الدكتور مسعود المهدى السلامي.
أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة
أصدر رئيس مجلس النواب عقيله صالح يوم الأحد الماضي القرار رقم(68)لسنة 2024 القاضي بتخفيض قيمة الضريبة المفروضة على بيع النقد الأجنبي بنسبة 7% لتصبح 20%بدلا من 27% وفق القرار السابق الذي اصدره عقيلة نفسه . وقد أتى هذا القرار القاضي بتخفيض قيمة الضريبة على بيع النقد الأجنبي بعد الوصول إلى إتفاق بين مجلس النواب ومجلس الدولة لحل ازمة مصرف ليبيا المركزي، وتولي إدارة جديدة للمصرف، حيث تم تكليف ناجي عيسى محافظا للمصرف ومرعي البرعصي نائبا له. وتكليفهما باختيار أعضاء مجلس الإدارة..
وقد آثار قرار عقيلة تخفيض الضريبة الجدل والخلافات كالعادة بين الأطراف السياسية، فمنهم من رحب بالاتفاق واعتبره خطوة تدريجية في تجاة الرفع الكامل للضريبة، ومنهم من طالب بالرفع الكامل للضريبة لانها حسب رأيهم اضرت بالوضع المعيشي لليبيين، وسبق أن صدرت أحكام قضائية بالغائها.
والسؤال الذي يثار ماهي الأسباب الحقيقية لهذا الخلاف؟ وكيف سيؤثر على عمل الإدارة الجديدة لمصرف ليبيا المركزي ؟
تتمحور الخلافات الجديدة بين رئيس مجلس النواب عقيله صالح من جهة، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة من جهة تانية،حيت طالب رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بإلغاء القرار الذي اصدره عقيلة صالح كليا “معتبرا انه يخالف القانون رقم 27لسنة 2001. الذي حدد الجهة المختصة بفرض الرسوم وهي ليست مجلس النواب او رئيسه”،مشيرا الى الأحكام القضائية التي قضت بالغائه ،والى الضرر الذي يلحقه استمرار فرض الضريبة على حياة المواطن من خلال ارتفاع أسعار السلع الأساسية.. كما طالب عددا من أعضاء مجلسي النواب والدولة ومحللون اقتصاديون بسحب قرار ضريبة 27%، الصادر كما قالوا بالمخالفة للقانون،،وبشكل غير مدروس ومجحف بحق المواطن، ويتجاوز الصلاحيات الممنوحة لرئيس مجلس النواب.
من جهة تانية، رحب عددا من المتخصصين في الشأن الاقتصادي بخطوة تخفيض الضريبة بنسبة 7%، معتبرين انها خطوة في الاتجاه الصحيح. تجنب الاقتصاد اي اهتزازات واثار غير متوقعة، فقد اعتبر عضو لجنة سعر الصرف بمصرف ليبيا المركزي سابقا مصباح العكاري أن قرار تخفيض نسبة الضريبة من 27% إلى 20% يعد خطوة مقبولة وايجابية وصحيحة يجب البناء عليها لاحقا في تعديل قيمة الدينار الليبي. كما أكد رجل الاعمال الليبي المعروف حسني بي ان تخفيض قيمة الضريبة تعد خطوة إيجابية لتحقيق الأهداف الاقتصادية الخاصة بتحقيق استقرار الأسعار وزيادة الثقة بالدينار الليبي والحد من نشاط السوق السوداء. وحسب الخبير الاقتصادي مختار الجديد أن مطالبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بإلغاء الضريبة المفروضة على بيع النقد الأجنبي بشكل كامل هو “استخفاف بالعقول، والمشكلة اعمق من تحل بمراسلة”.واعتبر مراقبون أن استمرار الاتجاه نحو تقليص الضريبة على بيع النقد الأجنبي
سيؤدي إلى تحسن في القدرة الشرائية للمواطن الليبي ،ويساهم في تعزيز الاستهلاك المحلي ،وتحريك عجلة الاقتصاد، واستمرار سعر صرف الدينار الليبي.
ان الخلاف بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح من جهة، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة من جهة اخرى حول تخفيض قيمة الضريبة المفروضة على بيع النقد الأجنبي يدخل في إطار محاولة السيطرة على قرارات المصرف المركزي،في سياق لعبة لي الذراع المتواصلة بين الشخصين.وتستهدف اللعبة الجديدة تحويل ازمة مصرف ليبيا المركزي الى واقع جديد يفرضه الصراع السياسي المختلف بشأنه والمتفق على الغاية الاولى منه وهي استبعاد الحل.
كما يعكس الخلاف حول تخفيض قيمة الضريبة اصرار الاطراف السياسية المتصارعة ،على استخدام مصرف ليبيا المركزي رهينة للتجادبات السياسية ولخدمة اطماعهم وخدمة مصالحهم الخاصة، دون الاخد في الاعتبار مايلحقه هذا الصراع من ضرر على الاقتصاد الليبي. و كل طرف من هذه الأطراف يسعى للحصول على اقصى استفادة ممكنة من وراء الاتفاق على حل ازمة المصرف وتعيين محافظ ونائب له ومجلس إدارة جديد للمصرف،وعليه فإن الجولة التانية من الصراع التي تدور حول تخفيض قيمة، وتعيين مجلس الإدارة الجديد للمصرف هي عبارة عن مزايدة سياسية لاعلاقة لها بمصلحة المواطن ،خاصة وأن القرار لم يصدر عن المحافظ الجديد، وايضا بعد أن منح الاتفاق صلاحيات مهمة لاعضاء مجلس الإدارة.
. واغلب المتداخلين الذين يديرون معركة الخلاف على نسبة فرض الضريبة إنما يعملون من اجل مصالحهم الشخصية والجهوية، وليس من أجل مصلحة الليبيين، وهو مايعني أن هؤلاء المتخاصمون سيستغلون اي فرصة من اجل الإستمرار في الصراع، الى أن يتحصل كل طرف على مبتغاه، أو أن تتم الاطاحة بهم واختيار سلطة جديدة. مكانهم .
ووجود هذه الأطراف المعرقلة تحتم على محافظ مصرف ليبيا المركزي الجديد الحفاظ على حياديته، وعدم الانجرار للصدامات السياسية، والعمل على تحييد المصرف المركزي عن التجادبات السياسية،واخراجه من اللعبة السياسية التي تجري في البلاد، والابتعاد عن المواقف التي تحسب لصالح هذا الطرف او ذاك، وهو مايستدعي في هذه الحالة التريث وعدم إلغاء سعر الضريبة كليا كما يطالب بذلك رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، إلى حين تشكيل مجلس إدارة المصرف، والعمل على تشكيل لجنة خاصة يعهد لها بمتابعة تغيرات سعر صرف العملات الأجنبية أمام الدينار، وتقوم بتقديم توصياتها في ضوء الظروف المالية والاقتصادية للبلاد.
ورغم التعويل على دور المصرف المركزي في إحداث نوع من الاستقرار النسبي في سعر الدينار أمام العملات الاجنبية الأخرى ، إلآ أن المصرف لن يتمكن لوحده من فعل اي شيء في حالة استمرار هذه الأجسام في الصراع، على السلطة والمال، وسيعود الدينار مرة أخرى للانهيار،امام العملات الأجنبية الأخرى، خاصة وأن الفرقاء الحاليون يعملون بما يضمن دوام بقائهم على كراسي السلطة إلى اجل غير مسمى، وفي ظل وجود حكومتين متنافستين ، تصر كل منهما على الإستمرار في النهب والسرقة والإنفاق المفرط واهذار المال العام دون حسيب او رقيب.