تعتبر ليبيا واحدة من اكثر دول العالم التي تعاني من مشكلة الجفاف نتيجة شح معدل هطول الامطار، والاستهلاك المفرط في المياه ،وعدم وجود نموذج مقنن لاستخدام المياه في الزراعة ،علاوة على غياب الضوابط القانونية التي تمنع إهدار المياه،ناهيك عن عجز الدولة عن إيجاد مصادر بديلة عن المياه الجوفية،سواء لاستهلاك الافراد ،او للاستخدام في قطاع الزراعة .وسط هذا الوضع اصبح الامن المائي في ليبيا مهدد بالخطر ،خاصة على قطاع الزراعه الذي يعتمد بشكل شبه كلي على المياه الجوفيه ،مما يؤدي في النهاية إلى ارتفاع اسعار المنتجات الزراعية.واصابة حياة الليبيين بالعطش .
ورغم وجود اكبر مشروع صناعي للمياه في العالم،وصرف المليارات على تنفيذه ،وايصال المياه من اقصى الصحراء في جنوب البلاد ،الى مدن الشمال على البحر الابيض المتوسط ،تواجه ليبيا خطر النقص الحاد في المياه بسبب ضعف البنية التحتية ،وإنشغال الحكومات المتعاقبة بالصراعات السياسية ،ونهب المال العام ،علاوة على غياب الوعي لدى المواطن الذي لم يعِ او يقدر يوما اهمية المياه ،وان الامن المائي مهدد،واصبح في دائرة الخطر ،وان الليبيين سيواجهون العطش في السنوات القليلة القادمة اذا ما استمر استنزاف المياه بدون ضوابط ،وإذا لم تضع الدولة حلول عاجلة لهذه المشكلة .
أسباب المشكلة
تأتي مشكلة ندرة المياه التي تعاني منها ليبيا في جزء كبير منها لاسباب بشرية ،ومنها الاستهلاك المفرط للمياه الجوفية ،وزيادة نسبة الجفاف وانخفاض المعدل السنوي لهطول الامطار نتيجة التغيرات المناخية ،حيث يتراوح معدل سقوط الامطار السنوي من 100الى 600 ملم سنويا ،يتركز معظمها على مناطق الشريط الساحلي .ويحصل 5% فقط من الاراضي الليبية على اكثر من 100 ملم سنويا ،فيما تواجه اغلب المناطق الجنوبية الجفاف وزيادة التصحر .ورغم ان ليبيا لديها 16سدا لتجميع المياه السطحية ،إلا ان هذه السدود لاتساهم بشكل كبير في سد حاجة البلاد من المياه,بسبب سوء إدارة المياه السطحية ،والبنية التحتية المتهالكة .علاوة على الظروف الامنية المتردية ،والصراع المسلح الدائر منذ العام 2011الذي ادى الى تعرض خطوط النهر الصناعي للعديد من الهجمات والتخريب المتعمد ،وهو مايؤكده المتحدث باسم مشروع النهر الصناعي صلاح السعدي “ان الهجمات المستمرة على اصول المشروع تسبب في ايقاف العمليات وتدفق المياه ،وهو وضع قد تكون له اثار كارثية على الأمن المائي في ليبيا “.
والى جانب التأثير المباشر للصراع المسلح ،وحالة عدم الاستقرار السياسي ،لم تبادر الدولة الى تخصيص مايكفي من الاستثمار لصيانة وإصلاح البنية التحتية لإمدادات المياه .كما تؤدي الحالة المتدهورة لشبكة توزيع المياه ،إلى تسريبات كبيرة للمياه والتي تقدر بما يصل الى 50%من إجمالي المياه .كما كان لتغير المناخ تاثير كبير على الموارد الطبيعية في جميع انحاء العالم ،بما في ذلك ليبيا التي تعد احدى اكبر المناطق تضررا ،ومع ذلك فشلت الحكومات المتعاقبة في الاستثمار في معالجة تغير المناخ بشكل عام ،ومازال تطبيق التشريعات الخاصة بقطاع المياه ضعيفا او غائبا تماما ،،بالاضافة الى ان الرسوم المفروضة على استخدام المياه لاتغطي التكاليف التشغيلية ،ونادرا مايتم احتساب فواتير استهلاك المياه ،وحتى اذا ثم احتسابها فهي مدعومة بشكل كبير .
واقع مشكلة المياه في ليبيا
تتوزع الموارد المائية المتاحة في ليبيا بين 95% مياه جوفية ،و 2.50 %مياه سطحية ،و 0.90 % مياه محلاة ،،و 0.66% مياه صرف ،ويعتمد 95%من السكان على المياه الجوفية التي تشكل المصدر الاساسي للمياه المستعملة في قطاعات مختلفة مثل الزراعة والري والاستخدامات المنزلية والصناعية والاقتصادية .وتبلغ التغدية السنوية للمياه الجوفية في حدود 250 مليون متر مكعب ،بينما يصل الاستهلاك الى حدود مليار متر مكعب.
