فيما كان يعاني جنوب أوروبا على مدى عقود انخفاض النمو والإنتاجية والثروة، مقارنة بشمالها، شهد انتعاشل مقلوبا في القارة هذا العام، مدعوما بعائدات السياحة المزدهرة في منطقة البحر الأبيض، ليعوض تباطؤا في مراكز التصنيع في أوروبا.
يعكس تحول الجنوب من منطقة متخلفة إلى محركة للنمو، الانتعاش السريع في أعداد الزوار بعد انهيار السياحة خلال جائحة كوفيد – 19 وسلسلة من الضربات التي تعرض لها قطاع التصنيع الكبير في القارة، مثل ارتفاع أسعار الطاقة والصراعات التجارية، بحسب وول ستريت جورنال.
النمو في الجنوب يعوض أكثر من مجرد مشكلة التصنيع في الشمال. ككل، نما اقتصاد منطقة اليورو بمعدل سنوي 1.3 % في الربع الأول، منهيا ما يقارب 18 شهرا من الركود الاقتصادي، ما يعنى أن منطقة العملة الواحدة آخذة في التعافى من الدمار الذي خلفته حرب روسيا وأوكرانيا.
كان هذا أقوى أداء لمنطقة اليورو منذ الربع الثالث في 2022، واقترب من معدل نمو الاقتصاد الأمريكي البالغ 1.6 % في الربع الأول، الذي يُعد تباطؤا من وتيرة نشطة بلغت 3.4 % نهاية العام الماضي.
في الفترة 2000 ـ 2010، ساعدت ألمانيا على إخراج القارة من أزمة ديون بفضل صادرات السيارات والسلع الرأسمالية. وبين 2021 و2023، أسهمت إيطاليا وإسبانيا واليونان والبرتغال بما يراوح بين ربع ونصف النمو السنوي للاتحاد الأوروبي، وفقا لتقرير أصدرته شركة كوفاس الفرنسية العام الماضي.
في الربع الأول، كانت إسبانيا الأسرع نموا بين الاقتصادات الكبرى في منطقة اليورو، وسجلت هي والبرتغال نموا بلغ 0.7 % مقارنة بالربع السابق، في حين نما الاقتصاد الإيطالي 0.3 %. وسجلت كل من فرنسا وألمانيا 0.2 %، وانتعشت الأخيرة من انكماش على أساس ربع سنوي بنسبة 0.5 % نهاية العام الماضي.
هذا يعني أن الاقتصاد الألماني نما بنسبة 0.3 % في المجموع منذ نهاية 2019، مقارنة بـ8.7 % في الولايات المتحدة، و4.6 % في إيطاليا، و2.2 % في فرنسا، وفقا لبيانات يونكريديت.
قال جاك ألين رينولدز، خبير اقتصادي في “كابيتال إيكونوميكس”، “إن النمو القوي في إسبانيا يبدو أنه يرجع بالكامل إلى أرقام السياحة القوية”. وتشكل السياحة نحو 10 % من اقتصادات إسبانيا وإيطاليا واليونان والبرتغال.
كما ارتفع اليورو نحو ربع سنت مقابل الدولار إلى 1.0725 دولار بعد نشر أحدث بيانات النمو والتضخم.
يأتي الانتعاش في الوقت الذي يشير فيه البنك المركزي الأوروبي إلى أنه يستعد لخفض أسعار الفائدة في يونيو بعد سلسلة زيادات تاريخية منذ منتصف 2022 رفعت سعر الفائدة الرئيس إلى 4 %. ظل التضخم في منطقة اليورو عند 2.4 % في أبريل، في حين تباطأ التضخم الأساسي قليلا، من 2.9 % إلى 2.7 %، وفقا لبيانات منفصلة نشرت الثلاثاء.
وفقا لبيانات من الأمم المتحدة، تعد منطقة جنوب أوروبا إحدى المناطق القليلة التي عاد فيها عدد السياح الدوليين العام الماضي إلى مستويات ما قبل الجائحة، وكانت إيرادات السياحة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي أعلى بمقدار الربع في الأشهر الثلاثة حتى نهاية يونيو الماضي، مقارنة بالفترة نفسها من 2019، وفقا لبيانات كوفاس.
من غير الواضح إلى أي مدى يمكن أن يستمر ازدهار السياحة، لكن اقتصاديين يتوقعون أن يتعزز الانتعاش الاقتصادي في المنطقة في وقت لاحق من هذا العام، حيث يؤدي تباطؤ التضخم إلى تعزيز القوة الشرائية للأسر وانخفاض تكاليف الطاقة، ما يساعد إنتاج المصانع.
وتشير دراسات استقصائية أخيرة إلى تحسن آفاق النمو، مع ارتفاع ثقة المستهلك إلى أعلى مستوى لها منذ عامين، فيما أظهر مؤشر رائد لمعنويات الأعمال تحسنا مطردا منذ بداية 2024.
قال أندرياس ريس، خبير اقتصادي في “يونيكريديت” في فرانكفورت: “نعتقد أن الجمع بين سوق عمل قوية وزيادات قوية نسبيا في الأجور وانخفاض التضخم، مقارنة بالعام الماضي، سيؤدي في النهاية إلى انتعاش معتدل في إنفاق المستهلك في الأرباع القليلة المقبلة”.
جنوب أوروبا يقود انتعاشا مقلوبا في القارة العجوز
- كتبه، نور الدين فردي
- بتاريخ، مايو 2, 2024
- 8:55 ص