خرجت ليبيا من العام 2023 كما دخلته خاوية الوفاض،فلم تجرى الانتخابات ، واستمرت الخلافات والانقسام السياسي بين الاجسام الجاتمة على السلطة، ولم تستطع ليبيا تحقيق اي انجاز اقتصادي يساهم في التخفيف من معاناة الليبين الذين يدفع معضمهم ثمن الفساد ،وتهريب الوقود والسلع المدعومة ،وأهدار المال العام ،والارتفاع المستمر في سعر الدولار والعملات الاجنبية الاخرى .
كان عام 2023عاما مليئا بالاخفاقات الاقتصادية، التي القت بضلالها على الوضع السياسيي والاجتماعي لليبيين، وعم فيه الفساد الاداري والمالي كافة قطاعات ومؤسسات الدولة الخدمية التي تمثل عصب الحياة وعمودها الفقري ،من اجل بناء الدولة ،وتحقيق الرخاء والامن والاستقرار .وحسب تعبير عضو مجلس النواب علي التكبالي ان الاسم المناسب للعام 2023 هو عام الحصيلة السلبية،اي مادون الصفر ،فقد زاد النزاع والتنافر والفساد ،وتآكلت اطراف الدولة اكثر من العام الذي قبله .
مظاهر الفساد خلال العام 2023:
كانت ليبيا خلال العام 2023 وبشهادة العديد من الهيئات والمنظمات المحلية والدولية من بين اول الدول التي عانت من الفساد واهدار المال العام، ووفقا للتقرير الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لسنة 2022 جاءت ليبيا في المرتبة 172من بين 180 دولة الاكثر فسادا في العالم،مما تسببت في ضياع عشرات المليارات من العملة المحلية والصعبة،وحسب هذه المنظمة
إن الفساد يعود الى مشاكل تتعلق بألامن والنزاع السياسي ،الذي عمق من حجم الفساد المالي والاداري، وخلق اوضاعا سياسية واقتصادية هشة للغاية .
كما كشف تقرير ديوان المحاسبة لسنة 2023 وتقرير هيئة الرقابة الادارية والنائب العام وتقارير الجهات القضائية في البلاد ،عن حدوث تجاوزات مالية وادارية ،وتغول للفساد وانتشاره في مفاصل الدولة، من قبل اطراف كثيرة في البلاد، من بينهم مسئولين كبار، من وزراء ووكلاء وزراء ومدراء مؤسسات وشركات، ومدراء مصارف ، وسفراء وموظفين بالبعتات والسفارات الليبية بالخارج. وشملت التجاوزات الاستيلاء على المال العام عن طريق مرتبات وهمية بارقام وطنية مزورة،والمهمات وتذاكر السفر ،والاقامة في الفنادق لحد الرفاهية على حساب المال العام ،والاختلاس من الحسابات الخاصة بعلاج المرضى والجرحى ،وعبر التزوير في الفواتير .
وسبق ان اصدر مكتب النائب العام قرارات بسجن العشرات من المسئولين والموظفين في عدد من مؤسسات الدولة .
وقد تم خلال الايام القليلة الماضية الكشف عن قضية تهريب كمية ضخمة من الذهب تبلغ 69.50 قنطار عبر مطار مصراته،وقبلها تم الكشف عن محاولات مماتلة متعددة لتهريب كميات من الذهب والعملة الصعبة عبر مطار معيتيقه .
وخلال الايام الماضية امر النائب العام بحبس سفيرة ليبيا ببلجيكا ،بعد تبوث تورطها في اختلاس 200 الف يورو من الحساب الخاص بعلاج الجرحى في بلجيكا، وقيامها بتحويل المبلغ الى حساب شركة يملكها ابنها .
ولم تكن سفيرة ليبيا ببلجيكا الوحيدة التي تورطت في وقائع فساد واختلاس المال العام ،فقد حدث قبلها وقائع فساد واختلاسات في عدة سفارات وقنصليات ليبية منها، ايطاليا والمانيا واوكرانيا واوغندا ومصر والمغرب وغيرهم ،وجهت بسببها النيابة العامة الاتهامات لعدة اشخاص تورطوا في اختلاس ونهب المال العام .
