Skip to content

مصرف ليبيا المركزي في مواجهة التهديدات الأمنية: عندما يطغى السياسي على الاقتصادي

الدكتور مسعود المهدى السلامي: أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة.

أصبح مصرف ليبيا المركزي منذ سنوات عديدة في واجهة الأحداث، وشريكا اساسيا في صناعة الأزمات والصراعات والمعارك التي تنشب بين الحين والاخر  بين الأطراف السياسية الليبية المتشبثة بالسلطة والاستحواذ على المال العام.

ومع تنصيب الصديق الكبير في العام 2011 محافظا لمصرف ليبيا المركزي باتفاق الأطراف السياسية التي عملت على تقاسم المناصب السياسية في البلاد، بمباركة بعض الاطراف الدولية والاقليمية النافذة شهد المصرف المركزي حالة من الاستقرار المالي والإداري، انعكست على سعر صرف الدينار الليبي وأدت إلى انتعاشه امام العملات الأجنبية،

كما انعكست حالة الاستقرار على توفر السيولة النقدية في المصارف التجارية الليبية، مما أدى إلى استقرار في أسعار السلع الأساسية التي يعتمد عليها المواطن الليبي في حياته.

ومع الانقسام الذي حدث في المصرف في العام 2014 إلى مؤسستين الأولى في طرابلس برئاسة الصديق الكبير الذي نال الاعتراف الدولي، والثانية في شرق البلاد برئاسة على الحبري، نتيجة الخلافات والتجاذبات السياسية، والاضطرابات والانفلات الأمني مما أدى إلى دخول المصرف في سلسلة من المشاكل والهدر المالي، أثرت على  عمل المصرف وعلى امن وسلامة العاملين كما اثر انقسام المصرف على حركة التدفقات المالية من العملة الصعبة  ،وتوقف عملية المقاصة بين  المصارف التجارية الليبية.

وفي أغسطس 2023 وبعد 9سنوات من الانقسام أعلن المصرف المركزي عن إعادة توحيد فرعيه في غرب ليبيا وشرقها، وعودته كمؤسسة مصرفية موحدة.  ورغم خطوة توحيد المصرف وتشكيل مجلس إدارة جديد له ولكن نتيجة تصاعد حدة الاستقطاب السياسي والصراع على النفوذ بين المجموعات المسلحة المرتبطة ببعض الأطراف السياسية، لم يسلم المصرف من مواجهة التهديدات والتوترات الأمنية في محاولة لدفعه للموافقة على تمويل ودفع المال للمجموعات المسلحة التي تسعى في ظل الانفلات الأمني الى الحصول على أكبر مكاسب مادية لها.

وفي جميع الأحوال زادت حدة التهديدات الأمنية مع دخول محافظ المصرف الصديق الكبير على خط الصراعات السياسية، التي يستميت فيها كل طرف من الأطراف المتصارعة من أجل المحافظة على نفوذه ومصالحه ومكاسبه، واقصاء الطرف الآخر.

وفي  نهاية العام  2023  نشب الخلاف بين الحليفين السابقين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير  على خلفية  اتهامات  وجهها  الكبير للدبيبة بالتوسع المفرط في الإنفاق العام، وتعمد إهدار المال العام، وتخلي الكبير  عن تحالفه مع الدبيبة واستبداله  بالتحالف مع رئيس مجلس النواب عقيله صالح  الذي يسعى إلى إسقاط حكومة الدبيبة.

وادت الى تبادل الاتهامات بينهما، حاول فيها كل منهما النيل من الاخر وتضييق الخناق عليه، ونتيجة لذلك زادت حدة التهديدات الأمنية التي يواجهها المصرف، وربما هذا ما يفسر   ظهور مجموعة مسلحة غير معروفه الانتماء خلال الايام الماضية حول مصرف ليبيا المركزي في عملية استعراض للقوة، مما آثار القلق والمخاوف لدي العاملين بالمصرف على حياتهم، وعلى نفس السياق تقدم بعض. العاملين بمصرف ليبيا المركزي بشكوى للنائب العام تفيد بتلقيهم تهديدات عبر رسائل SMS من أشخاص مجهولين.

