الدكتور مسعود المهدى السلامي: أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة
كل شي بات غامضا ويثير التساؤل حول الأموال الليبية المجمدة في الخارج، ولا أحد يعلم بدقة وبالأرقام الصحيحة قيمة هذه الأموال المجمدة، ولا حجم المنهوب منها، او من هي الجهات او الافراد الذين يحاولون الاستيلاء على هذه الأموال، مما جعل هذه القضية من اهم القضايا التي باتت تشغل بال الجهات الرسمية وغير الرسمية.
وعبر سنوات متعددة فشلت كل الحكومات المتعاقبة في تحريك هذه القضية وإيجاد حلول تقود الى رفع التجميد عن هذه الأموال وتنقدها من النهب والضياع. ورغم استمرار هذه المحاولات لكن لا يبدو حتى الان انها ستقود إلى نتيجة إيجابية.
وكان مجلس الامن الدولي قد أصدر في العام 2011 القرار رقم 1973 الذي فرض بموجبه عقوبات على ليبيا تشمل من بينها تجميد كل الأموال والأصول المنقولة وغير المنقولة، والموارد الاقتصادية المملوكة للدولة الليبية الموجودة في الخارج.
ورغم انه لا توجد إحصائيات دقيقة عن قيمة الأموال المجمدة في البنوك الأجنبية إلا إن بعض الإحصائيات الرسمية تشير الى انها تتجاوز 200 مليار دولار موزعة على بنوك في عدة دول عربية وأوروبية وافريقية وفي أمريكا وآسيا.
وتستحوذ أوروبا على 37% من هذه الأموال المجمدة، وأمريكا على 33%, وقارة أفريقيا 23%، والشرق الاوسط 6% وامريكا الجنوبية 1%.
وعلى مدار السنوات الماضية واجهت الأموال الليبية المجمدة محاولات متعددة من بعض الدول لاستمرار تجميدها او الاستيلاء عليها، مستغلة حالة الانقسام السياسي في البلاد، وعدم إتفاق الأطراف السياسية الليبية على خطة واضحة لرفع التجميد عن هذه الأموال وانقاذها من الضياع.
وكشف تحقيق قضائي بلجيكي نشرته صحيفة (Le Soir) البلجيكية عن وجود عدد كبير من الوثائق التي تؤكد اختلاس مبالغ ضخمة من الفوائد المستحقة على الأموال الليبية المجمدة المودعة في المصارف البلجيكية والتي تفوق قيمتها 14 مليار يورو.
وحسب الصحيفة انه بعد 7سنوات من التحقيقات القضائية تبين انه تم الاستيلاء على نحو 2.3 مليار يورو من هذه الأموال بطريقة غير قانونية، مما يعد انتهاكا صريحا ومتعمدا لقرارات مجلس الأمن الدولي، وأن جزءا من هذه الاموال التي ثم الاستيلاء عليها أودع في حسابات مصرفية في لوكسمبورج والبحرين، فيما يظل (حسب الصحيفة) مصير 800 مليون يورو مجهولا تماما.
يقول الخبير المصرفي الليبي عبد المنعم زيدان أن الحكومات المحتجز لديها الأموال الليبية إما أنها تريد الاستيلاء على فوائد هذه الأموال المجمدة أو أنها تريد الاستيلاء على جزءا من أصل المبلغ المجمد.
ومنذ عدة سنوات تجتهد الحكومة الليبية لاسترجاع هذه الأموال ومنع الاستيلاء على ما تبقى من هذه الأموال، وكثفت من محاولات تحريك هذا الملف، حيث قامت بتشكيل فريق قانوني دولي مختص للتواصل مع لجنة العقوبات الدولية ومع الدول المعنية لمنع استغلال فوائد الأموال المجمدة، او الاستيلاء عليها بحجة تعويضات لأفراد او شركات تتبعها.
من جهة تانية طالب مندوب ليبيا لدى مجلس الامن الدولي الطاهر السني مجلس الامن بضرورة رفع التجميد عن الأموال الليبية، وحذر من محاولات بعض الدول المتكررة لوضع يدها والحجز او الاستيلاء على اصول ليبيا واموالها المجمدة لديها خلافا لقرارات مجلس الأمن الدولي، وذكر مجلس الامن الدولي أن التجميد هو في الاساس للحفاظ على الأموال والأصول الليبية وليس لنهبها والاستيلاء عليها.
