يعاني الاقتصاد الليبي منذ عقود من التكدس في عدد العاملين في الجهاز الاداري للدولة ،دون الالتزام بالظوابط والقوانين المتعلقة بالتشغيل ،ودون الالتزام بشروط الكفاءة والجدارة ،او مراعاة لمعايير التخصص.
ووسط التخمة في عدد العاملين ،وعدم حاجة مؤسسات الدولة الى هذا الكم الهائل من العاملين في قطاعاتها المختلفة ،وهشاشة الهيكل الاقتصادي العاجز عن توليد فرص عمل جديدة ،تقف الدولة عاجزة عن ايجاد الحلول الناجعة لهذه المشكلة التي انهكت الميزانية العامة وخلقت تشوهات في الاقتصاد ،واثار اجتماعية سلبية .
واقع التضخم في الجهاز الاداري
يبلغ حجم القوى العاملة في ليبيا 2.6مليون اي نحو 31%من عدد السكان البالغ عددهم 7.4مليون نسمة بنهاية عام 2019,وبواقع 2.3مليون في القطاع العام ،و300الف في القطاع الخاص ، اما عن هيكل التوظيف فيوجد مانسبته 84.5% في القطاع العام و 10.9%في القطاع الخاص ،4.6% في المصانع والشركات،وتستحود الرواتب على اكثر من 65% من اجمالي الانفاق العام . وهذا العدد لايشمل افراد القوات المسلحة والشرطة وجهات اخرى التي قد يصل حجمها الى 500 الف شخص، يضاف الى هذا العدد المدكور ، فيما بلغ عدد العمالة الاجنبية الوافدة 2.5مليون تقريبا تصل تحويلاتهم الى 21.5مليار سنويا من خلال السوق الموازي . (إدارة الدراسات والبحوث بمصرف ليبيا المركزي ).
والجدول التالي يوضح حجم التضحم في الجهاز الاداري في ليبيا مقارنة ببعض الدول الاخرى :
ليبيا = عدد السكان 7.4.مليون =عدد العاملين بالجهاز الاداري 2.6مليون عامل (2020).
تونس= عدد السكان 11.5مليون = عدد العامين بالجهاز الاداري = 661.703 الف عامل (2021).
الجزائر =عدد السكان 41 مليون =عدد العاملين بالجهاز الاداري 4 مليون عامل (2023).
المغرب =عدد السكان 35 مليون =عدد العاملين بالجهاز الاداري 860 الف عامل .(2023).
مصر = عدد السكان 105 مليون ,عدد العاملين في الجهاز الاداري 5 مليون عامل ( 2023)
السعودية =عدد السكان 35 .95 مليون = عدد العاملين بالجهاز الاداري 3.69 مليون عامل (2023)
الكويت= عدد السكان 4.457 مليون =عدد العاملين بالجهاز الاداري 372.942 الف عامل (2023).
ويلاحظ من خلال هذا الجدول ارتفاع عدد العاملين في الجهاز الاداري في ليبيا مقارنة مع هذه الدول اذا اخدنا في الحسبان الفارق الكبير في عدد السكان بين ليبيا من جهة ومصر والسعودية وتونس من جهة اخرى .
اسباب التضخم في الجهاز الاداري
تعود اسباب التضخم المستشري في الجهاز الاداري في ليبيا الى مجموعة من الاسباب الادارية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
الاسباب الادارية.
_عدم وجود ملاكات وظيفية معتمدة في كافة القطاعات الادارية .
_لايوجد نظام وصف وتوصيف للوظيفة تحدد المهام والواجبات الوظيفية على اساسها .
_لايتم التعيين حسب التخصص وحاجة العمل ووفق الملاك الوظيفي ،فعلى سبيل المثال عدد العاملين بوزارة التربية والتعليم يقترب من 600 الف موظف ،وعدد المعلمين والمعلمات يقترب من 400 الف بينما وفقا للمقاييس العلمية العالمية لاتحتاج ليبيا الى اكثر من 85الى 100الف مدرس .
الاسباب الاجتماعية.
تلعب الاسباب الاجتماعية في دولة يسيطر عليها العامل القبلي والمناطقي دورا كبيرا في التعيين في الوظيفة العامة حيت يتم التعيين في مرافق الدولة بناءا على الواسطة والمحسوبية والانتماءات القبلية والمناطقية وليس وفق متطلبات التخصص والجدارة ، وعلى هذا الاساس يتم تعيين بعض الافراد وهم مازالوا على مقاعد الدراسة ،وقد تجد الشخص الواحد يشغل اكثر من وظيفة في جهة عامة .ومن خلال مطابقة مرتبات العاملين بالجهاز الاداري بالرقم الوطني من قبل (مركز التوتيق والمعلومات في وزارة المالية ) تبين وجود اكثر من 125 الف حالة ازدواج وظيفي فعلي .
الاسباب الاقتصادية .
لعبت الاسباب الاقتصاية هي ايضا دورا في التكدس الوظيفي في الجهاز الاداري العام لان الدولة كانت تقوم بدور الضامن في تعيين الخريجين دون الاخد في الاعتبار حاجة سوق العمل .كما ان الوظيفة العامة تعتبر الضامن للافراد لتقاضي مرتب اتناء العمل وعند التقاعد .
الاسباب السياسية .
كان عدد العاملين في الجهاز الاداري قبل العام 2011 مليون عامل ،ثم اخد في التضخم بعد 2011 نتيجة الانقسام السياسي والولاءات المناطقية واستغلال السلطة ،على سبيل المثال عقب احداث 2011 قام بعض مسئولي التعليم في بعض المناطق بتعيين حوالي 50000الف كمعلمين من تخصصات في الجيولوجيا والقانون والادارة وغيرها من التخصصات غير التربوية ،وصرفت الوزارة عليهم 400 مليون دينار كمرتبات قبل ان يتم فساد تلك العقود .
ان مشكلة التضخم في الجهاز الاداري مخيفة ،ومن المرجح انها ستتفاقم مع موجات الخريجين كل سنة وبعشرات الالاف ،وفي غياب التعويل على دور القطاع الخاص بالمشاركة في استيعابهم بديلا عن حل المشكلة بمشكلة اخرى اكبر ، وتحويل القوة البشرية الى بطالة مقنعة فاشلة تؤدي الى فشل قطاعات الدولة بسبب التضخم الوظيفي الكبير .
بقلم: الدكتور مسعود المهدي السلامي أستاذ الاقتصاد السياسي