مع حلول شهر رمضان المبارك تزداد معدلات الطلب على السلع الغذائية الأساسية، وتشهد الأسواق الليبية ارتفاعا حادا في أسعار المواد الغذائية الأساسية على وجه الخصوص، الأمر الذي يضع ثقلا إضافيا على كاهل الليبيين، ويصعب من قدرتهم على مجابهة هذا الواقع المعيشي المرير.
ويتزايد خلال هذا الشهر الكريم الضغط على سلة السلع الأساسية بشكل كبير، وتزايدا معتادا في الاستهلاك والطلب على مجموعة واسعة من السلع، ما يعزز الضغط على الأسواق، ويجعل من الصعب تلبية احتياجات المواطنين بشكل كامل.
ويأتي الارتفاع المستمر في أسعار السلع الأساسية وخاصة الغذائية منها في ظل تقلبات السوق العالمية، وزيادة أسعار الشحن العالمية بسبب القلاقل في بعض طرق وممرات الشحن العالمية، علاوة على التضخم الذي أصاب العملة المحلية، وتدني قدرتها الشرائية إلى حد غير مسبوق.
ومع الغياب شبه الكلي للأجهزة المختصة بالإشراف على استيراد السلع، والأجهزة المختصة بالرقابة على الأسعار التي تعاني هي الأخرى من الفساد، وعدم القدرة على إيجاد الحلول التي ترفع المعاناة عن كاهل المواطن الذي لم يعد قادرا على تحمل تكاليف الحياة.
ورغم أن الجهات المختصة تحاول توفير السلع الغذائية، ومحاولة توفيرها في الأسواق بالسعر المناسب، لكن الذي يحدث أن التجار والموردين لهذه السلع يتحصلون على الاعتمادات المستندية لاستيراد هذه السلع بالسعر الرسمي للدولار 4.85 دينار، ثم يقومون ببيعها بسعر السوق الموازي للعملة، أي بتكلفة تتجاوز 35%.
ورغم أن بيانات مصرف ليبيا المركزي أشارت إلى أن 500 شركة تحصلت على اعتمادات بقيمة 4 مليار دولار لاستيراد السلع الغذائية، وتأمين وصولها خلال شهر رمضان، إلا أن الأسعار مستمرة في الارتفاع.
مؤشر الأسعار
وحسب المؤشرات التي تم رصدها لمستوى الأسعار خلال يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين سجلت أسعار السلع الغذائية الاتي:
لحوم حمراء:85 دينار للكلغ الواحد
لحوم بيضاء: 13 دينار للكلغ الواحد
مفروم لحوم حمراء: بقر 40 دينار
مفروم لحوم بيضاء: 24 دينار
طبق بيض:20 دينار
جبنة موزاريلا:30 دينار للكلغ
قنينة زيت ذرة :8 دينار (متوسط الجودة).
علبة طماطم:5 دينار
كيلو دقيق:2.70 دينار
كيلو سكر: 4.50 دينار.
باكو حليب:5 دينار (متوسط الجودة).
كيلو أرز 7.50 دينار (متوسط الجودة)
كيلو تفاح من 10 إلى 14دينار.
كيلو موز 8 دينار.
كيلو ليمون محلي 3 دينار.
مع العلم أن أسعار بعض السلع في المدن والقرى بالمنطقة الجنوبية والمنطقة الشرقية تزيد عن هذه الأسعار بنسبة لا تقل عن 5%
ويرجع الكثير من المواطنين الارتفاع الكبير في الأسعار إلى زيادة مرتبات القطاع العام بعد تطبيق نظام توحيد المرتبات بدون اتخاذ إجراءات رادعة تضبط السوق، وتكبح جماح بعض التجار الجشعين والسماسرة.
وحسب رئيس اتحاد جمعيات المستهلك أحمد الكردي أن سبب تصاعد الأسعار غير المعتاد يعود إلى تعمد التجار احتكار السلع ثم بيعها بسعر السوق الموازي، بالإضافة الى غياب الأجهزة الرقابية وعجزها عن ضبط الأسعار.
ويرجع أستاذ الاقتصاد بجامعة بني وليد عثمان المبروك زيادة الأسعار في شهر رمضان إلى زيادة الطلب على المواد الغذائية بنسبة 30% عن باقي الأشهر، ما يجعل التجار يقومون برفع الأسعار خاصة المواد الأساسية مثل الدقيق والحليب والبيض وغيرها.
ويؤكد المحلل الاقتصادي علي الرقيعي أن فرض قيود على استخدامات النقد الأجنبي من قبل مصرف ليبيا المركزي أدى إلى إرتفاع كبير في سعر الصرف في السوق الموازي، تبعه زيادة كبيرة في أسعار السلع الأساسية.
ويشير مراقبون إلى أن حالة الفوضى التي تسيطر على السوق الليبي تعود إلى غياب الخطط الاستراتيجية، والإدارة السليمة التي تستطيع مواجهة اي تغيرات قد تحدث سواء على مستوى توفر السلع أو زيادة الأسعار، علاوة على تقاعص مصرف ليبيا المركزي عن اتخاذ اية إجراءات جادة للسيطرة على ارتفاع قيمة العملة الأجنبية مقابل الدينار الليبي، واحتكار الاعتمادات المستندية من قبل محافظ مصرف ليبيا المركزي على عدد محدود من التجار والموردين، من أصحاب الانتماءات المناطقية والمصالح الشخصية، مما يجبر بعض التجار على استيراد السلع بالسعر الموازي، وتحميل الزيادة في التكلفة على المواطن، والتي قد تصل في بعض السلع إلى 30%.ذ
الحلول
إن لجم زيادة الارتفاع في أسعار السلع الأساسية خلال شهر رمضان المبارك يستدعي تفعيل دور الأجهزة الرقابية، ومراقبة عملية منح مصرف ليبيا المركزي للاعتمادات واكتشاف مدى ملائمتها لمتطلبات السوق وحاجة المواطن، والعمل على محاسبة التجار الذين يقومون بالتحايل والتلاعب في عملية التوريد، وزيادة تكلفة السلعة، ومحاولة تشجيع السلع ذات المنشأ الوطني، وتسهيل وصولها للمستهلك بالسعر المناسب، هذا دون نسيان عدم التوسع في الإنفاق العام الذي يعد هو الآخر احد اسباب تدني قيمة الدينار، وغلاء أسعار السلع.
أما على المدى المتوسط والطويل لابد من تقليل الاعتماد على الاستيراد الذي يتسبب في ارتفاع فاتورة تكلفة السلع، واقتصار الاستيراد على السلع الضرورية، والعمل على دعم والتوسع في إقامة المشروعات الخدمية والصناعية والزراعية التي يستفيد منها المواطن بشكل مباشر، وتنويع مصادر الدخل، إذ أن الاقتصاد الريعي لليبيا المعتمد شبه كليا على إيرادات النفط، لا يمكن الاعتماد عليه للأبد.
بقلم: الدكتور مسعود المهدي السلامي: أستاذ الاقتصاد السياسي