أرجع خبراء مصرفيون ارتفاع الدولار الأميركي في السوق الموازية لمستوى غير مسبوق منذ أربع سنوات، إلى سياسات حكومية وأخرى مصرفية أثرت على المعروض النقدي وميزان المدفوعات، وساهمت في زيادة التضخم.
ففي غضون الأيام القليلة الماضية، قفز سعر الدولار في السوق الموازية من 5.10 دينار إلى 5.65 دينار، حسب صفحات معنية بالسوق الموازية على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يمكن أن يؤثر على أسعار السلع المقيمة بالعملة الأميركية.
الخبير الاقتصادي محسن دريجة يرى أن السبب الرئيسي في هذا الارتفاع هو تحوُّط أصحاب رؤوس الأموال من خلال تحويل الدينار الليبي إلى الدولار؛ نظرا لتوقعهم عدم قدرة المصرف المركزي على توفير العملة الأجنبية.
أما السبب الثاني، بحسب تصريحات دريجة لبرنامج «فلوسنا» على قناة «الوسط»، فهو تسجيل عجز في الدولار لدى مصرف ليبيا المركزي، على الرغم من أن إيرادات النفط تغطي الطلب على العملة الأميركية.
وأرجع دريجة انخفاض إيرادات النفط الموردة إلى المصرف المركزي إلى سببين: الأول سياسة المقايضة على شراء المحروقات منذ نوفمبر 2020، التي تصل إلى 8 مليارات دولار سنويا.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن سقف المبالغ التجارية المطلوبة يمثل 70 % من الميزانية العامة للدولة، أي ما قيمته 12 مليار دولار، وبالتالي فإن هذا المبلغ يضاف إليه 8 مليارات قيمة المقايضة على شراء المحروقات، ليصل إلى 20 مليار دولار، وهو أقل من مبيعات النفط سنويا، وبالتالي يفترض أن يكون هناك فائض، وليس عجزا.
واستبعد دريجة أن يكون لإيقاف خدمات الـ«POS»، أو خدمات «نقاط البيع»، عن مصرف الأمان علاقة بانخفاض سعر الدينار الليبي أمام الدولار؛ نظرا لوجود نقاط بديلة لا تزال تعمل في السوق.
وعن مستقبل سعروعن مستقبل سعر الصرف، يرى دريجة أن زيادة الإنفاق، ولا سيما بند الرواتب، يضرُّ بقيمة العملة الليبية، إذ إن زيادة المعروض من الدينار يؤدي إلى حدوث تضخم، وزيادة سعر العملة الأجنبية، الذي ارتفع من 5.10 إلى 5.60 بسبب وجود كمية كبيرة من الدينار الليبي.
في حين يرى الخبير المصرفي سعيد رشوان أن انخفاض الدينار الليبي يرجع إلى عاملين: الأول خارجي، ويتمثل في ارتفاع سعر الدولار عالميا وفي السوق الرسمية، حيث يقترب من 5 دنانير.
وأشار الخبير المصرفي، في تصريحات إلى برنامج «اقتصاد بلس» على قناة «الوسط»، إلى أن السبب الآخر يتمثل في السياسات التي لا تزال قائمة حتى الآن من الحكومة أو المصرف المركزي، لافتا في هذا الصدد إلى زيادة الإنفاق الحكومي بطريقة غير محكمة وغير مرشدة. كما أن المصرف المركزي لم يواكب السياسات النقدية الواضحة القائمة.
أما رجل الأعمال حسني بي فأوضح أن التحكم في سعر الصرف يبقى في قبضة مصرف ليبيا المركزي، حيث إن إجمالي تداول سوق العملة اليومي لا يتعدى 15 مليون دولار، ومصدرها الوحيد المصرف المركزي نفسه.
وقال «بي»، في منشور عبر صفحته على «فيسبوك»، إن إيرادات مصرف ليبيا المركزي من مبيعات النفط تفوق 120 مليون دولار يوميا (ما يعادل 3.6 مليار دولار شهريا)، وتصل إلى 21.6 مليار دولار خلال ستة أشهر (ما يعادل 110 مليارات دينار)، وبالتالي يمكن للمصرف المركزي شراء كامل الدنانير المعروضة في السوق، مما يقود لانخفاض الدولار إلى أقل من 5.10 دينار.
من جهته، شرح الخبير الاقتصادي مختار الجديد خلفية أزمة سعر الصرف منذ إغلاق حقول النفط من منتصف 2013 إلى 2017، وخسارة 110 مليارات دولار، وهو ما أدى إلى ارتفاع الدولار من 1.40 دينار إلى 4.50 دينار، لافتا إلى أن المصرف المركزي يمثل طرفا آخر في الأزمة عندما بدأ الصرف من احتياطيات الدولار العام 2016، مما أدى إلى تراجع الاحتياطي من 117 مليار دولار العام 2013 إلى أقل من 70 مليار دولار العام 2016
وأشار، في مقطع مصور عبر صفحته على «فيسبوك»، إلى تأخر المصرف المركزي في تعديل سعر الصرف، الذي حدث العام 2018 من قِبل رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، على الرغم من معارضة الصديق الكبير.
وعن تقييم الموقف الحالي في ليبيا، بيّن «الجديد» أن إحصائيات المصرف المركزي تشير إلى إنفاق 76 مليار دينار مقابل إيرادات بـ86 مليار دينار. لكن الإحصائيات لم تذكر مصروفات حكومة حماد التي إذا أضيفت إلى نفقات حكومة الدبيبة سيتضح وجود عجز، وليس فائضا.
وتحدث عن عجز ميزان المدفوعات، شارحا أن المصرف المركزي يشترى الدولار من الحكومة مقابل الدينار، تمثل إيرادات مبيعات النفط، ثم يبيع المركزي الدولار للأفراد وحتى للحكومة، قائلا: «لو تسلم المركزي من الحكومة 10 مليارات دولار، وأنفق 12 مليارا، يحدث عجز في ميزان المدفوعات، وبالتالي يعوضها من الاحتياطي». ولفت إلى أن عجز ميزان المدفاع خلال العام 2023 يتجاوز ملياري دولار، وهو عجز مقبول.
وأضاف أن الأموال المملوكة لدى المواطنين تصل إلى 120 مليار دينار، وعندما يحدث عجز في ميزان المدفوعات يعني أن أموال الليبيين نقصت. وفي حال زادت كمية الدنانير لدى المواطنين تحدث الأزمة، لأنها تتحول لشراء الدولار.وأوضح أن كل المؤشرات السابقة لا يمكن أن تؤدي إلى زيادة سعر صرف الدولار، ولكن الأزمة سببها حصول مواطنين على الدولار من المصرف المركزي، وبيعه في السوق الموازية، بالإضافة إلى تدخلات المضاربين.
توقع الخبير الاقتصادي أن يعود سعر الدولار إلى 5.15 دينار، داعيا إلى ضرورة محاربة الفساد، وترشيد الإنفاق الحكومي، لتقليل عرض النقود، ومشيرا إلى أهمية تنفيذ إصلاح اقتصادي، يكون رفع الدعم جزءا منه بشكل تدريجي، بالإضافة إلى تبنى سياسة التنمية.
وحذر من أن استمرار سياسات الإنفاق الحكومي بهذه الوتيرة لن يؤدي إلى تراجع سعر صرف العملة الأجنبية، لافتا أيضا إلى أن أي حكومة تخلف حكومة الدبيبة ستواجه أزمة في ترشيد الإنفاق بسبب الأبواب التي فتحتها حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة».