خسائر كبيرة تشهدها ليبيا في إيراداتها اليومية والشهرية، بعد الصراعات القائمة في البلاد، والاعتصامات والإغلاقات التي تنطلق بين الحين والآخر في المؤسسات والمرافق الرسمية والحقول النفطية.
ويأتي ذلك ضمن ورقات الابتزاز للدولة التي تشهد غيابا ملحوظا وفعالا في أغلب مؤسساتها الرسمية، بسبب حالة عدم الاستقرار، والانقسام السياسي التي تعيشه البلاد منذ أعوام.
يرى المحلل والخبير الاستراتيجي، محمد امطيريد، أن “سبب كل هذه الخسائر جاء بعد سياسة المصرف المركزي الذي انعدمت الثقة بينه وبين الشعب الليبي والمؤسسات، وبالتالي فإن إيرادات النفط تذهب للمصرف الخارجي، ثم يأتي ما يعادل 60% للمصرف المركزي لصرف المرتبات والتنمية والطوارئ”.
وأضاف أمطيريد في تصريحات لـ”سبوتنيك”، أن “قطاع النفط يحتاج لمؤسسات رشيدة وحكومة في إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، ويحتاج لتوعية المسؤولين في البلاد، لتطوير هذا القطاع والعمل بالشكل الصحيح”.
وأكد أن “الإيرادات في قطاع النفط انخفضت بشكل كبير، مع العلم بأن النفط الليبي من أجود الخامات الموجودة في العالم، وليبيا غنية بهذا المورد ومخزونها كبير، ولكن بسبب الفساد وسيطرة التشكيلات المسلحة والتدخلات الأجنبية، جعلت من هذا القطاع قطاعا هشا، ولا يغطي إلا بند المرتبات فقط”.
وشدد أمطيريد على “ضرورة أن لا تتنازع الأطراف الليبية على قطاع النفط، كونهم يقومون باستخدامه كورق ضغط ضد الدولة، بسبب عدم استفادتهم منه، وحقوقهم التي تحركوا بها، ناهيك عن الكميات الكبيرة من الملوثات التي تعاني منها المناطق النفطية”.
وأوضح أن “ورقة النفط تستخدم من عدة أطراف داخلية وخارجية لأغراض سياسية، إذ عند استقرار الوضع في الدولة لا تجد أي اهتمام بهذا المورد، ولكن عندما أُغلق حقل الشرارة كرد فعل معين، نجد التنديد مع أكبر دول العالم التي تنظر لمصالحها، خاصة أوروبا وأمريكا الذين ينظرون لمصالحهم فقط”.
وأكد أن “الليبيين لا يتمتعون بهذا المورد، خاصة بعد العقود المشبوهة التي تم توقيعها بين حكومة الوحدة الوطنية وإيطاليا، وغيرها من الدول، وكيف تم توقيع عدة عقود أخرى في شبهات فساد واضحة، في انتهاك واضح لهذا المورد، ومن أجل مكاسب سياسية معينة”.
غياب التنمية والحقوق
من جانبه، قال المحلل السياسي إدريس احميد، إن “ليبيا من الدول النفطية، وتمتلك مخزونات هائلة من النفط والغاز، ولم تسع ليبيا في أوقات استقرارها إلى زيادة معدلات الإنتاج في الحقول النفطية قبل عام 2011 أسوة بباقي الدول”.
وأضاف احميد في تصريحات لـ”سبوتنيك”: “ما بعد 2011، تعرّض قطاع النفط لهزات وخسائر وعمليات إقفال مستمرة، في ظل غياب الدولة ومؤسساتها الرسمية، هذا الأمر انعكس سلبا على ليبيا التي تعتمد على مورد النفط كمورد أساسي في الإيرادات”.
وأوضح أن “هناك فسادا كبيرا جدا، من خلال انحراف عائدات النفط في ظل غياب بدائل أخرى قد تساهم في إنعاش الاقتصاد الليبي”.
