في خطوة مفاجئة وغير متوقعة تم الاعلان عن توحيد إدارتي مصرف ليبيا المركزي في طرابلس والبيضاء بعد مايقرب من عشر سنوات من الانقسام ،عاني فيها الاقتصاد الليبي من نكبات عديدة، وتقلبات انهكته،وخلقت تشوهات سلبية مثل التضخم وتدني قيمة الدينار الليبي والفساد المالي والاداري .
وقد لاقت هذه الخطوة الترحيب والتفاؤل بتحسن الوضع المعيشي في شرق البلاد وغربها وجنوبها، وايضا الترحيب من الاطراف الدولية التي اشارت الى اهمية هذه الخطوة في استقرار البلاد ،وفي انتعاش الاقتصاد، والاستقرار السياسي ،وتوحيد مؤسسات الدولة السياسية والامنية والعسكرية.
ومن المتوقع ،ان يرافق توحيد المصرف المركزي الاتجاه العملي والقانوني لإنهاء حالة الانقسام في قيادة أدارته ، وفي تنازع الاختصاصات،وتحديد الاولويات ، وايضا خطوة ضرورية نحو تنمية اقتصاد البلاد، والمصالحة،وتهيئة الظروف المناسبة نحو إجراء الانتخابات ،وإنهاء الازمة السياسية والاقتصادية التي اثقلت كاهل الوطن والمواطن .
يعود اصل مشكلة انقسام المصرف المركزي الى العام 2014 عندما حدث الانقسام السياسي بين الاطراف الليبية المتصارعة على السلطة ، مما ادي تأسيس حكومة موازية وغير معترف بها دوليا برئاسة( التني) في المنطقة الشرقية. وعمدت هذه الحكومة الموازية إلى انشاء مصرف مركزي موازي(للمصرف المركزي في طرابلس) مقره مدينة البيضاء حتى تتمكن من تمويل نفقات الحكومة الموازية،والايفاء بالالتزامات المالية المترتبة عليها .
وقد لجأ المصرف المركزي الموازي في البيضاء للاقتراض من عدد من المصارف التجارية مثل ،مصرف التجارة والتنمية ،ومصرف الوحدة ،والمصرف التجاري الوطني حيث وصلت قيمة المبالغ المقترضة الى 60 مليار دينار،كما عمد المصرف الموازي الى طباعة مايصل الى 10 مليار دولار في روسيا. بطريقة غير شرعية، ودون وجود غطاء مالي او قانوني . ووفقا لتقرير للامم المتحدة ارسل الى مجلس الامن الدولي في العام 2020 سلمت شركة (فوزناك )الروسية بين عامي 2016_2018 المصرف الموازي في البيضاء اوراقا نقدية ليبية تعادل قيمتها 7.11 مليار دولار تمت طباعتها في روسيا بطلب من المصرف المركزي البيضاء.
كما اثر انقسام المصرف المركزي على توازن واستقرار النظام المالي في البلاد ، حيث شهدت المصارف الليبية ضغوطا وخسائر مالية كبيرة ،وتوقف المقاصة المصرفية بين مناطق البلاد ,وخلفت تداعيات سلبية على حركة النقود بين المصارف ،والشح في السيولة. كما ادى انقسام المصرف المركزي بالاضافة الى عوامل اخرى الى تراجع قيمة الدينار الليبي بشكل كبير امام العملات الاخرى، حيث وصل سعر الدينار الليبي مقابل الدولار الى 4.84 دينار فيما وصلت قيمته مقابل اليورو الى 5.78دينار، والى 62 قرشا تونسيا مما اضر بالاقتصاد الليبي المنهك اصلا .
الاثار الايجابية لتوحيد مصرف ليبيا المركزي
لاشك ان معالجة الاضرار الناجمة عن انقسام هيكل الاقتصاد الوطني لن يكون امرا سهلا ، ويحتاج لوقت طويل يكون ضمن استراتيجية واضحة ومدروسة تعمل على إعادة التوازن والاستقرار للنظام المالي الليبي،وإعادة هيكلة ادارة المصرف بشخصيات جديدة تتوفر فيها المهنية والخبرة،وان تعمل اللجان الفنية والادارية في المصرف على تخطي كل العقبات التي تقف عقبة امام اداء المصرف لدوره .
ومن المتوقع ان يساهم توحيد المصرف بشكل ايجابي في انتعاش الاقتصاد من خلال فتح المقاصة والتسوية بين المصارف الليبية ، واحتواء التضخم، ومعالجة عرض النقود ،وضخ اموال بالمصارف التجارية من اجل تحريك الاقتصاد وتعزيز نظام مكافحة غسل الاموال،ومعالجة الاصدارات السابقة للعملة المزيفة، والانفاق الموازي ،وقد تساهم هذه الخطوة ايضا في القيام بتعديل سعر صرف الدينار بما يؤدي الى الحد من التضخم ،والارتفاع الكبير في الاسعار.
يقول الخبير المالي سليمان الشحومي ان الاعلان عن توحيد مصرف ليبيا المركزي سيكون له اثر في توفير السيولة النقدية ،وتحسين قدرة المصرف على الظبط والرقابة وإدارة عمليات النقد المحلي داخل البلاد. تسعى حكومة الوحدة الى استثمار خطوة توحيد المصرف لتكون لها تاثير ايجابي في عملية الاستقرار، وإنهاء الانقسام السياسي والمؤسساتي،وهو مايؤكده يقول رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بالقول ” ان توحيد مصرف ليبيا المركزي بشقيه هدف اساسي ،وضرورة ملحة لكون التئام مؤسسات الدولة خاصة المالية منها اساس ضروري لبناء دولة الديمقراطية والاستقرار. ”
وهذا مايؤكده ايضاالدكتور سلامه الغويل ،وزير الدولة للشؤون الاقتصادية بقوله :ان هذه الخطوة جدية ووطنية وذات صبغة تنموية.
ومن بين الاثار الايجابية لتوحيد المصرف المركزي انتعاش الاقتصاد ،وراحة المواطن ،واستقلالية الدولة،وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، وتشخيص مسار الاقتصاد،وخلق الولاية الحقيقية للدولة بعد توحيد السلطة المالية والنقدية.
والخلاصة ،ان جدوى توحيد المصرف المركزي يعتمد على إنهاء الخلاف وإحلال التوافق،وعلى كيفية إعادة هيكلة إدارة المصرف بشخصيات تتوفر فيها الكفاءة والمهنية والخبرة ، وأن لا تكون خطوة توحيد المصرف مجرد اتفاق شكلي للتصدير الخارجي ،وخطوة تكتيكية مؤقتة ومناورة لتهدئة الوضع السياسي، وتهدف الى الاتفاف على المطالب المنادية بتغيير قيادة المصرف وإصلاح الخلل في سياساته النقدية والمالية .
إن اهمية توحيد المصرف المركزي تتوقف على فاعلية الخطوات اللاحقة التي ستتخد في هذا الاتجاه ومدى مساهمتها في إعادة هيكلة الاقتصاد الليبي وإنهاء الانقسام والمناكفات والصراعات السياسية وذكريات الحروب،وإعطاء زخم جديد لجهود توحيد جميع المؤسسات الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية في البلاد استجابة لتطلعات الليبين ومنذ مدة طويلة في حياة كريمة يستحقونها .وان يقوم القطاع المصرفي بدور محوري في مشاركة القطاع الخاص في تحريك عجلة الاقتصاد ،وتنويع مصادر الدخل، وإطلاق مشروعات التنمية المكانية والمستدامة .
بقلم الدكتور مسعود المهدي السلامي: أستاذ الاقتصاد السياسي