وقد دفعت هذه التهديدات الى مغادرة البلاد واللقاء بعدد من الشخصيات المؤثرة في المشهد السياسي الليبي، وقد أكد  الكبير في  حضور  هذه  الشخصيات ” أن المصرف يتعرض لتهديدات كبيرة ومتزايدة تطال امنه وسلامة موظفيه وانظمته”، في حين حذرت واشنطن على  لسان  مبعوثها  إلى  ليبيا  نورلاند من” ان استبدال المحافظ بالقوة  قد يؤدي الى فقدان ليبيا الوصول إلى الأسواق الدولية”.

كما عبرت رئيس البعثة الاممية بالوكالة ستيفاني خوري عن تخوفها من انعكاس هذه التهديدات الأمنية على عمل المصرف وعلى استقرار الحالة الأمنية في العاصمة طرابلس.

من جهة تانية،  فسر  المحللين  ظهور  المجموعة المسلحة حول المصرف المركزي، والتهديدات التي تلقاها بعض العاملين بالمصرف بأنها  جزء من عملية متكاملة يحتدم فيها  الصراع بين الأطراف المتنفذة في  المشهد الليبي بما فيها محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير الذي  قادته طموحاته السياسية  وتشبته  بالبقاء  في منصبه الى الدخول في  هذا الصراع  وتغيير تحالفاته وفق مصالحه المالية والسياسية الشخصية، ومنها تحالفه   مع رئيس  مجلس النواب عقيلة صالح في مواجهة الدبيبة، وربما تأتي هذه المظاهر المسلحة واستعراض القوة في محيط المصرف المركزي  كرسالة تهديد وتحذير للصديق الكبير.

ويرى بعض المحللين أنه تمادى في مناكفاته وانتقاده للدبيبة، كما   تأتي هذه المظاهر المسلحة كمحاولة من رئيس حكومة الوحدة الوطنية الدبيبة لإيقاف صرف جزء من ميزانية 2024 والمقدرة ب 179.9 مليار دينار لصالح الحكومة الموازية في المنطقة الشرقية وايضا محاولة منع الكبير من صرف جزء آخر من هذه الميزانية لصالح جهاز إعادة اعمار المنطقة الشرقية، بالإضافة إلى محاولة الضغط على الصديق الكبير لإنهاء تحالفه مع عقيلة صالح. الذي يسعى هو والكبير للإطاحة بحكومة الوحدة الوطنية، ويعتبرها كل منهما منتهية وفاقدة للشرعية.

يقول المتابع للشأن الاقتصادي سالم الشوماك” أن محافظ مصرف ليبيا المركزي بات الورقة الرابحة في خضم الصراع في مرحلته الحالية، فالجميع يسعى إما لكسب الصديق الكبير أو الاطاحة به.”

ويؤكد الخبير الاقتصادي مختار الجديد من جهته” أن مصرف ليبيا المركزي خط أحمر، وأن مجرد التفكير في السطو عليه واقتحامه جريمة يجب أن يتصدى لها الجميع، وعلينا (حسب الجديد) ألا نخلط بين المصرف المركزي والصديق الكبير “.

ويرى مراقبون أن العاصمة طرابلس باتت على سفيح ساخن نتيجة التوتر الامني والصراع على النفوذ بين الأطراف المتنفذة في المشهد الليبي ومن بينها المحافظ الكبير الذي ورط نفسه وورط معه مصرف ليبيا المركزي في صراعات سياسية ليست من اختصاصه، ولا تدخل في مجال عمل المصرف، وعليه فإن هذه التهديدات الأمنية التي تطال المصرف المركزي هي نتيجة هذا التورط، وهي ايضا مظهر من مظاهر هذا الصراع الذي يستخدم فيه كل طرف من الأطراف ما يملكه من قوة.

أشهر في موقعنا