وأكد أن “قطاع النفط يعاني من فوضى عارمة، وأن الجنوب الليبي غني جدا باحتياطات النفط والغاز، ووجد سكانه بأنهم محرمون من التنمية التي لو طبّقت لكانت ستساهم في استقرار الجنوب، فضلا عن استقرار الشركات الأجنبية من حيث الاكتشاف والانتاج”.
وقال: “موضوع التعامل مع الشركات الدولية يجب أن يكون على اعتبار المصلحة والمنفعة للدولة الليبية، ولكن هناك شبهات فساد كبيرة في التعامل والعقود، ولعل الخلافات التي حدثت بين وزير النفط والمؤسسة الوطنية للنفط خير دليل على ذلك”.
وتابع: “نخشى أن يحدث في ليبيا ما حدث في العراق التي تعاني منذ عام 2003، خاصة في قطاع النفط ولا تزال تعاني، وأن ما حدث نتيجة غياب الدولة والسيادة جعل البلاد غير مستقرة”.
وأوضح بأنه “ليس من المقبول أن يعاني سكان المناطق النفطية من غياب التنمية والفقر، ويفترض أن يكون هناك دعم واستجابة لمطالبهم وتوفير فرص عمل لشباب هذه المناطق لعدة أسباب، أبرزها قرب المسافة لسكان المناطق من هذه الشركات، وقد وعدوا سكان هذه المناطق باستجابة مطالبهم ولكن دون جدوى، وكان لا مناص لهم إلا أن يقوموا ببعض الإغلاقات لتلبية مطالبهم”.
ويخشى إدريس احميد لـ”سبوتنيك” أن “يزداد الوضع سوءا، في ظل الوضع السياسي الحالي، وما يحدث من انقسام لوضع أسوأ مما هو عليه الآن، مما سيُدخل البلاد في أزمات اقتصادية كبيرة رغم الإمكانيات الكبيرة التي تحظى بها، ما لم يكن هناك سلطة واحدة تحافظ على هذه المكتسبات ستكون هناك خسائر كبيرة جدا”.
واعتبر أن “الحفاظ على هذا المورد يتطلب حالة كبيرة من الاستقرار وإنهاء هذه الفوضى، وبسبب الفراغ السياسي الذي يهدد البلاد بشكل كبير، أصبحت ليبيا تعاني من نقص كبير في المحروقات وأزمات كبيرة تتمثل في نقص البنزين و الوقود بأنواعه، ويأتي ذلك في ظل عدم استقرار قطاع النفط، وغياب المسؤولين عن التسويق فيه”.
وفي وقت سابق، أكد رئيس النقابة العامة للنفط، سالم الرميح، لـ”سبوتنيك” أن الخسائر المالية في قطاع النفط مستمرة حتى الآن، جراء إغلاق حقل الشرارة النفطي لأن المؤسسة الوطنية للنفط لم تعلن رفع القوة القاهرة على الحقل.
وقال: “ما يتعلق باقفال حقل الشرارة الحقل، مقفل وزادت مدة الإغلاق عن أسبوعين”.
وقدّر الرميح أن الخسائر اليومية وصلت لـ170 مليون دولار، أي ما يعادل 3 مليارات دينار ليبي تقريبا”.
وأشار المسؤول الليبي إلى أن “قطاع النفط يمثل 97% من الدخل العام لخزينة الدولة، وسوف يؤثر تأثير مباشر على الحياة اليومية للمواطن الليبي، باعتبار أنه شريان الحياة وقوت لكل مواطن ليبي”.
وتحدث سالم الرميح عن صعوبة تطوير في قطاع النفط في ظل عدم استقرار البلاد ووسط التجاذبات السياسية والمناکفات والصراعات على السلطة والمال، بالإضافة إلى تدخلات بعض الدول لخلق بلبلة تزيد من النزاعات بدعمها لأقطاب معينة داخل البلاد.