تخلى البعض عن فكرة شراء السيارات التقليدية، ويتوجهون بدلاً من ذلك إلى السيارات الكهربائية الجديدة، لكن عند اتخاذ قرار الشراء يشعر المستهلكون بالحيرة مع تعدد الخيارات المتاحة بشأن الطرازات المطروحة من قبل العديد من الشركات.
ففي السابق كان الأمر مقتصراً على عدد محدود من الشركات المنتجة لتلك الفئة من السيارات، وعلى رأسها شركة تسلا، إلا أن الوضع اختلف كثيراً عن السابق مع دخول العديد من المنافسين الجدد بعد اتساع نطاق السوق بشكل كبير
ونمت مبيعات السيارات الكهربائية بنحو متسارع خلال السنوات الأخيرة، إذ شكلت نحو 18% من مبيعات السيارات في عام 2023، مقابل 14% خلال عام 2022، ونحو 2% فقط في عام 2018 بحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية، وهو ما يعني أن التوجه نحو اقتناء السيارات الكهربائية يشهد تزايداً بمرور السنوات.
ويقدر حجم سوق السيارات الكهربائية بنحو 500.48 مليار دولار خلال عام 2023، كما أنه من المتوقع أن تصل إيرادات سوق السيارات الكهربائية في عام 2024 إلى 786.2 مليار دولار على مستوى العالم.
حرب الرسوم الجمركية
تلك الليارات أشعلت حرباً تجارية شرسة بين الصين التي تسيطر شركاتها الآن على حصة رئيسية في سوق السيارات الكهربائية من جهة، وأمريكا وحلفاؤها من جهة أخرى في محاولة لتحجيم حصة تلك الشركات الصينية وحماية مصالح شركاتها العاملة في هذا المجال.
مبيعات السيارات الكهربائية ربع السنوية (بالمليون) وفقاً للمنطقة: |
||||
الفترة الزمنية |
الصين |
الولايات المتحدة |
أوروبا |
باقي العالم |
الربع الأول 2023 |
1.4 |
0.3 |
0.7 |
0.2 |
الربع الثاني 2023 |
1.9 |
0.4 |
0.8 |
0.2 |
الربع الثالث 2023 |
2.2 |
0.4 |
0.8 |
0.3 |
الربع الرابع 2023 |
2.7 |
0.4 |
0.9 |
0.3 |
الربع الأول 2024 |
1.9 |
0.4 |
0.8 |
0.3 |
وتنافست كل من شركة تسلا الأمريكية وبي واي دي الصينية على صدارة مبيعات السيارات الكهربائية في العالم، ففي الربع الأخير من عام 2023، تجاوزت بي واي دي تسلا كأكبر شركة مصنعة للسيارات الكهربائية في العالم من حيث المبيعات، إلا أن الشركة الأمريكية استعادت اللقب في الربع الأول من هذا العام عندما أبلغت منافستها الصينية عن انخفاض في المبيعات بنحو 43% مقارنة بالربع السابق.
وجاءت أحدث إشارات استمرار تلك الحرب قبل عدة أيام حينما أعلن رئيس الوزراء الكندي “جاستن ترودو” فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على واردات السيارات الكهربائية الصينية بدءاً من أكتوبر المقبل، بحجة “المنافسة غير النزيهة”.
ورداً على هذا القرار قالت وزارة التجارة الصينية في بيان يوم الثلاثاء إنها “ستفتح تحقيقاً في مكافحة الإغراق ببذور الكانولا المستوردة من كندا”.
وقبل عدة أشهر اتخذ الاتحاد الأوروبي قراراً بفرض رسوم جمركية على السيارات الكهربائية الصينية بنسبة 38% بدلاً من 20%.
ويأمل الاتحاد الأوروبي في حماية القطاع الذي يوظف نحو 14.6 مليون شخص، في وقت تنمو العلامات التجارية الصينية بسرعة في السوق الأوروبية بفضل أسعارها التنافسية، حيث ارتفعت حصتها من أقل من 2% من سوق السيارات الكهربائية في نهاية 2021 إلى قرابة 8% نهاية عام 2023، وفقاً لمعهد جاتو.
حينها أعرب الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية “لين جيان” عن أسفه لفرض الاتحاد الأوروبي رسوماً جمركية إضافية على السيارات الكهربائية المستوردة من الصين، قائلاً “هذا يتعارض مع مبادئ اقتصاد السوق.. في نهاية المطاف سيُلحق هذا ضرراً بمصالح الاتحاد الأوروبي نفسها”.