و حسب تقارير الامم المتحدة ،ومنظمة اليونيسف تأتي ليبيا في مقدمة الدول العربية في استهلاك المياه ،اي بما يعادل 3 اضعاف معدل الاستهلاك العالمي ،وانها تستنفد اكثر من 80%من مواردها المائية ،وان ليبيا من اكثر الدول المهددة بالاجهاد المائي في المستقبل القريب . في العام 2021 اعلنت منظمة اليونيسف ان اكثر من 4 مليون شخص في ليبيا سيواجهون مشكلة الحصول على مايكفي من المياه إذا لم يتم إيجاد حلول فورية وتنفيذها .
وحسب المؤشرات الصادرة عن منظمة الاغدية والزراعة (الفاو ) ان ليبيا لديها 105 امتار مكعبه من المياه للفرد في السنه ،وهي 8 ادنى نسبة في منطقة شمال افريقيا والشرق الاوسط .وتصنف ليبيا انها من اكثر 20دولة في العالم التي تعاني من الاجهاد المائي .
ويعد الوعي العام محدودا بشان خطورة ندرة المياه في ليبيا ،حيث لايدرك الليبيون عموما حجم المشكلة، واهمية الحفاظ على الثروة المائية ،،وبالمقارنة مع دول الجوار نجد ان الليبيين هم الاكثر استهلاكا للمياه من استهلاك التونسيين والجزائريين والمصريين .ووفقا لمنصة ورلد ميترز يبلغ الاستهلاك اليومي للفرد الاتي :
ليبييا .2541 لتر يوميا .
تونس .1168 لتر يوميا .
الجزائر .674 لتر يوميا .
مصر .2202 لتر يوميا .
تأثير مشكلة المياه على قطاع الزراعة
يشكل الاعتماد المفرط على المياه الجوفية تهديدا حقيقيا على الامن المائي والامن الغدائي في ليبيا ،حيت يؤدي استهلاك المياه الى خفض مستويات المياه الجوفية ،وزيادة الملوحة ،مايؤثر على جودة الغطاء النباتي والانتاج الزراعي، اضافة الى زيادة نسبة الملوحة في التربة مما يجعلها اقل قابلية للزراعة.وقد خلصت احد الدراسات التي اجريت العام 2018 ان مياه البحر قد لوثت الابآر على بعد 6 كيلو متر من الساحل ،واثر بشكل رئيسي على الانشطة الزراعية،ويقلل من مساحة الاراضي الصالحة للزراعة .
وحقيقة ان قطاعات الزراعة هي المستهلك الاكبر للمياه في ليبيا التي تستهلك مواردها المائية بفارق ضخم مقارنة بدول الجوار ،فقد قدر اجمالي استهلاك المياه في ليبيا العام 2012 بنحو 5.8 مليار متر مكعب ،يتم استهلاك 83% منها في قطاع الزراعة .
ان النقص الحاد في المياه والجفاف والتصحر وتلوث التربة ،وزيادة ملوحة المياه الجوفية ،كلها عوامل تسببت في تدني مساحة الارض الصالحة للزراعة,وادت الى الاستغناء عن زراعة الكثير من المحاصيل الزراعية الاساسية، مثل القمح والشعير ،وبعض انواع الخضروات مما ادى الى الارتفاع الحاد في اسعارها ،وشكلت عامل ضغط متزايد على حياة الليبيين الذين يشتكون من ارتفاع الاسعار ،وغلاء المعيشة .
والامر المثير للقلق ان الحكومات المتعاقبة في ليبيا لاتدرك حتى الان حجم مشكلة تناقص الموار المائية، وان الامن المائي في ليبيا مهدد ،بل ويقترب من الانهيار.
عليه ،يقع على الدولة مسئولية ابتكار وسائل بديلة لإدارة موارد المياه الجوفيه ،واستكشاف مخططات تنمية موارد المياه الاخرى ،مثل إعادة النظر في عملية تحلية مياه البحر ،والتقنيات الاخرى المحتملة التي يمكن ان تدعم الطلب المتزايد على المياه في ليبيا .
ومن الامور الملحة ايضا هي ضرورة الاستثمار في وعي المواطن في استهلاك المياه ،فهذا الاستهلاك هو مجانيا نتيجة دعم الدولة من خلال العوائد النفطية ،مما يقلل الحافز لدى المواطن في ظبط وترشيد الاستهلاك .
وبما ان من المتوقع ان يرتفع الطلب على المياه في ليبيا بحلول العام 2025 الى 56% اعلى مما هو متاح اليوم ، عليه ،لابد من وضع تسعيرة للمياه تساعد في عملية ايقاف الهدر المجاني للمياه ،كما يستوجب على الدولة التفكير الجدي في خطورة إهمال الامن المائي، خاصة بالنسبة للاجيال القادمة .
بقلم الدكتور مسعود المهدي السلامي: أستاذ الاقتصاد السياسي