تتبع معهد إسباني زيادة نفوذ الصين في منطقة المغرب العربي وليبيا أمام تضاؤل النفوذ الأميركي والغربي بشكل عام، مما يخلق عديد الفرص والمخاطر لتلك الدول.
ولاحظ تقرير معهد «الكانو» الملكي الإسباني للدراسات زيادة الانخراط الصيني في دول المغرب العربي، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن العلاقات الاقتصادية للصين مع دول المغرب تحمل خصائص التجارة غير العادلة، إذ ظلت الاستثمارات الصينية في المنطقة ضئيلة.
وتوقع المعهد أن تسهم مبادرة «الحزام والطريق»، التي انطلقت العام 2013، في تعزيز الوجود الصيني في المنطقة، وهو ما تعتبره الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا تهديدا لمصالحهم.
لكن بالنسبة إلى دول المغرب العربي، توفر الصين فرصة للمضي قدما صوب تطوير وتحديث البنية التحتية المحلية، وتقليل الاعتماد على الغرب بشكل عام.
سياسات صينية
يرى تقرير المعهد الإسباني أن سياسة عدم التدخل التي تتبعها الصين واجهت اختبارا حقيقيا في منطقة المغرب العربي، حيث عبرت بكين عن القلق إزاء عملية حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ليبيا العام 2011، لكنها امتنعت عن استخدام حق النقض (فيتو) في مجلس الأمن، لوقف تلك العملية.
ومع استمرار الحرب الأهلية والاقتتال في ليبيا، أُجبرت الصين على وقف أنشطتها التجارية فيها، وإجلاء أكثر من 35 ألف صيني من البلاد خلال الشهرين الأولين من العام 2011. كما انخفضت الأعمال الصينية في ليبيا 45%.
وعلى الأرجح، يرى التقرير أن قرار بكين تبني موقف أكثر ليونة بشأن سياسات عدم التدخل فيما يتعلق بليبيا كان مدفوعا بمصالحها الاقتصادية.
كما كان لفترة الربيع العربي تأثير سلبي على العلاقات الاقتصادية بين الصين وليبيا، إذ تراجعت الواردات الصينية من النفط الليبي بعد العام 2011. لكنها شهدت زيادة خلال السنوات التالية، لتصل إلى 2.8 مليار دولار في العام 2021.
علاقات تجارية غير متكافئة
على عكس العلاقات التجارية بين الصين وبلدان الخليج، التي تتصف بفائض كبير لمصلحة الأخيرة، فإن العلاقات التجارية بين الصين وبلدان المغرب تشهد عجزا كبيرا لمصلحة الصين.
علاوة على ذلك، فإن تكوين التجارة بين الصين ودول المغرب العربي يعيد إنتاج أنماط التجارة غير المتكافئة، إذ تشكّل المنتجات ذات القيمة المضافة العالية مثل الإلكترونيات والسيارات والهواتف نصيب الأسد من الصادرات الصينية إلى بلدان المغرب العربي، بينما تهيمن المنتجات النفطية والمعادن والمنتجات الزراعية على الصادرات المغاربية إلى الصين.
وتحتل موارد الطاقة الجزء الأكبر من الواردات الصينية من ليبيا والجزائر، بينما تحتل المعادن والسلع الزراعية مكانة مهمة في الصادرات المغربية والتونسية للصين.
لكن في السنوات الأخيرة، أصبحت الصادرات الزراعية من شمال أفريقيا أكثر أهمية بسبب تزايد طلب الصين على الأغذية المستوردة.
وبشكل عام، رحب سكان منطقة المغرب العربي بالأسعار المنخفضة نسبيا للمنتجات الصينية، وهي المنتجات نفسها التي نافست المصنعين في السوق المحلية، بل تفوقت عليها. كما تفوقت على غيرها من المنتجات الأوروبية والأميركية، مما فاقم من معدلات البطالة بالمنطقة.
القوة الناعمة
على صعيد آخر، يلفت تقرير المعهد الإسباني إلى مستويات الدعم المرتفعة التي تتمتع بها الصين في المنطقة، وهو ما كشفته نتائج مسح أخير يناقش صورة الصين لدى جماهير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
فقد كشف المسح أن شعوب المنطقة تعتبر النفوذ الصيني مفيدا في مجمله. وقال 60% من الليبيين المشاركين في المسح إنهم يفضلون علاقات اقتصادية أقوى مع الصين، مقابل 49% من سكان المغرب.وفي الجزائر، حيث يتركز الانخراط الصيني الأكبر، قال 36% فقط ممن جرى استطلاع آرائهم إنهم يفضلون علاقات أقوى مع الصين. وربما يرتبط ذلك بالسمعة السيئة لبعض الشركات العاملة في البلاد التي تفضل الموظفين الصينيين، وتعتمد معايير بيئية وعمالية منخفضة.
الوجود الصيني والمصالح الأوروبية
يرى التقرير أن انخراط الصين بشكل أكبر في بلدان المغرب العربي يمكنه أن يؤثر على المصالح الأوروبية في المنطقة.
من جهتها، ترى بلدان المغرب العربي في التعاون مع الصين فرصة لتقليل النفوذ الغربي، والاعتماد على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى انخفاض مستويات التنوع في المنطقة.
وساعدت ميزة الأسعار التنافسية التي تقدمها شركات البناء الصينية، وحصولها التفضيلي على القروض الحكومية دول المنطقة في تحديث البنية التحتية المحلية.
وفي مرحلة ما بعد جائحة «كورونا»، سيؤثر الوجود الصيني في المنطقة بشكل أكيد على معدلات النمو الاقتصادي والأنظمة السياسية والتماسك الاجتماعي، وكذلك الأمن المحلي والإقليمي.
إلى ذلك، يجب على حكومات المنطقة أن تضمن أن اتفاقيات التعاون مع الصين تنطوي على روابط أكثر توازنا، بما في ذلك تعاون أوثق في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، والبحث والتطوير، والتبادلات الشعبية.