يعاني الجهاز الاداري في ليبيا منذ سنوات من مشكلة الازدواج الوظيفي ،والمتمتلة في عمل بعض الافراد في جهتين أو اكثر في نفس الوقت، ويتحصلون مقابل ذلك على مرتب من كل جهة من الجهات التي يعملون فيها بالتحايل وبدون وجه حق، وبحجة انخفاض قيمة الرواتب وعدم كفايتها ، وان مايتقاضونه لايسد احتياجاتهم والتزماتهم الاسرية في ظل غلاء المعيشة وارتفاع تكلفة السلع الاساسبة .
وعادة لايلتزم العاملين في اكثر من وظيفة بالدوام المطلوب، ولايبدلون سوى القليل من الوقت والجهد في العمل ،ولايشغلون كلا الوظيفتين ،ويعمدون الى خلق الاعذار للتغيب عن العمل، ،مستغلين التغرات الموجودة في قانون العمل مثل الاجازات المرضية والاجازات السنوية ،والنزوح ،وغيرها من الاعذار الاخرى ،حتى انه اصبح يطلق على هؤلاء العاملين “الاشباح “.
حجم وواقع الازدواج الوظيفي
يتاثر القطاع العام في ليبيا بالعمالة غير الموجودة فعليا ،او مايطلق عليه الازدواج الوظيفي ،وقد تراكمت هذه المشكلة عبر سنوات طويلة ،وفي ظل الازمة السياسية في البلاد وما احدتثه من انقسام حاد في المؤسسات الادارية للدولة ،وانتشار ظاهرة الفساد والرشوة والتزوير في الارقام الوطنية .
ولم تفلح القوانين والقرارات المنظمة للعمل من ايقاف هذه الظاهرة او الحد منها ،مثل القانون رقم (12)لسنة 2010 بشأن علاقات العمل ،والقرار رقم (59) بشأن اصدار اللائحة التنفيدية لقانون علاقات العمل رقم (12)،والقانون رقم (4) لسنة 2015 بشأن تعديل نص النادة (164)من القانون رقم 12.
ويقدر مسؤولون حكوميون ان مايصل الى 5مليارات دينار يتم توفيرها سنويا في ميزانية الدولة كانت تصرف على مرتبات مكررة زائفة منذ العام 2015.
في العام 2015 كشفت هئية الرقابة الادارية من خلال متابعة صرف المرتبات بموجب الرقم الوطني ونمودج الاستمرارية في العمل عن وجود 94.294 الف حالة ازدواج وظيفي،واكتشاف مرتبات لوظائف مختلفة في نفس الوقت للشخص نفسه تراوح عددها من 2الى 8 وظائف ،كما ثم إيقاف 1730 الف مرتبا لقاصرين تتراوح اعمارهم من 10 الى 18 سنة .
وفي العام 2016 ثم ايقاف اكثر من 1500مرتب لمتقاعدين مستمرين في تقاضي مرتباتهم من جهاتهم الاصلية .
وفي العام 2017 اوقفت هئية الرقابة الادارية 100000الف حالة ازدواج وظيفي .
وفي العام 2018 ثم ايقاف صرف مرتبات 27.954 الف عامل (تقرير هئية الرقابة الادارية ).
وفي العام 2022 ثم الكشف عن 20000 حالة ازدواج وظيفي .(أدارة المعلومات بوزارة العمل والتأهيل ).
وقد اعلنت وزارة العمل والتأهيل مؤخرا عن نتائج مطابقة مخرجات الحملات التفتيشة التي استهدفت عملية الازدواج الوظيفي لموظفي الشركات التابعة للشركة الليبية القابضة للاتصالات والمعلوماتية والمصارف التجارية، وقد اسفرت نتائج المطابقة في هذه المؤسسات على الاتي :
الشركة الليبية للبريد والتقنية القابضة =عدد العاملين بها 166عاملا =عدد حالات الازدواج الوظيفي 144=النسبة 86%.
شركة هاتف ليبيا =عدد العاملين بها 2898عاملا =عدد حالات الازدواج الوظيفي 170=النسبة 6%
شركة بريد ليبيا =عدد العاملين 2699=عدد حالات الازدواج الوظيفي 67=النسبة 2%.
شركة ليبيا للاتصالات والتقنية =عدد العاملين 1246=حالات الازدواج الوظيفي 114=النسبة 9%.
شركة المدار الجديد =عدد العاملين 1446=حالات الازدواج الوظيفي 129=النسبة 9%.
شركة ليبيانا للهاتف المحمول =عدد العاملين 1854=حالات الازدواج الوظيفي 283=النسبة 15%.
شركة الجيل الجديد للتقنية =عدد العاملين 647=حالات الازدواج الوظيفي 93=النسبة 14%
شركة الاتصالات الدولية الليبية =عدد العاملين 347=حالات الازدواج الوظيفي 59=النسبة 17%.
(ادارة المعلومات والتوثيق بوزارة العمل والتاهيل ).
كما اظهرت نتائج المطابقة ان نسبة حالات الازدواج الوظيفي في بعض المصارف الليبية الخاصة هي كالتالي :
المصرف الاسلامي 32%
مصرف اليقين 27%
مصرف مصرف الاندلس 26%
مصرف النوران 35%.
(إدارة المعلومات والتوثيق بوزارة العمل ).
وقد كشفت الجولات التفتيشية ومتابعة حالات الازدواج الوظيفي التي تقوم بها وزارة العمل وبعض الجهات الرقابية ان بعض الاشخاص الذين لديهم حالات ازدواج وظيفي هم من الاغنياء والميسورين ، ويملكون الملايين ،ولديهم شركات او مصانع خاصة ،او محلات في احياء راقية مثل طرابلس وبنغازي ومصراته وسبها وغيرها، ولكنهم لم يترددوا او يخجلوا من مزاحمة العاملين البسطاء من دوي الدخل المحدود الذين لاتزيد مرتباتهم عادة عن 900 دينار شهريا .
لقد تسببت حالات الازدواج الوظيفي في هدر المال العام ،وخسارة الدولة مبالغ ضخمة من العملة التي استولى عليها البعض بالتزوير ودون وجه حق ،والتي كان يجب ان توجه لزيادة مرتبات الفئات محدودة الدخل ،او تنفق في مشاريع التنمية .
وقد بلغت انتشار ظاهر الاهمال والتسيب والتقصير في العمل ان بعض الموظفين إما انهم يعملون لساعات قليلة ،او انهم لايذهبون للعمل من الاساس ،و تحولوا الى بطالة مقنعة ساهمت في ترهل الجهاز الاداري وامتلائه بالالاف من العمالة المتسللة والمخالفة لقانون العمل .
ورغم المجهودات التي تقوم بها الجهات المختصة في كشف هذه الظاهرة والقضاء على حالات الازدواج الوظيفي ،إلا ان حالة الانقسام السياسي ،وتعدد الحكومات ،وضعف الاجهزة الرقابية،
واستشراء الفساد ،وعدم ايجاد حلول لازمات الفقر، وتدني الاجور ،والتفاوت الحاد في الدخل ،يجعل كل محاولات محاربة ظاهرة الازدواج الوظيفي والقضاء عليها مسألة صعبة ومؤجلة حاليا .
الدكتور مسعود المهدي السلامي .
استاذ الاقتصاد السياسي .