آثار قرار رئيس مجلس النواب عقيله صالح رقم 15 لسنة 2024 بشأن فرض ضريبة على سعر الصرف الرسمي للعملات الأجنبية بقيمة 27% جدلا واسعا، وحالة من الرفض والانتقاد والاستهجان من داخل مجلس النواب وخارجه، خاصة من قبل بعض نواب المجلس، والمختصين والخبراء الاقتصاديين الذين رأوا في قرار عقيلة صالح خطوة متسرعة وغير مدروسة، تقف وراءه أجندة سياسية مبيتة،ومناكفات سياسية مصلحية.
وهو قرار يؤدي إلى زيادة افقار ومعاناة الليبين الذين يفترض ان عقيلة(بوصفه نائب عن الشعب )احد ممتليهم، والمدافعين عن حقوقهم، علاوة على ان القرار هو تجاوز لصلاحيات رئيس مجلس النواب الممنوحة له وفق القانون رقم(4) لسنة 2014.
وقد تقدم جبهة الرافضين للقرار النائب الأول لرئيس مجلس النواب فوزي النويري الذي أعلن ان القرار باطل بطلانا مبينا ،واعلن” تبرأه امام الله وأمام الشعب الليبي من القرار، ومن تبعاته الخطيرة ونتائجه الكارثية على معيشة الليبيين.
واكد النويري إن القرار صدر تحت ضغوط وتدخلات وأملاءات دول اجنبية من خلال سفاراتها، وهو ما يمثل تنازلا وتفريطا في السيادة الوطنية .وشدد النويري على ضرورة “غل يد المحافظ(الكبير )عن التصرف منفردا بالسياسة النقدية، وفرض استخدام احتياطيات النقد الأجنبي التي تتجاوز 80مليار دولار عدا الذهب في تقوية الدينار الليبي، وليس وضع الاحتياطيات في مخابئ مجهولة وغير آمنة.
وعبر اكثر من 30 نائبا من مجلس النواب عن معارضتهم لقرار عقيلة صالح ،وهددوا برفع قضية في حالة لم يتم الغاء القرار .وقال عضو مجلس النواب عبد السلام نصية الذي عبر عن رفضه القاطع لقرار عقيلة ” ان الدينار الليبي بات يستخدم في المناكفات السياسية”.
من جهة تانية، اعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة في كلمة وجهها مساء الاتنين للشعب الليبي رفضه القاطع للأجراء الاحادي من رئيس مجلس النواب بفرض ضريبةعلى بيع النقدالأجنبي، معتبرا ان القرار يستهدف تحميل المواطنين البسطاء تكلفة تغطية الإنفاق الموازي. وكشف الدبيبة ان احتياطي ليبيا من النقد الأجنبي يزيد عن 84 مليار دولار وهو مايكفي لسنوات، معتبرا ان الوضع الاقتصادي جيد جدا ولايحتاج لأي أجراءات استتنائية.
على صعيد آخر ،قال زياد دغيم مستشار رئيس المجلس الرئاسي إن قرار فرض رسوم على بيع النقد الأجنبي هو من اختصاص المجلس الرئاسي وليس من اختصاص عقيلةصالح، مشيرا إلى أن قرار عقيلة صالح متسرع ومتناقض في نصوصه، حيث يعرفه في المادة الأولى بمصطلح رسم، ويعرفه في المادة التانية كضريبة.
وهاجمت أمينة المحجوب عضو المجلس الأعلى للدولة أجراء محافظ مصرف ليبيا المركزي قائلة ماهو الا تطاول غير مسبوق من شخص يمتهن صفة المحافظ، وأن تحميل المواطن نتيجة التصرف غير المدروس من قبل الكبير يستوجب النظر في إقالته من منصبه،وتعيين من هو اهل للمنصب.
من جهة تانية، أكد تجمع الاحزاب الليبية رفضه التام لقرار رئيس مجلس النواب الذي اتخده بشكل منفرد، ويعد باطلا لانه يتعارض مع القانون رقم 4 لسنة 2014 الذي ينظم عمل المجلس واختصاصات رئيسه. وقال التجمع انه قرر رفع قضية أمام المحاكم المختصة ضد رئيس مجلس النواب للمطالبة بإلغاء القرار، داعيا أعضاء المجلس إلى وضع حد نهائي لانفراد عقيلة بالقرارات.