كما طالبت المؤسسة الليبية للاستثمار من مجلس الامن الموافقة على طلبها رفع التجميد على جزء من الاصول المجمدة، وقامت بإعداد خطط لإعادة هيكلة هذه الأصول، وإعادة استثمارها كما تقول المؤسسة بشفافية وتحت إشراف المؤسسات الرقابية وبطريقة تتماشى مع معايير الحوكمة الدولية
لكن مع ذلك، فمن غير المتوقع ان يستجيب مجلس الامن الدولي لطلب المؤسسة الليبية للاستثمار برفع التجميد عن جزء من هذه الأموال المجمدة مع نهاية العام الحالي 2024 كما هو متوقع ،نظرا لحالة عدم الاستقرار السياسي والامني، واستمرار الانقسام السياسي والمؤسساتي في البلاد، فمنذ العام 2017 لم تتوافق السلطات المتصارعة على السلطة في ليبيا على خطة لمطالبة مجلس الأمن برفع الحظر على هذه الأموال.، حيث تحاول كل جهة من هذه الجهات استثمار هذا الملف بما يخدم مصالحها السياسية الخاصة، ومازال لدى مجلس الامن الدولي المعني برفع التجميد عن هذه الأموال شكوك حول قدرة السلطات الليبية المختصة على إدارة هذه الأموال بطريقة صحيحة ،وعادلة، وأن لا يتم استخدامها في تغدية الصراعات السياسية والعسكرية بين هذه الأطراف،
وتقف المصالح والخلافات السياسية بين أعضاء مجلس الامن الدولي، واختلاف رؤيتهم للحل في ليبيا تقف عائقا امام إتفاق هؤلاء الاعضاء على رفع التجميد عن الأموال الليبية، او إلزام الدول المحتجز لديها الأموال المجمدة بالتقيد بما جاء في قرار مجلس الامن رقم 1973 القاضي بمنع سحب هذه الأموال او التصرف فيها، وإلزام المصارف المودع فيها هذه الأموال بإضافة الفوائد المستحقة إلى أصل المبلغ المجمد.
وحسب الخبير القانوني رمضان التويجر ان هناك غموضا كبيرا في السنوات الاخيرة حول قضية الأموال الليبية المجمدة في الخارج بسبب المواقف غير الواضحة من بعض المؤسسات الدولية ومن بعض الدول تجاه المطالب المتكررة للسلطات الليبية استرجاع اموالها المجمدة طيلة هذه السنوات.
إن الحجم الضخم للأموال الليبية المجمدة في الخارج، والذي يزيد حسب بعض التقديرات عن 200 مليار دولار، بالإضافة إلى تجميد حوالي 80 طنا من الذهب لا شك انه يحرك اطماع الدول الموجود فيها هذه الأموال والأصول ويخدم اقتصاداتها ويحقق مصالحها، ويشجعها على التغافل على المطالب الليبية، واستغلال حالة الانقسام السياسي، وضعف مؤسسات الدولة الليبية، في استمرار تجميد هذه الأموال والاستحواذ على فوائدها، وتقوم هذه الدول باستخدام كل طرق وأساليب التسويف والتحايل
والمماطلة لتحقيق هدفها في بقاء هذه الأموال مجمدة لديها لأطول فترة ممكنة، كما تحاول رفع الدعاوي القضائية على ليبيا للحصول على تعويضات لأفراد أو شركات تدعي أن استثماراتها تضررت بسبب الأحداث في ليبيا.
وليس بمستغرب بأن يكون ملف الأموال المجمدة في الخارج من بين أسباب دعم بعض الدول لاستمرار الفوضى في ليبيا، وتعطيل الوصول إلى حل سياسي للازمة في ليبيا، فبعض هذه الدول تستفيد من حالة عدم الاستقرار في البلاد، كما أن الحجم الضخم لهذه الأموال المجمدة لدى هذه الدول قد يهدد بحصول اضطرابات وركود في اقتصادات هذه الدول في حالة تمكن ليبيا من استرداد اموالها المجمدة.