وفي مايو الماضي، أعلن الرئيس “جو بايدن” زيادة الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية إلى 100%، مقارنة بـ25% في السابق، ما حول السوق الأمريكية إلى حصن تهيمن عليه شركة “تسلا” بشكل أساسي.
وخلال رئاسة دونالد ترامب، فرضت إدارته تعريفة جمركية إضافية بنسبة 25% على السيارات الصينية.
وحتى الرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك، الذي زار بكين بشكل مفاجئ مايو الماضي، قال إنه بدون الحواجز التجارية فإن شركات تصنيع السيارات الكهربائية الصينية سوف “تهدم” منافسيها.
وتواجه السيارات الكهربائية الصينية حواجز تجارية عالية في السوق الأمريكية واتهامات بأن إعانات الحكومة الصينية أعطتها ميزة غير عادلة، ويقول اتحاد تحالف التصنيع الأمريكي إن إدخال السيارات الصينية إلى السوق الأمريكية سيتسبب في انقراض صناعة السيارات الأمريكية.
وتقول الصين إن ميزتها في السيارات الكهربائية تأتي من “الابتكارات المستمرة”، ونظام سلسلة التوريد الراسخ والمنافسة في السوق، لكن المسؤولين الأمريكيين وغيرهم أثاروا مخاوف من أن سنوات من الدعم الحكومي للصناعة قد خلقت فائضاً في الطاقة، ما يزيد من خطر إغراق المنتجات الصينية الزائدة الأسواق الخارجية وتقويض الإنتاج المحلي.
بداية صعود الشركات الصينية
بدأت الصين في الدخول إلى قطاع السيارات الكهربائية في وقت متأخر عن الولايات المتحدة، وفي حين أن البلدين تمتعا بسياسات مماثلة لتحفيز الشركات والمستهلكين، فإن الشركات الصينية لم تدخل اللعبة بقوة إلا مؤخراً.
أفضل السيارات الكهربائية مبيعاً في جميع أنحاء العالم في 2023 |
||
الترتيب |
طراز السيارة |
حجم المبيعات (بالألف) |
1 |
واي (تسلا) |
1211 |
2 |
سونج (بي واي دي) |
636.5 |
3 |
3 (تسلا) |
525.3 |
4 |
كين بلس (بي واي دي) |
456.3 |
5 |
يان بلس (بي واي دي) |
419 |
حيث بدأت الشركات الصينية على غرار بي واي دي وجيلي في تطوير السيارات الكهربائية من خلال التركيز على “الصناعات المجاورة” مثل تصنيع الحافلات والدراجات النارية الكهربائية، فهذه المنتجات أقل توهجاً من السيارات، لكنها تقدم تحديات فريدة لشركات تسعى لتطوير قدراتها في صناعة السيارات الكهربائية، وفي نهاية المطاف فإن ما تعلموه من معالجة هذه التحديات ساهم في استراتيجية تصنيع السيارات الكهربائية الخاصة بهم.
فعلى سبيل المثال، الحافلات أثقل وتحمل ركاباً أكثر من سيارات السيدان التجارية، بالإضافة إلى أنها تعمل لمدة 18 ساعة تقريباً كل يوم، وبالتالي لديها متطلبات طاقة وتخزين أكبر للبطارية، وتستغرق البطاريات الأكثر قوة وقتاً أطول للشحن.
ومن خلال استهداف صناعة مجاورة، بدأت شركة بي واي دي في دفع حدود تكنولوجيا البطاريات في وقت مبكر من عام 2009، وقدمت الحافلات الكهربائية كمنتج للدخول إلى أسواق أمريكا الشمالية، وباعت لأول مرة الحافلات الكهربائية هناك في عام 2013، قبل توريدها إلى مترو لوس أنجلوس في عام 2015.
في حين عملت شركة جيلي في صناعة مجاورة أخرى تقدم تحديات مختلفة وهي الدراجات النارية الكهربائية، التي تتطلب بطاريات أخف وزناً من السيارات، وسمحت تلك التجارب بأن تصبح الشركة منتجاً رائداً للبطاريات.
وباتباع مسار غير مباشر، أصبحت هاتان الشركتان الصينيتان عملاقتين في مجال السيارات الكهربائية من خلال الابتكار في طرفي تكنولوجيا البطاريات، التي تشكل جوهر إنتاج السيارات الكهربائية.
البطاريات نقطة لصالح الصين
ورغم انخفاض أسعار السيارات الكهربائية الصينية، فإنها غالباً ما تحتوي على بطاريات أكثر قوة وتقدماً.
