يتواصل الجدل حول كيفية تحقيق توزيع عادل للإيرادات النفطية، وتتباين الآراء حول أنجع السبل لبلوغ هذا الهدف، الخبير النفطي محمد الشحاتي في رأيه أن ذلك لن يتحقق إلا بميزانية معتمدة من سلطة تشريعية بعد مراجعة حيادية، بينما يرى المحلل السياسي فرج فركاش أن هذا الهدف لن يجري إلا بالتوصل إلى دستور توافقي يحدد الحقوق والواجبات وكيفية توزيع الثروة طبقًا لعدد السكان والمساحة، لكن المحللين اتفقا على ضرورة مراعاة مناطق إنتاج النفط، وإعطائها حقوقها المشروعة.
الشحاتي، تحدث إلى وكالة «الأناضول»، قائلًا: إن توزيع الإيرادات النفطية «عملية اقتصادية دقيقة» يكتنفها العديد من الحسابات الرشيدة، التي لا تقوم بها إلا مؤسسات قانونية محايدة، وأهم ركن في عملية التوزيع يتمثل «في وضع موازنة حكومية، تعتمد من سلطة تشريعية منتخبة»، ثم «محاسبة المنفذين في نهاية كل سنة بعد إغلاق الحسابات الختامية للدولة ومؤسساتها، ومراجعتها حياديًا، ومن دون هذا الإجراء فإن أي منهجية أخرى للتوزيع تعتبر نوعًا من الهراء».
لا بدائل عن الموازنة
ولا يرى الشحاتي بدائل عن توزيع الإيرادات النفطية في حالة عدم اعتماد تشريعات، شارحًا أن التشريعات الموجودة «كافية على الأقل في مرحلة انتقالية لوضع ركائز توزيع مقبول في حال الالتزام بها من السلطات التنفيذية، لحين استكمال العملية السياسية، لكن انقسام المؤسسات وعدم الرشد في الإنفاق الحكومي لن يقود سوى إلى مزيد من الهدر في التوزيع».
ويتطلب التوزيع العادل «إعطاء الحقوق المشروعة للمناطق المنتجة»، وفق الخبير النفطي الذي يشير إلى أن الأمر يتعدى مسألة مخصصات مالية منفصلة إلى تنفيذ «سياسات تشمل المسؤولية الاجتماعية».
غياب الخطة التنموية
وأضاف الشحاتي: «وفي ظل غياب خطة تنموية واضحة معروضة للعامة وموافق عليها من السلطات التشريعية، فإن عمليات توظيف وتخصيص الأموال تفتقد إلى البوصلة، وتتسبب في وضع لا توازني فيما يخص توزيع العائدات النفطية، ما يزيد من السخط الشعبي».
لكنه حذر من مغبة «وقف إنتاج النفط وانعكاس فقدان الدخل من المبيعات على الدولة، خصوصًا في ظل عدم كفاءة السلطات المالية والنقدية لمواجهة مثل هذه المشكلات، مثل تفاقم مشكلة السيولة النقدية، واحتمال ارتفاع التضخم، أو انخفاض قيمة الدينار، في ظل إنفاق حكومي غير رشيد».
التهديد بوقف الإنتاج
في حين ربط المحلل السياسي فرج فركاش بين «تهديد الحكومة المكلفة من مجلس النواب بوقف إنتاج النفط» وبين خلاف المجلس مع حكومة الوحدة الوطنية الموقتة بقيادة عبدالحميد الدبيبة، وذلك منذ سحب الثقة من حكومته والذي لم يلق اعترافًا دوليًا.
وقال في تصريحات إلى «الأناضول،» إن «الدبيبة يتصرف بعيدا عن أية رقابة تشريعية، وسحب البساط من تحت أقدام النواب ومن معهم، بتحالفه مع (محافظ مصرف ليبيا المركزي) الصديق الكبير»، ل
ذا جاء التهديد في محاولة «لإضعاف الدبيبة واستبداله، والضغط لإقالة الكبير، في صفقة بين جناح بالمجلس الأعلى للدولة يقوده خالد المشري و(رئيس مجلس النواب) عقيلة صالح»، مشيرا إلى أن «هذه الخطوة لن تحدث إلا بموافقة (القائد العام لقوات القيادة العامة المشير خليفة) حفتر، الذي يبدو أنه اصطف إلى جانب نجله بلقاسم، الذي يلاصق عقيلة صالح، ويملي عليه ما يفعله».
لا نتائج من المفاوضات بين نجل حفتر وممثلي الدبيبة
وقال فركاش، إن هذا التطور جاء «بعد عدم تبلور أي نتائج عن مفاوضات نجل حفتر الآخر صدام، مع ممثلين عن الدبيبة، في محاولة لإعادة تشكيل حكومة الوحدة، واستيعابها لبعض المعارضين، وخاصة ممثلين عن حفتر فيها»، مضيفا أن «صفقة تغيير رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة، بين الدبيبة وحفتر لم تثمر، ولم يستفد منها الأخير كما كان يرغب».
وأشار فركاش إلى «تهديدات الطرف الموالي لحفتر، بإقالة بن قدارة وممارسة ضغوط عليه من أجل أن يصطف إلى جانب مطالبهم، بما يسمونه التوزيع العادل للثروة أو لموارد النفط».
ضرورة التوصل إلى دستور توافقي
ولن يتحقق التوزيع العادل للإيرادات النفطية إلا من خلال «دستور توافقي يرسم ملامح وشكل الدولة ويحدد العلاقة بين مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والحقوق والواجبات وكيفية توزيع الثروة وفق عدد السكان والمساحة، مع مراعاة مناطق إنتاج النفط، وتحديد نسب لها للتنمية المكانية ليستفيد منها مواطنوها»، وفق فركاش.
واتهم المحلل السياسي «النواب ومن يحركهم من خلف الستار تحت شعار حقوق الأقاليم بمحاولة تقسيم الكعكة من موارد النفط، ليتمكنوا من الاستمرار في البقاء والتمدد»، مشددا على أن مواطني هذه الأقاليم «لن يروا منها أية نتائج على الأرض سوى ذهاب هذه الموارد إلى جيوب المتنفذين، كما رأينا في السابق».
وبخصوص موقف المجتمع الدولي من إغلاق النفط، قال فركاش إن المجتمع الدولي، خصوصا أوروبا وأميركا، لن يسمح «بمحاولة التلويح بإغلاق النفط في ظل أزمة الطاقة بالعالم والحرب الروسية- الأوكرانية المستمرة»، معتبرا أن مثل هذه الخطوة «ستكون بمثابة مسامير أخرى في نعش من يقوم بها أو من يدعمها».