 8 دينار لليورو الواحد،مما يشير إلى أن هذه الضوابط ليست هي الحل الامثل لمواجهة السوق الموازي للعملة ،والذي يتحول تدريجيا الى اقتصاد بديل عن الاقتصاد الذي تديره الدولة ،كما يعكس بشكل أعمق مستوى العشوائية والتضخم الذي وصل اليه الاقتصاد الليبي.
وحسب الخبير الاقتصادي نور الدين حبارات ان الارتفاع المتواصل في سعر الدولار له عدة اسباب منها تنامي الطلب على النقد الأجنبي بشكل كبير جدا الناجم عن زيادة الإنفاق العام. ويوضح المحلل الاقتصادي أبوبكر عياد ان إجمالي قيمة البطاقات الصادرة لاتكفي ولا تؤثر في حجم الطلب على الدولار، وسرعان ما يمتصها تجار العملة الذين اشتروا المعادل بالدينار،وأن عددا كبيرا من أصحاب البطاقات لايقومون ببيعها مفضلين الاحتفاظ برصيدها حتى زيادة أسعار الصرف إلى مستويات مرتفعة. واعتبر عياد ان تخفيض قيمة البطاقة من 10الالاف دولار إلى 4الالاف دولار يعطي مؤشرا سلبيا بأن احتياطات ليبيا من النقد الأجنبي في طريقها إلى النفاذ من المصرف المركزي.
الارتفاع في سعر السلع الأساسية
بالتوازي مع الارتفاع في سعر الدولار ارتفعت أسعار العديد من السلع الأساسية التي يعتمد عليها المواطن في تلبية احتياجاته. ويؤكد الخبراء والمحللون الاقتصاديون ان الأسعار في مجملها ارتفعت بنسبة 10% لمختلف السلع الغذائية والدوائية، وأن الأسعار ستواصل الارتفاع في حالة عدم انخفاض سعر الدولار. وحسب المحلل الاقتصادي طارق الصرماني ان المورد للسلع يتحصل على الاعتمادات بالسعر مصرف ليبيا المركزي 4.85دينار للدولار الواحد، ويبيع السلعة الموردة بسعر السوق الموازي.
ويلاحظ انه مع الارتفاع الكبير في سعر الدولار، ارتفعت أسعار العديد من السلع الأساسية مثل اللحوم الحمراء واللحوم البيضاء والبيض والطماطم والارز والكسكي والقهوة والحليب ومشتقاته، وغيرها من السلع الأخرى.
ان أسعار السلع الأساسية مرتبطة بالسوق الموازية للعملة من ناحية الصعود فقط، فكلما زادت أسعار العملة الأجنبية زادت معها أسعار السلع الأساسية، الأمر الذي يثقل كاهل المواطن، خاصة دوي الدخل المحدود، ما يتسبب في النهاية في زيادة مستوى الفقر ،وهذا مااكده وزير الاقتصاد والتجارة محمد الحويج بأن عدد الليبيين تحت مستوى خط الفقر وصل إلى 40%من عدد السكان.
والخلاصة: ان الضوابط ألتي أقرها مصرف ليبيا المركزي ساهمت في زيادة ارتفاع سعر الدولار والعملات الأجنبية الأخرى وليس انخفاضها كما كان متوقعا، مما صاحبه ايضا زيادة إلارتفاع في أسعار السلع الأساسية في الأسواق، وقلة المعروض منها،خاصة السلع التي يوردها صغار التجار ، والى زيادة تحميل اعباء إضافية على المواطن الذي يعاني من غلاء المعيشة وعدم قدرته على الايفاء بأبسط ضرورات الحياة.
ومايشهده سعر الصرف في السوق السوداء اليوم كان أمرا متوقعا، وسوق النقد الأجنبي سيشهد المزيد من الاضطرابات خلال السنة، وسيجد المصرف المركزي نفسه مضطرا لضخ ضعف ماكان يهدف إلى توفيره من النقد الأجنبي بالقيود التي فرضها على استعمالاته .
إن نجاح الضوابط الخاصة بالتعامل بالنقد الأجنبي يتوقف على مدى ضمان تدفق إنتاج النفط وبقاء اسعاره عند مستوياتها المرتفعة الحالية، وايضا استمرار فتح منظومة التعامل بالنقد الأجنبي بانتظام ودون توقف، واستمرار العمل بالاعتمادات المستندية وبطاقة الأغراض الشخصية,وقبل هذا، ضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية حقيقية على كافة المسارات المالية والنقدية بالتوافق والتنسيق بين الحكومة ومصرف ليبيا المركزي،وأن تخضع هذه الإصلاحات للمراجعة والتقييم الدوري بشكل مهني وموضوعي للتأكد من أنها تسير وفق الخطط المرسومة لها، ودون ان يلحق بها التوظيف السياسي أو المحاباة أو الفساد .
وعلى المدى الطويل ،لابد من إعادة رسم السياسة النقدية والمالية في البلاد ، وتعديل سعر صرف الدينار، والعمل على تحريك الاقتصاد بإيجاد مصادر دخل بديلة غير النفط، والقضاء على التشوهات التي اصابت الاقتصاد ،وضبط الإنفاق العام، والحد من الهدر والفساد المالي المستشري في كل مرافق الدولة.
بقلم: الدكتور مسعود المهدي السلامي: أستاذ الاقتصاد السياسي.