يلف الغموض مصير الاموال الليبية المجمدة في الخارج بفعل القرار ( 1973 ) الصادر في العام 2011 تتيجة تداعيات الازمة الليبية.
وقد شمل التجميد اصول مالية ودائع واسهم وسندات وعقارات وسبائك ذهب وقطع الماس من قبل الدول والشركات والمصارف الدولية التي اودعت فيها هذه الاصول ،ىولايعلم احد حتى الان على وجه الدقة حجم هذه الاصول ،ولاىحجم ماثم الاستيلاء عليه ،ولا قيمة المنهوب منها،خاصة وان بعض الدول ترفض الاعلان عن حجم الاموال المجمدة لديها ،ودول اخرى اقرت بوجود اموال ليبية مجمدة لديها لكنها لم تكشف عن حجم هذه الاموال ، هذا اضافة الى ان بعض الدول والجزر المتوقع وجود اموال او اصول ليبية مجمدة لديها لايسمح نظامها المالي الافصاح عن اموال واسرار عملائها ،ناهيك عن صعوبة ملاحقة كل الاصول المالية الليبية في الخارج لانها موزعة على دول متعددة ،ولا توجد سجلات دقيقة تكشف عن الدول التي توجد بها هذه الاصول والاموال .
تشير تقديرات بعض المسؤلين الليبيين الى ان حجم الاموال المجمدة في الخارج تصل الى 200 مليار دولار ، فيما تشير تقديرات اخرى ان حجم هذه الاموال اكبر من ذلك بكثير وقد تصل الى 500 مليار ،
وهي تتوزع على مصارف عدد من الدول منها :
امريكا :34 مليار دولار .
بريطانيا :19.2مليار دولار .
فرنسا :11مليار دولار .
إيطاليا :8مليار يورو .
المانيا :7مليار يورو .
النمسا :1.2 مليار يورو .
كندا :2.4مليار دولار .
لوكسمبورغ :1 مليار يورو .
تونس :73مليون دولار .
وتفيد بعض التقديرات ان حجم الاموال الليبية الموجودة في دولة جنوب افريقيا تتجاوز 20 مليار دولار ،موزعة على 4 مصارف ،بالاضافة الى كميات من الذهب وقراريط من الالماس .
وهناك تقارير اخرى تشير الى ان حجم الاموال الليبية الموجودة بالامارات (غير معلن عنها ) تصل الى 50 مليار دولار ،و ان هناك حوالي 40 مليار دولار بالبنوك السويسرية.
وتتوزع الاموال المجمدة على قارات العالم وفق النسب الاتية :
اوروبا 37%.
امريكا 33% .
افريقيا :23% .
الشرق الاوسط :6%.
امريكا الجنوبية 1%.
وهناك ارصدة اخرى غير معروف حجمها مجمدة في دول اخرى مثل بنما والمكسيك وبعض الدول الافريقية .
كما لا يعرف قيمة او مصير الاموال والاصول الاخرى الليبية الموجودة في روسيا و الصين وجنوب افريقيا والامارات والبحرين ،ودول اخرى لم يتم الكشف عنها او تعقب حجم الاموال الموجودة في مصارفها ،لان هذه الدول ترفض الكشف عن قيمة هذه الودائع الضخمة ،فيما بعض الدول الاخرى ينكر وجود هذه الاموال اصلا .
محاولات الاستيلاء
بدأت سلسلة الادعاءات والاطماع للاستيلاء على الاموال والاصول الليبية المجمدة تتحرك قبل نحو 7 اعوام عندما اقامت عدة شركات عالمية دعاوي على ليبيا للحصول على تعويضات على مشاريع كانت تنجزها في ليبيا قبل العام 2011,وتحصلت على احكام مبدأية لصالحها ، قبل ان تقوم ليبيا بالطعن في هذه الادعاءات ،وايقاف محاولات السيطرة على هذه الاموال والاصول ,وتجنيب ليبيا دفع التعويضات المطلوبة المزعومة.
على سبيل المثال اقامت شركة الخرافي الكويتية دعوى قضائية امام المحاكم الفرنسية مطالبة بتعويض مالي قدره مليار ومئتان وخمسون مليون دولار من الاموال الليبية المجمدة في البنوك الفرنسية والتي يصل حجمها الى 11مليار دولار كتعويض عن توقف تنفيد مشروع استثماري بالعاصمة طرابلس وقعته مع الحكومة الليبية في العام 2005. ورغم ان محكمة النقض الفرنسية حكمت في سبتمبر 2022 ببطلان ادعاءات شركة الخرافي في حقها بالتعويض،إلا ان الشركة تقدمت بدعاوي اخرى امام المحاكم المصرية مستغلة وجود اموال ليبية مجمدة بعدد من المصارف في مصر .
كما سبق وان طالبت بريطانيا لجنة العقوبات الدولية بالافراج عن حوالي 20 مليار دولار من الاموال الليبية المجمدة لدفعها كتعويضات للمتضررين من هجمات لحركة الجيش الجمهوري الايرلندي السري التي تدعي بريطانيا ان ليبيا كانت تدعمه ،مع العلم ان هذا الملف قد ثم قفله بقبول ليبيا التسوية وقامت بدفع 2مليار دولار كتعويض للمتضررين .
