الدكتور مسعود المهدي السلامي: أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة
يتزاحم الليبيون بشكل غير مسبوق في طوابير طويلة امام المصارف التجارية العامة والخاصة في كل المدن الليبية تقريبا، في مشهد لا يخلو من التدافع والاشتبكات بالأيدي أحيانا ، للحصول على مرتباتهم الشهرية، دون أن يتمنكوا في اغلب الاحيان من الوصول إلى مبتغاهم، وهو مادفع رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان احمد حمزة إلى القول:” لو خرج هؤلاء إلى الشوارع بتلك الاعداد وتلك الحماس والجهد لصنعوا التغيير المنشود”.
و يشتكي الليبييون باستمرار من، شح وانعدام وجود السيولة في المصارف الليبية العامة والخاصة على حد سواء.
هذه الازمة اصبحت تتكرر في كل مرة ،دون أن تتمكن الحكومات المتعاقبة وعلى مدار كل السنوات الماضية من وضع حلا لها، والتقليل من تداعياتها.السلبية
على المواطن،والتفكير في إيجاد معالجات سريعة لسلسلة الازمات الاقتصادية والمعيشية والإنسانية التي يعاني منها المواطن في عموم البلاد.
وخلال الايام الاخيرة من شهر رمضان المبارك، وكما هو معتاد في كل المناسبات الدينية والاجتماعية اصطف المواطنين أمام المصارف في طوابير طويلة، وسط زحام شديد، وانتظار لساعات طويلة ، من اجل الحصول على مرتباتهم الشهرية او مدخراتهم، دون أن يتمكن اغلبهم من الحصول على مبتغاهم.
والسؤال :ماهي أسباب هذه الازمة المتفاقمة منذ سنوات في دولةغنية(اغنى دولةفي قارة أفريقيا،) وتمتلك ثروات طبيعيةومالية ضخمة،وعدد سكان لايزيدعن ستة ملايين ونصف نسمة؟ وكيف يمكن وضع حلا لهذه الازمة، وتخليص الليبيين من تبعاتها؟
لقد تحولت أزمة شح السيولة في المصارف التجارية إلى مشكلة خانقة تؤرق الليبيين، وتزيد من معاناتهم في ظل غياب اي تفكير او ايرادة حقيقية من قبل الحكومات المعنية في وضع الحلول المناسبة للقضاء عليها، وايضا في ظل عجز مصرف ليبيا المركزي وانشغال الصديق الكبير بتحالفاته السياسية مع عقيلةصالح، وخلافاته المستجدة مع حليفه السابق عبد الحميد الدبيبة.
وتأتي هذه الأزمة في نفس الوقت الذي ترتفع فيه بشكل كبير أسعار السلع الأساسية، وتراجع قيمة الدينار الليبي امام العملات الأجنبية في السوق الموازي، مما زاد من معاناة الليبيين الذين يعتمد اغلبهم على المرتبات التي يتم ايداعها في المصارف.
# أسباب الازمة.
رغم ان رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة أقر بوجود أزمة السيولة إلا أنه تنصل من المسئولية عن هذه الازمة ،وارجعها إلى تداعيات استمرار نزيف الإنفاق الموازي الذي يعتمد بشكل مباشر على طباعة العملة المزورة، وازمة تغطية الاعتمادات المستندية التي تنفذها المصارف. من جهتها اكدت وزارة المالية ان شح السيولة التي يعانيها المواطن ترجع لتداعيات الإنفاق الموازي الذي يعتمد على طباعة العملة المزورة، مما أضعف ثقة المواطنين في التعامل مع المصارف، واحجموا عن ايداع مدخراتهم فيها حتى لاترد المصارف المدخرات في شكل عملة مزورة.
ويتفق اغلب المحللين وخبراء الاقتصاد على تحميل مصرف ليبيا المركزي المسئولية الأولى عن أزمة السيولة في المصارف الليبية نتيجة القرارات غير المتوقعة وغير المنسقة، وغياب السياسة النقدية الفعالة التي تعالج مثل هذه الأزمة. وفي هذا الصدد حمل الخبير في المركز القومي للبحوث والدراسات مصرف ليبيا المركزي المسؤليه الرئيسية عن شح السيولة، وقال :”ان قصور مصرف ليبيا المركزي في وضع تصور لإدارة السيولة باستخدام ادواته المختلفة تسبب في هذه المشكلةرغم كثرة الموارد والامكانيات ” .وأكد على نفس الرأي الخبير الاقتصادي عطية الفيتوري الذي يعزو أزمة السيولة إلى سياسات مصرف ليبيا المركزي الخاطئة طيلة الفترة الماضية، موضحا ان اغلب النقود التي تخرج من المصارف لايعود الأفراد لإداعها مجددا، وبالتالي يكون هناك عجز في عملية العرض والطلب على النقود.
# معالجة أزمة شح السيولة.
لن يتم حل مشكلة السيولة في المصارف التجارية الليبية إلا اذا تم اتخاد مجموعة من التدابير والعلاجات في الجانب النقدي والمالي لإصلاح الخلل الذي اصاب المنظومة المصرفية ،وتخليصها من القصور وسوء الإدارة والفساد، وتوحيد المصرف المركزي المنقسم على نفسه، وانتخاب محافظ جديد بدلا من الصديق الكبير يكون له دراية كاملة وخبرة بالسياسات النقدية، مع وجود مجلس أدارة جديد ومقتدر ومهني للمصرف المركزي ، إلى جانب لجنة متخصصة في ادارة السياسات النقدية. هذا بالإضافة وكما يقول الخبير الاقتصادي محمد ابوسنينه ضرورة إصلاح القطاع النقدي والمالي في الاقتصاد الليبي، وإعادة الثقه في العملة المحلية، من خلال خلق اوعية إدارية لدى المصارف تدر عائدا مناسبا لأصحاب المدخرات.
بالإضافة الى ذلك يمكن القول أنه وللتغلب على مشكلة شح السيولة وفقدانها في المصارف التجارية لابد من التوسع في استخدام وسائل الدفع الإلكترونية في سحب النقود وتنفيذ المعاملات والتبادل وتسوية الالتزامات،وتقليل الاعتماد على النقود .والعمل على الغاء وسحب العملة الورقية من فئة (50)دينار التي يستخدمها كبار التجار للاحتفاظ بالنقود، ومحاولة وضع حد للسوق السوداء التي تدار عبرها مبالغ ضخمة من العملة المحلية تقدر ب 50 مليار دينار حيت يتم تداولها خارج المصارف التجارية،مما يساهم في زيادة أزمة وشح السيولة في المصارف التجارية.
ولحل مشكلة شح السيولة في المصارف الليبية نهائيا يجب اصلاح التشوهات التي اصابت الاقتصاد، والتخلص من سوء الادارة، وإنهاء الإجراءات المتقطعة،والقرارات العشوائية لمصرف ليبيا المركزي الذي يديره الصديق الكبير بشكل منفرد، ووفق هواه ومصالحه الشخصية دون ان يجد من يراقبه أو يحاسبه.