تعد المناطق الحرة نمطا استثماريا متميزا ،وآلية هامة من آليات زيادة نسبة الصادرات ،وزيادة الناتج القومي إلى جانب خلق فرص عمل جديدة ،قياسا على ماتتمتع به من مزايا اهمها الارتباط المباشر بالعالم الخارجي ،وتوافر مساحات مكتملة المرافق والبنية الاساسية ،الى جانب خصوصية التعامل فيها من حيث النواحي الجمركية والاسترادية والنقدية ،والتي تتعلق بحركة البضائع من حيث الدخول والخروج مما يسمح بقدر كبير من الحرية في المعاملات التي تساعد في جذب الاستثمارات .
وتشكل المناطق الحرة رافدا مهما من روافد الاقتصاد، وداعما له ،ومحركا لنموه ،ومصدرا من مصادر تنويع الاقتصاد واكسابه القدرة على النمو .كما تعد المناطق الحرة احدى سمات الموارد الاقتصادية الهامة التي تعمل على زيادة حركة التبادل التجاري بين الدول من خلال ماتمنحه من المزايا التي تتمتع بها المناطق الحرة مثل التحرر من القيود الجمركية والبيروقراطية والروتين الاداري الممل ،بالاضافة الى سرعة وصول السلع والبضائع الى وجهتها المحددة دون استهلاك الكثير من الوقت.
عليه بادرت ليبيا الى انشاء العديد من المناطق الحرة التي روعيت في انشائها متطلبات وشروط نجاحها ،ومدى قدرتها على ربط مفاصل الاقتصاد الوطني ،وان تكون حلقة وصل استراتيجي بين ليبيا والعالم الخارجي خاصة الدول الاوروبية القريبة من ليبيا ،ودول العمق الافريقي،والاهتمام بالتنمية المكانية والبشرية في المناطق المقام عليها المناطق الحرة .كما تم وضع التشريعات والقوانين اللازمة التي تحدد للمستثمرين مالهم من حقوق ،وماعليهم من التزامات .
أهمية المناطق الحرة في ليبيا .
تسعى ليبيا من خلال انشاء المناطق الحرة إلى تحفيز الاقتصاد ،وتنشيط حركة التجارة ،وتنويع مصادر الدخل ،وايجاد مواطن شغل لعدد كبير من الشباب العاطلين عن العمل ،وجذب الاستثمار الاجنبي من خلال منح أعفاءات ضريبية عالية .بالاضافة الى اكتساب التكنولوجيا عن طريق المشاركة المباشرة مع المستثمر الاجنبي ،وزيادة الدخل القومي من احتياطي النقد الاجنبي .والاهم من كل ذلك ان المناطق الحرة تساهم في عملية التنمية المكانية ،عن طريق تشغيل الشباب من هذه المناطق ،واحداث الاستقرار فيها ،ويمكنها من العمران والتطور والامن والاستقرار .
عملت الدولة الليبية على مدار مدد زمنية متلاحقة على إنشاء وتفعيل عدد من المناطق الحرة ،روعيت فيها الجدوى المكانية ،والتوزيع الجغرافي الذي يخدم غرض التنمية ويحقق العدالة الاجتماعية ،بالاضافة الى مدى توفير الامكانيات التي تحتاجها هذه المناطق ،وغيرها من الشروط الاخرى التي تخدم الجدوى من إقامة هذه المناطق الحرة .ومن اهم المناطق الحرة في ليبيا :
اولا:المنطقة الحرة بمصراته :
تعتبر المنطقة الحرة بمصراته من اهم المناطق الحرة بليبيا والتي ثم انشاؤها العام 2000على مساحة تزيد عن 3600 هكتار،اي بما يشير الى انها من اكبر المناطق الحرة من حيث المساحة في ليبيا وايضا في منطقة شمال افريقيا ،وتتميز المنطقة الحرة بمصراته بموقعها الساحلي المتوسط في ليبيا ،وماتوفره المدينة من تسهيلات لهذه المنطقة في حركة التبادل التجاري البحري خاصة بعد ان اضيف للمنطقة الحرة ميناء مصراته في العام 2006.ليكون احد الروافد المهمة في المنطقة الحرة ،وقربها من مطار مصراته الدولي،وتوفر اراضي للاستثمار بمساحات مناسبة ،بالاضافة الى مصادر الطاقة والمياه بالاسعار المحلية ،وقرب مصادر المواد الخام ،علاوة عن اسطول كبير من الشاحنات مجهز لخدمات النقل البري.وحسب (مجموعة اعمال اكسفورد ،بريطانيا )ان هذه المنطقة تجمع بين طرق التجارة الرئيسية في الشمال والجنوب ،وأفريقيا واوروبا ،في واحدة من اكثر مناطق النقل البحري ازدحاما في العالم وهو البحر الابيض المتوسط ،علاوة عن توفيرها بيئة اعمال تنافسية في شمال القارة السمراء .
