الدكتور مسعود المهدى السلامي.
استاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة.
تتجدد ازمة تأخير صرفت مرتبات العاملين بالدولة لتصبح شبحا يخيم على العاملين بالدولة ،وتضع آلاف الأسر الليبية في مواجهة صعوبات الحصول على المتطلبات الأساسية للحياة. وقد برزت هذه الازمة وظهرت للعلن بعد أن كشف مصرف ليبيا المركزي في رسالة موجهة لوزارة المالية بحكومة الوحدة الوطنية عن أن حسابات الوزارة لدى المصرف بما فيها الإيرادات العامة لاتكفي لتغطية صرف مرتبات شهر أكتوبر 2024 للعاملين بالدولة.
وقد اثارت رسالة المصرف المركزي المخاوف والنكهنات حول أسباب تأخر صرف مرتبات شهر أكتوبر، وعن سلامة الوضع المالي للدولة،والتساؤل حول تاخر وزارة المالية كل هذا الوقت عن صرف مرتبات شهر أكتوبر ، وهل هناك ضائقة مالية قد تمنع الدولة عن الايفاء بالالتزامات المالية المتعلقة بتوفير متطلبات الحياة الأساسية للمواطن .!!
ويلاحظ انه رغم حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تشهده البلاد، وارتفاع معدلات انتاج النفط ،والتغييرات التي تمت في قيادة مصرف ليبيا المركزي ،والإجراءات السريعة التي اتخدها محافظ مصرف ليبيا الجديد ناجي عيسى لمعالجة الوضع النقدي ،وحلحلة مشكلة السيولة،وتنظيم استخدام النقد الأجنبي، ،رغم ذلك ، يضل الوضع المالي للدولة محل تساؤل ، لاسيما في ظل المتغيرات الاقتصادية المتسارعة. وتزايد العجز المالي،وباتت هذه الأزمة تبرز خلال السنوات الاخيرة بطريقة متكررة، واصبح تأخر دفع الرواتب واقعا اعتاد عليه الليبيين.
ويمكن اجمال اهم الأسباب التي تقف وراء مشكلة تأخر صرف المرتبات في مجموعة من العوامل من ابرزها :
_تضخم الجهاز الإداري في الدولة بشكل غير مسبوق ،حيث تشير التقديرات أن عدد العاملين الممولين من قبل الخزانة العامة يزيد عن 2 مليون موظف اي ما يشكل 65% تقريبا من الدخل الوطني. ويعزى التضخم في الجهاز الإداري في جانب منه إلى التنافس بين الحكومات المتعاقبة على التوسع في التعيينات بشكل عشوائي ،لكسب الولاءات،ودون أن يقابل ذلك زيادة في الدخل العام، ودون التفكير في عواقب هذه الأفعال على سلامة الوضع المالي للدولة.
_ الزيادة المفرطة في الانفاق العام وبدون ظوابط قانونية او تحديد في الأولويات خاصة تلك المتعلقة بتوفيرمتطلباتالحياةالأساسيةللمواطن،مما ادى إلى تغول الإنفاق العام على الإيرادات ،ومتال ذلك مصروفات المجالس الأربعة التي وصلت خلال الفترة من 1 يناير الى 31 أكتوبر الماضي إلى مبالغ ضخمة تزيد عن 3,7 مليار دينار، حيت بلغت مصروفات حكومة الوحدة الوطنية(2,2 مليار ) دينار، ومجلس النواب أكثر من( 975) مليون دينار، والمجلس الرئاسي( 448 ) مليون دينار، ومجلس الدولة ( 46) مليون دينار،
_ كما يبرز من بين ألاسباب التي ادت إلى تأخر صرف مرتبات شهر أكتوبر للعاملين بالدولة، تقلص الإيرادات إلى 16 مليار دولار، مقابل بلوغ الإيرادات غير المحصلة نتيجة مبادلة النفط مقابل الوقود إلى 9 مليار دولار، يضاف إلى ذلك كله تعمد المؤسسة الوطنية للنفط الاحتفاظ بجزء من إلايرادات وعدم القيام بتحويلها إلى الخزينة العامة.
_ القرارات الحكومية الخاصة بزيادة قيمة مرتبات العاملين في بعض الجهات الرسمية في الدولة مما أدى إلى تضخم الكتلة النقدية للمرتبات بشكل كبير.
_ ان الإيرادات الأخرى غير الإيرادات النفطية والمتأتية من قطاعات مثل الاتصالات والضرائب والجمارك تكاد تختفي، فقد بلغت إيرادات قطاع الاتصالات خلال العشرة اشهر من هذه السنة 130 مليون دينار في حين أن الدخل الحقيقي لهذه المؤسسة يصل الى 2 مليار دينار سنويا، يضاف إلى ذلك تدني إيرادات جهات اخرى مثل الضرائب
والجمارك، ما يشير إلى وجود فساد كبير، نتيجة الخلل في الهيكل المالي للدولة ،مما حمل الخزينة العامة للدولة التزامات إضافية، وتسبب في استفحال الازمة المالية ووضع المؤسسات الحكومية في مواجهة العجز المالي المستمر مما نجم عنه تأخر صرف المرتبات.
وتأتي مشكلة تأخر صرف المرتبات ،والعجز المالي لتضاف إلى مشكلات اخرى قائمة بالفعل ويعاني منها المواطن مثل مشكلة شح السيولة ، والسوق السوداء والفساد، مما يكشف عن حالة الارتباك ،وغياب التخطيط السليم، والاستراتيجية الواضحة في إدارة مؤسسات الدولة ، الأمر الذي يستدعي اتخاد مجموعة من التدابير لتحسين الوضع المالي ومنعه من الانهيار وانقاد البلاد من شبح الافلاس والاستدانة من المؤسسات المالية الدولية منها:
_ الاتفاق بين الأطراف السياسية على ضرورة اعداد ميزانية موحدة تراعي الظروف المالية التي تمر بها البلاد، وتحدد اوجه الصرف واولياته، وتوقف التنافس بين الحكومات على الهدر في الانفاق العام.
_دراسة موضوع تقليص او رفع الدعم عن المحروقات ألتي تستنزف مبالغ ضخمة من الميزانية العامة.
_تأجيل بعض مشروعات التنمية ،والابقاء فقط على المشروعات الانتاجية ألتي تساهم في الدخل العام _اعادة هيكلة بعض القطاعات التي تقلصت ايراداتها بشكل كبير، مثل الاتصالات والضرائب والجمارك.
_التوقف عن التوسع في استنزاف العملة الصعبة التي تنفق على البعتات الدبلوماسية والسفارات والقنصليات والتي يتكدس فيها اعداد كبيرة من العاملين بشكل عشوائي، وفي هذا الاتجاه سجلت تقارير مصرف ليبيا المركزي أن أنفاق وزارة الخارجية منذ بداية العام الحالي تجاوز 2 مليار دينار ،حيت يتم تحويل اغلب هذه القيمة إلى عملة اجنبية يتم صرفها على العاملين بالبعتات الدبلوماسية بالخارج.
_تاجيل الايفاد للدراسة والتدريب بالخارج، والتركيز على الايفاد الداخلي.خاصة في التخصصات ألتي يمكن دراستها بالداخل.