كما صدر تقرير عن خبراء من صندوق النقد الدولي يؤكد ان احتياطيات ليبيا من النقد الأجنبي تتجاوز 82 مليار دولار، وأن الاقتصاد الليبي مستقر نسيبا، وهو مايخالف ادعاءات محافظ مصرف ليبيا المركزي حول العجز في الاحتياطي من النقد الأجنبي.
وقد سبق أن قدم مجموعة من خبراء الاقتصاد في ليبيا مجموعة من المقترحات لحل الازمة الاقتصادية، وبما بساهم في تحقيق الاستقرار للدينار الليبي، والمحافظة على المستوى المعيشي لليبيين،
ومن اهم المقترحات التي قدمها الخبراء الاقتصاديين ضخ كميات كافية من العملة الأجنبية في السوق الرسمي، والاستمرار في توفير العملة الأجنبية. واعتماد ميزانية موحدة، وظبط الإنفاق العام، ،وإعادة النظر في المعايير والطريقة التي يتم بها منح الاعتمادات المستندية، علاوة على زيادة إنتاج وتصدير النفط والغاز.
ومن المهم حسب الخبراء العمل على تشكيل لجنة للتنسيق بين السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية وذلك لضمان فاعليتها، وعدم حدوث اي تعارض بين هذه السياسات.
لم يقتصر رفض قرار فرض ضريبة بمقدار 27%على بعض الجهات الرسمية وخبراء الاقتصاد بل ووجه القرار برفض شعبي كبير، حيث شهد مدن مصراته وطرابلس مظاهرات عارمة منددة بالقرار ومطالبة باقالة الكبير، والعمل على إصلاح جدري للاقتصاد الليبي.
ولكن وفي خطوة تصعيدية تكشف عن عدم مبالاة الكبير بما قد ينتج عن هذا القرار من اثار سلبية تؤتر على حياة المواطن، وتكشف ان الدينار الليبي بات رهينة للمناكفات بين الأطراف السياسية المتصارعة على المال والسلطة طلب الكبير من مديري المصارف التجارية البدء في تطبيق ضريبة 27% على سعر الصرف، مع تقديم إقرار بموافقة العميل على قبول الضريبة الجديدة.
والخلاصة ،إن قرار عقيلة الفردي بفرض ضريبة على بيع النقد الأجنبي يعد تجاوزا لصلاحيات وظيفته، وتعدي على اختصاصات غيره، كما ان القرار مخالف للقانون لان الضريبة تفرض بقانون وليس قرار، وهو مايحتاج إلى اجتماع رسمي لمجلس النواب وبنصاب قانوني لاقراره.
وفرض ضريبة بقيمة 27% على سعر بيع النقد الأجنبي يؤدي الى المزيد من الغلاء في الاسعار، وتدني في قيمة العملة الليبية ، بما يعني إضافة عددا آخر من الفقراء في ليبيا، وزيادة عدد المنتفعين من وراء هذا القرار الضالم.
وواضح ان الطبقة السياسية الحاكمة في ليبيا اختلفت على كل شيء،وبالمقابل اتفقت على تحميل المواطنين البسطاء فاتورة فسادهم ونهبهم المال العام ،وسياساتهم الفاشلة.
والهدف من فرض الضريبة هو التغطيه على نهب وسلب المليارات من العملةالأجنبية والليبية. والان وبعد ان ثم البدء في فرض الضريبة دون التحسب لأي رادع قانوني فليستعد الليبيون لتداعيات رفع الدعم عن الوقود، والذي سيتم بدون أي مقابل، مثلما ثم سابقا رفع الدعم عن بعض السلع الأساسية التي زادت من معاناة المواطن،
وكل ماحدث ويحدث وسط خضوع وصمت الليبيين هو نتيجة املاءات وشروط صندوق النقد الدولي الذي سبق وأن قدم مثل هذه الوصفة لدول اخرى مثل العراق، وكانت النتيجة انهيار العملة العراقية وزيادة معدلات التضخمفي العراق.
وفي حالة ليبيا، فالاكيد إن صندوق النقد الدولي لن يجد من هو مستعد اكثر من الصديق الكبير لتنفيذ اجندته في ليبيا.
بقلم: الدكتور مسعود المهدي السلامي- أستاذ الاقتصاد السياسي