أعاد قرار النائب العام خلال الأيام القليلة الماضية القاضي بحبس السفيرة الليبية بدولة بلجيكا على ذمة التحقيق بعد تبوث تورطها في قضية اختلاس مبلغ 200 الف يورو من حساب مرضى الاورام بدولةبلجيكا، وتحويل القيمة المسروقة لحساب شركة يملكها ابنها في ألمانيا.
وأعاد ملف استشراء الفساد المالي والإداري بالبعتات الليبية بالخارج إلى الواجهة من جديد. ولم تكن سفيرة ليبيا ببلجيكا اول من توجه لها الاتهامات بأساءة إستخدام السلطة والاختلاس والتفريط في المال العام، فقد اصدر مكتب النائب العام قبلها عدة قرارات بالتحقيق مع العشرات من الدبلوماسيين والملحقين والمراقبين الماليين وغيرهم، علي خلفية اتهامات في وقائع بالفساد والاستيلاء على المال العام وتزوير الوثائق والتلاعب بالارقام واستغلال المنصب، من اجل تحقيق مصالح خاصه، والاسراف في تمثيل البعتات الدبلوماسية.
وقد طالت الاتهامات عدة اشخاص من بينهم رؤساء سابقين للبعتات الدبلوماسية في أوكرانيا وإيطاليا واوغندا، والمسئول السابق عن القنصلية الليبية في تركيا، والمراقب المالي بجنوب أفريقيا،والقائم بأعمال المراقب المالي في مصر ،الذي وجهت له تهمة إهدار ملايين الجنيهات بالمخالفة للقوانين المعمول بها، والمراقب المالي السابق بالسفارة الليبية بتونس على خلفية تعمده تحويل 20 مليون دينار إلى مصحات تونسية دون وجود فواتير ومستندات تتبث تلقي المرضى الليبيين العلاج المطلوب،
والمراقب المالي السابق في سفارة ليبيا بالمغرب. وخلال الايام القليلة الماضية ثم التحقيق مع وادانة القائم السابق باعمال السفارة الليبية في النيجر ،ونائب رئيس مكتب جمعية الدعوة الإسلامية بالنيجر،والقائم السابق بأعمال السفارة الليبية في الارجنتين ،بتهم تتعلق بالفساد المالي والمحاباة والتجاوزات الادارية. وحسب بيان مكتب النائب العام ان مسؤول البعتة المدكور اساء استعمال السلطة والوظيفة من خلال الاحجام عن اعتماد المراقب المالي ،واخلاله بمقتضيات مراجعة العمليات المالية ،وانفراده بإدارة الحسابات المصرفية،(والقائمة تطول ).
وكان تقرير ديوان المحاسبة لسنة 2023 قد كشف بدوره عن تغول واستشراء الفساد والهدر في المصروفات في عدد من السفارات، دون وجه حق. كما كشف تقرير ديوان المحاسبة لسنة 2022 عن تجاوزات مالية وادارية خطيرة في البعتات الليبية بالخارج، مشيرا إلى أن التحويلات المالية لحسابات السفارات والقنصليات والملحقيات الليبية بالخارج بلغت في تلك السنة404 ملايين و982 الف دينار. وأفاد التقرير ان وزارة المالية(حكومة الوحدة ) قامت بإضافة أسماء،وإحالة مرتبات بعض المراقبين الماليين رغم انتهاء فترة عملهم. كما قامت الوزارة بإضافة مبالغ مالية لحسابات السفارات بالرغم من عدم تضمينها بالكشوفات الصادرة عن وزارة الخارجية.
وحسب المسئول السابق في وزارة العمل والتأهيل في حكومة الوحدة الوطنية (علي صالح ) ان هناك بعض الموظفين في عدد من السفارات الليبية مازالوا يتقاضون في مرتبات رغم انتهاء فترة عملهم،وعدم وجود اسانيد قانونية تجيز لهم ذلك.وحسب تقارير الجهات الرقابية ان اوجه الفساد في البعتات الليبية تشمل ايضا فواتير العلاج، والايجارات، والمبالغ المرصودة للمناسبات الرسمية، والتلاعب في القوائم والرسوم الخاصة بالدراسة،الخ .
ومجمل القول، ان السبب الأساسي في تفاقم ظاهرة الفساد في السفارات الليبية بالخارج يعود إلى التعيينات العشوائية،وسيطرة مجموعة وجهات محددة على ملف العمل بالخارج ،بالإضافة إلى المحاباة والمجاملات والحسابات المناطقية والشخصية، وسيادة منطق الغنيمة في تولي المناصب والعمل بالبعتات الليبية، وتعيين اشخاص يفتقرون لابسط المؤهلات والكفاءة في مثل هذه البعتات.
والفساد في البعتات الدبلوماسية في الخارج ليس معزولا عن الوضع القائم في مختلف مؤسسات الدولة منذ سنوات التي تعاني منذ سنوات من تجدر ظاهرةالفساد. والعمل في البعتات الليبية بالخارج اصبح يتهافت عليه ويغنمه أصحاب الحضوة والقوة لانه يؤمن لهم الرواتب العالية بالعملة الصعبة التي يتم إعادة بيعها مقابل بالدينار الليبي في( السوق الموازي) في ليبيا بعشرات الاضعاف،بالإضافة إلى مايوفره العمل بالخارج من الامتيازات الأخرى المصاحبة المتعلقة بالحصانة والسفر ودراسة الأبناء،والعلاج المجاني، والتقاعد المريح.
وكل سفير او قنصل او ملحق او موظف هو قبل كل شي خادم لاسرته وقبيلته ومعارفه قبل أن يكون خادما لبلاده. والوظائف في ليبيا بدلا من ان تكون صورة مشرفة للدوله أصبحت رمزا للفساد والاستحواد والاستئتار، وهذا هو الحال في البعتات الدبلوماسية الليبية بالخارج .
بفلم : الدكتور مسعود المهدي السلامي: أستاذ الاقتصاد السياسي