ولم يأتِ هذا الأمر من فراغ، إذ إنه في عام 2002 قدرت شركات صناعة السيارات الصينية أن تكاليف البطاريات ستشكل ما بين 30-40% من إجمالي تكلفة تصنيع سيارة كهربائية بالكامل، وهذا يعني أن من يرغب في المنافسة بشكل قوي في هذه السوق عليه التركيز على التكنولوجيا التي تعمل على تشغيل هذا المكون المركزي.
وبمحض الصدفة، تتمتع صناعة السيارات الكهربائية الصينية بقربها من العديد من إمدادات المواد الخام الحيوية، فعلى سبيل المثال، في عام 2022 كانت الصين مسؤولة عن 70% من الإنتاج العالمي من المعادن الأرضية النادرة، وهو مكون أساسي لإنتاج البطاريات.
ورغم أن أكبر منجم للكوبالت يقع في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فإن الشركات الصينية في إفريقيا تعالج الكوبالت في تلك المناجم، وبالإضافة إلى ذلك تمتلك الصين ثالث أكبر منجم لليثيوم في العالم – في ياجيانج (غرب الصين).
ويعد كل من الليثيوم والكوبالت من المواد الخام الأساسية اللازمة لصنع البطاريات التي تعمل على تشغيل السيارات الكهربائية.
وهذا يعني أن شركات البطاريات الصينية تتحكم في موقف عنق الزجاجة في سلسلة التوريد، ما قد يوفر لها مزايا إضافية لتطوير تقنيات بطاريات جديدة ويمنحها قوة التفاوض مع الموردين من خارج الصين.
كما تعاونت الشركات الصينية على نطاق واسع مع شركات صناعة السيارات الأخرى وكذلك شركات التكنولوجيا، لتعزيز قدراتها من حيث تصنيع السيارات الكهربائية.
وتميل السيارات الكهربائية الصينية إلى أن تكون أصغر وأرخص وأكثر سهولة في الوصول إليها من قبل الجماهير، فعلى سبيل المثال تبدأ سيارة سيجول من بي واي دي، وهي سيارة هاتشباك كهربائية صغيرة، بأقل من 10 آلاف دولار.
في المقابل، ركزت شركات تصنيع السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة على نماذج أكبر وأكثر فخامة تستهدف المشترين الأثرياء، على الرغم من أن “ماسك” قال في أبريل الماضي إن الشركة ستبدأ إنتاج نماذج جديدة للسيارات الكهربائية بأسعار معقولة بحلول أوائل العام المقبل.
هل تقضي الشركات الصينية على منافسيها؟
السؤال الذي المطروح الآن؛ هل ستقضي الشركات الصينية على منافسيها في سوق السيارات الكهربائية، خاصة في ظل أرقام النمو التي تشهدها مؤخراً؟
“مارك فيلدز”، الرئيس التنفيذي السابق لشركة فورد، يرى أنه لا يمكن لصانعي السيارات الكهربائية الغربيين تجنب المنافسة مع الشركات الصينية في صناعة عالمية، لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت حتى يتمكنوا من اللحاق بالركب، وخاصة في ما يتعلق بالسعر.
وأضاف أنه لمواجهة تلك المنافسة فإن الأمر لن يتطلب فرض تعريفات جمركية أعلى فحسب، بل وأيضاً قيوداً تجارية حتى تتمكن الشركات الغربية من ملاحقة منافستها الصينية.
وبالإضافة إلى التعريفات الجمركية والقيود التجارية، سيواجه صانعو السيارات الكهربائية الصينيون عدداً من العقبات التنظيمية والامتثالية لبيع السيارات في الولايات المتحدة على سبيل المثال.
وقال “فيلدز” إن الأمر سيستغرق بعض الوقت لإنشاء شبكة مبيعات وتوزيع من قبل الشركات الصينية في السوق الأمريكية.
وقالت “ستيلا لي”، الرئيسة التنفيذية لشركة بي واي دي أمريكا إن الأجواء في الولايات المتحدة كانت مماثلة للعقود الماضية، عندما شعرت شركات صناعة السيارات الأمريكية بالتهديد من الواردات من كوريا الجنوبية واليابان.
وأضافت أن العلامات التجارية الأمريكية نجت، وأن “المنافسة الإيجابية” أفادت المستهلكين في نهاية المطاف.
وأكدت على أن سوق السيارات “لم تسيطر عليها شركة واحدة أو دولة واحدة قط”، وأضافت “لم يحدث هذا أبداً إذا نظرت منذ بداية نشأة سوق السيارات”.