محاولات ولي عهد بلجيكا
قام الامير لوران ولي عهد بلجيكا برفع دعوى قضائية في العام 2022 عبر وزارة المالية البلجيكية للحصول على اذن من لجنة العقوبات الدولية للحصول على تعويض بمبلغ 50 مليون دولار كتعويض مزعوم مقابل عقد للتشجير ابرمته شركته مع الدولة الليبية.
وقد حكمت محكمة استئناف بروكسل في الدعوى المقدمة من الامير البلجيكي بالحجز على نحو 15مليار يورو من الاموال الليبية المجمدة في مصرف يورو كلير ببروكسل ،غير ان المؤسسة الليبيبة قامت برفع دعوى قضائية للاعتراض على الحكم المدكور ، واعتبار ان الدعوى هي نوع من التحايل ولابتزاز ،لان المؤسسة التي تعود ملكية الاموال المجمدة لها لم تكن طرفا في العقد الموقع مع شركة الامير البلجيكي .
جهود ليبية لحماية الاموال المجمدة في الخارج
مع تواصل الرفض الدولي لفك الجمود على الاموال الليبية منذ عقد كامل تخوض ليبيا معارك على اكثر من جبهة لحماية الاموال الليبية من النهب والاستيلاء عليها ، ومحاولة إما استرداد بعض هذه الاموال من خلال مباحثات فردية مع دول معينة ،او منع محاولات الاستيلاء على هذه الاموال والتصرف فيها .
وقد قامت حكومة الوحدة الوطنية بانشاء مكتب خاص لاسترداد اموال الدولة وإدارة الاصول المستردة (لارمو) ، وطالبت ليبيا الامم المتحدة بوضع آلية جديدة تسمح بإدارة مؤسسة الاستثمار الخارجي الاموال الليبية المجمدة وعدم إهدارها، والتخفيف من العقوبات الدولية على اصولها المالية حتى تتمكن من إطلاق موجة جديدة من الاستثمارات لصالح الاقتصاد المحلي .
كما قامت المؤسسة الليبية للاستثمار برفع عدة دعاوي في مواجهة محاولات الاستيلاء على الاموال الليبية المجمدة ،كان اخرها القضية التي رفعتها على الامير ولي عهد بلجيكا (لوران )بتهمة الاحتيال والابتزاز والمتاجرة بالنفوذ .
وحذر مندوب ليبيا الدائم لدى مجلس الامن (الطاهر السني )من اي محاولة للاستيلاء على الاموال الليبية المجمدة في الخارج منذ العام 2011، مؤكدا ان المساس بهذه الاموال مخالف لقرارات مجلس الامن، وان التجميد في الاساس هو للحفاظ على الاموال الليبية وحمايتها ،وليس لنهبها او استخدامها في تسويات او تعويضات مزعومة .
يمثل وجود الاموال الليبية المجمدة في عدد من الدول الاجنبية خسارة كبيرة للاقتصاد الليبي الذي لم يستفد من هذه المبالغ الضخمة في عملية التنمية، وبالمقابل تجميد هذه الاموال يفيد في تحريك اقتصاد الدول المستحودة عليها التي تعتبر هذه الاموال حقا مكتسبا لها.
وتستفيد من فوائد هذه الاموال لصالحها ، لانها لا تضيف لاصول الاموال الليبية المجمدة الارباح المصرفية على هذه الارصدة وفقا لما نص عليه قرار مجلس الامن الدولي رقم 1973 “باضافة ارباح إيداع الاموال الليبية على اصول المبلغ.”
وتعمد هذه الدول الى التحايل لابقاء هذه الاموال مجمدة لديها لاطول فترة، ومحاولة الاستيلاء عليها تحت ذريعة انها تعويضات على عدد من القضايا المرفوعة من قبلها.
يقول الخبير الاقتصادي الليبي عبد المنعم زيدان “أن الحكومات الاجنبية المحتجز لديها الاموال الليبية إما إنها تريد الإستيلاء على فوائد هذه الاموال او الاستيلاء على جزء من اصل المبلغ “.
ولقد ادى الصراع بين الاطراف الليبية إلى تجميد المليارات من العملة الصعبة، التي استفادت منها الدول الموجودة فيها هذه الاموال ولم يستفد منها الليبيون رغم معاناتهم وحاجتهم الماسة لهذه الاموال،
ومع مرور الوقت ومن خلال الوقائع والقضايا المرفوعة يبرز الخوف اكثر من إمكانية نهب والاستيلاء وضياع تلك الاموال المملوكة للشعب الليبي وإمكانية نجاح بعض الدول والشركات والافراد في وضع اليد على هذه الاموال والاستيلاء عليها،وحرمان الليبيين من هذه الثروة الضخمة .
عليه يجب على السلطات الليبية المسؤولة ان تتخد كل التدابير القانونية والعمل على حماية هذه الاموال من الاستيلاء والنهب، وفك التجميد عليها، واسترداد تلك الارصدة والممتلكات المجمدة وتوجيهها لتمويل مشروعات البنية التحتية ،وتحسين مؤشرات الاقتصاد الوطني، وإعادة هيكلة قطاع النفط ،وإطلاق مشروعات لاستخراج الغاز الطبيعي ،وتخفيف الاعباء المعيشية عن المواطن الليبي الذي اصبح يعيش اوضاعا معيشية صعبة ومزرية ،توازي في حدتها تلك التي يمر بها مواطنو دول اخرى فقيرة وقليلة الموارد .
بقلم الدكتور .مسعود المهدي السلامي أستاذ الاقتصاد السياسي