ظاهرة تهريب الوقود:
السمة الاخرى التي تميز بها اقتصاد العام 2023 هي زيادة معدل تهريب الوقود على نطاق واسع في جميع انحاء البلاد وبارقام خيالية تصل الى 40% من النفط المدعوم ،مما جعلها مشكلة تستنزف خزينة الدولة. ورغم الاجراءات التي قامت بها حكومة الوحدة الوطنية لمواجهة هذه الظاهرة ، والتي من بينها ضرب بعض بؤر التهريب، إلا ظاهرة التهريب اخدت في الصعود بوتيرة متسارعة خلال العام 2023، وزادت عمليات التهريب عبر الحدود الليبية التونسية، والحدود الليبية المصرية ،خاصة جهة الجنوب الشرقي من الحدود بين الدولتين ،وعبر البحر ومن خلال استخدام مواني الدولة مثل زوارة والزاوية وطبرق وغيرها. وتقدر بعض الجهات التكلفة السنوية لتهريب الوقود بما يصل الى 750 مليون دولار سنويا .
الارتفاع في سعر الدولار :
خلال العام 2023 ارتفع بشكل مفاجي سعر الدولار في السوق الموازي ليتجاوز حاجز .6.18 دينار ،بعد استقراره وتباث سعره نسبيا خلال العام 2022. وقد تجاوز الفارق السعري للدولار في السوق الموازي والرسمي نحو 133مليار دولار ،بزيادة تبلغ 27.9%ذهبت لصالح السوق الموازي . وحسب الدكتور احمد ابولسين ان مشكلة ارتفاع سعر الدولار وبعض العملات الاجنبية الاخرى لها علاقة بزيادة الانفاق، وتفاقم الدين العام المحلي،ونتيجة الطلب المتزايد على العملة الاجنبية خلال الفترة السابقة .
ويشكل الارتفاع الحاد في سعر الدولار والعملات الاجنبية رغم حالة الاستقرار النسبي التي شهدتها البلاد، نتيجة عدم وجود سياسة فعالة تدفع الى استقرار السوق ،والانفاق غير الرشيد من قبل الحكومة الذي وصل الى استباحة وهدر المال العام ، في غياب الظوابط القانونية والادارية في ترشيد الانفاق ،وسوء ادارة بيع النقد الاجنبي من قبل المصرف المركزي، والمضاربة بين تجار العملة .
ورغم ان ليبيا نجحت خلال العام 2023 في نفض جانبا من غبار الانقسام في المؤسسات المالية والاقتصادية للدولة ،الذي استمر عقدا من الزمن تقريبا، حيث ثم توحيد المصرف المركزي ،وزاد الايراد العام للدولة بفعل زيادة انتاج النفط ،وتحسنت خدمات شركة الكهرباء ،وزيدت الرواتب ، والتوفر النسبي للسيولة النقدية في المصارف التجارية ،لكن مازال الاقتصاد الليبي هشا ، ومازالت اثار الانقسام السياسي والمؤسساتي حاضرة ،وتختبر ارادة الليبيين في العام 2024،
ولم تكن هناك خلال العام 2023 مشاريع تنموية تستهدف القطاعات المنتجة مثل الزراعة والصناعة والسياحة ذات طابع مستدام وتساهم في دعم الاقتصاد الوطني.بالمقابل سيطر الانفاق الكبير على قطاعات غير منتجة وتعاني من الفساد مثل الصحة،ولم يشهد هذا القطاع اي تحسن في مايقدمه من خدمات علاجية سواء فيما يتعلق بالمستشفيات العامة او المصحات الخاصة، ولايزال الليبيون يذهبون للعلاج في دول الجوار التي يستفيد اقتصادها من تردي الوضع الصحي في ليبيا ،كما انفقت خلال العام 2023 ملايين الدولارات على السفارات والبعتات الليبية بالخارج التي تعج بموظفين كل همهم الحصول على مرتبات عالية بالعملة الصعبة,التي عادة مايقومون بتدويرها وبيعها في السوق الموازي الليبي لكسب مبالغ خيالية بالعملة الليبية التي تفقدباستمرار قيمتها الشرائية .
بقلم: الدكتور .مسعود المهدي السلامي : أستاذ الاقتصاد السياسي