وتقدر قيمة المشروعات في المنطقة الحرة مصراته ب 1.5مليار دينار اي مايعادل 1.275 مليار دولار نفذ منها حوالي 27 مليون دينار فقط اي مايعادل 23مليون دولار. وتصل قيمة المشروعات التي تحت التنفيد الى نحو 74مليون دينار .ومن المتوقع ان توفر المرحلة الاولى من المنطقة الحرة مايصل الى 2300فرصة عمل ،على ان يرتفع العدد الى 150 الف فرصة عمل بعد منح الموافقات اللازمة ،وبدء المنطقة العمل بكامل طاقتها .
تانيا :المنطقة الحرة المريسة، بنغازي :
أنشئت المنطقة الحرة المريسة العام 2007 على مساحة تقدر 1200هتكار ،وهي تعد المنطقة الحرة التانية من حيث الحجم ،ومن حيث القدرة الاستيعابية. لحركة التبادل التجاري .وهي منطقة متعددة التخصصات ،وتعتبر الاولى من نوعها في شمال افريقيا كما انها مشروع استراتيجي يظهر الاهمية النسبية لموقع المنطقة لتوسطها تقريبا الساحل الجنوبي للبحر المتوسط ،ومايمكن ان تقوم بهذه المنطقة كمصدر لتجارة العبور بين دول الاتحاد الاوروبي ودول العمق الافريقي .
وقد نالت المنطقة الحرة المريسة القدر الكافي من الاهتمام الحكومي في الفترة الاخيرة حيث ثم دعمها ماليا ،وجرى العمل على إحداث توسعة في الانشاءات والمرافق المطلوبة لتخزين وتصدير السلع ،والتبادل التجاري،كما قامت المؤسسة الوطنية للنفط بانشاء المركز النفطي للصيانة والخدمات على مساحة 125هكتار بالمنطقة الحرة .
ثالثا :المنطقة الحرة ميناء جليانه :
اضيفت المنطقة الحرة جليانه لقائمة المناطق الحره في ليبيا لتشجيع تجارة العبور ،والسماح بمرور البضائع من دولة لدولة اخرى دون عرقلة او اجراءات بيروقراطية .
ومايميز المنطقة الحرة جليانه هو مساحة الميناء الكبيرة التي تصل الى 300هكتار تشمل اليابسة 43%من أجمالي المساحة الكلية ،اي مايعادل 130 هكتار .كما يتميز الميناء بوجود 3 احواض ،وعدد 4ارصفة. وتعتبر المنطقة الحرة جليانة مكملة للمنطقة الحرة المريسة ،وعند اكتمال انجاز مرافقهما سيساعدن في النهضة التجارية في المنطقة الشرقية،ويسهلان حركة عبور السلع والبضائع بين ليبيا ومصر ،وبين ليبيا ودول الاتحاد الاوروبي القريبة من هاتين المنطقتين .
رابعا :المنطقة الحرة الكفرة :
يأتي إقامة المنطقة الحرة الكفرة لإحداث نقلة اقتصادية في ليبيا بين دول العالم ،ولإحداث تنمية مكانية وبشرية كبيرة للمنطقة التي تعد احد المناطق الهامة في تجاه العمق الافريقي.ومن المؤمل ربط الحرة الكفرة بمشروع المنطقة الحرة المريسة ،حتى يكون هناك تكامل بين المنطقتين احدهما على ساحل المتوسط ،والتانية في جنوب البلاد ليكون في حال تنفيذه احد اهم مصادر الدخل .
ويجري العمل على وضع الخطط لتنفيذ مشروعات مناطق حرة اخرى مثل المنطقة الحرة غات باقصى جنوب ليبيا ،وربطها بالمنطقة الحرة مصراته شمالا من اجل تحقيق الاستقرار في الجنوب وتشجيع الشراكة بين القطاع الخاص المحلي والاجنبي ،خاصة وان منطقة الجنوب تزخر بالموارد الطبيعية والمواد الخام ،ممايشجع دول الجوار على المشاركة في حماية وتأمين الحدود الجنوبية ،وتنشيط تجارة العبور ،وخلق خطوط تجارة رئيسية تربط بين مناطق البلاد ،وبينها وبين الخارج.
كما يجري العمل على احياء المنطقة الحرة زوارة باقصى غرب ليبيا بالقرب من الحدود الليبية التونسية والمنطقة الحرة تمنهنت بالجنوب الليبي .
وفي المجمل ،لابد من وضع استراتيجية وطنية شاملة للمناطق الحرة من اجل توسيع حركة التجارة محليا ،وتحسين مناخ الاستثمار ،ودعم النمو والتنوع الاقتصادي الليبي .ولابد قبلها من معالجة حالة الانسداد السياسي،،وحالة انعدام الامن ،علاوةعلى استشراء الفساد المالي والاداري الذي انهك ميزانية الدولة ،وجعلها غير قادرة على تمويل المشاريع الاستراتيجية التي تحتاجها البلاد .
بقلم الدكتور مسعود المهدي السلامي: أستاذ الاقتصاد السياسي