Skip to content

مع حلول شهر رمضان… أسعار السلع تربك المواطن !

مثل كل عام ،ومع حلول شهر رمضان المبارك بدأت اسعار السلع الاساسية في ليبيا  في الارتفاع الملحوظ ،يصل الى مستوى مبالغ فيه ،وبما لا يتناسب مع قيمتها السوقية ،ولا مع منفعتها الحدّية .وخلافا للسنوات الماضية التي كانت فيها اسعار بعض السلع ترتفع بشكل   طفيف ،ولفترة محدودة، يشهد هذا الشهر ما يمكن وصفه بـ (هجمة )في ارتفاع الاسعار، وبشكل غير مسبوق ،تقدر بنسبة تتراوح بين 35%الى50%لبعض السلع ،رغم توفر هذه السلع بشكل كاف وبما يسد حاجة المواطن خلال هذا الشهر ،بحيث لم تخل منها رفوف المحلات التجارية في المدن الليبية.

ورغم ان اغلب هذه السلع الغذائية  تدخل البلاد عبر المنافذ الرسمية  ومن خلال الاجراءات الجمركية  والاعتمادات المصرفية المعروفة، ولا يقتصر الارتفاع في الاسعار على المواد  الغذائية ،بل طال ايضا بعض انواع الخضروات مثل (البصل )الذي وصل متوسط سعر الكيلو  الى (8)دينار  اي ما نسبته حسب بعض التقديرات الى ما يصل الى 300%،والخيار  (7)دينار للكيلو الواحد.


ولاشك ان  هذا الارتفاع في الأسعار لم يتحسب له المواطن ،وبالتالي يؤثر على قدرته الشرائية ،وتربك أولوياته في الالتزامات الحياتية ،وتحمّله المزيد من الاعباء ،،وتبقي خياراته في الحصول على السلع الاساسية محدودة.
والجدول التالي يوضح مستوى ارتفاع اسعار السلع خلال هذا الشهر مقارنة بشهر رمضان من العام 2017.
دجاج وطني 10دينار للكيلو الواحد =2023من 13الى 14 دينار للكيلو الواحد.
خروف وطني 28دينار  للكيلو =من 50الى 53دينار للكيلو .
لحم بقر وطني 18دينار للكيلو =من 35الى 40دينار للكيلو  .
البيض 10دينار للطبق =من 14الى 15للطبق .
الحليب  من 2,50للعلبة =من 4,50الى 6دينار للعلبة .
دقيق (وطني )من 2الى 2,50للكيلو =الى 3,90الى 4دينار للكيلو .
الزيت  من 6الى 7دينار للعلبة =من10الى 11دينار للعلبة .
البصل من 2الى 2,50دينار للكيلو =8دينار للكيلو .
الخيار  من 2,50للكيلو الى 7دينار للكيلو .
ويلاحظ ان الاسعار ترتفع سنويا مع حلول  شهر رمضان ،دون مبرّرات اقتصادية او وجود ازمات سياسية، مثلا سعر كيلو لحم الخروف الوطني ، وهو  الاكثر استهلاكا في شهر رمضان كان في العام 2017في حدود 28دينار ثم قفز سعره في العام 2020ليصل من 40الى 44دينار للكيلو الواحد، وقفز  في العام 2023ومع حلول شهر رمضان ليتجاوز 53دينار للكيلو الواحد ،وهناك بعض المناطق يصل فيها سعره الى اعلى من هذا المستوى .ايضا سعر كيلو الدجاج  كان في العام 2o17في حدود 10 دينار ثم وصل سعره في العام 2020الى 11او 12 دينار للكيلو الواحد ، وقفز سعره في العام 2023ليصل الى 13دينار للكيلو الواحد، ويزيد السعر عن هذا المستوى في بعض المناطق .ايضا الزيادة في الاسعار لا تستهدف فقط السلع المستوردة بل تشمل السلع المحلية والتي عادة تكون متوفرة بكمية كافية ،مثلا كان سعر طبق البيض في العام 2017في حدود 10 دينار للطبق ثم ارتفع سعره في العام 2020 الى 12دينار تقريبا ،فيما قفز السعر في العام 2023ليصل الى 14دينار للطبق الواحد  .وايضا يلاحظ ان التحول في اسعار السلع لا يرتبط بنوع السلعة وجودتها ،بقدر مايرتبط باقبال الافراد على شرائها ،فكلما زاد اقبال الافراد على شراء سلعة ،كلما زاد سعرها .
لماذا ترتفع خلال شهر رمضان؟  
يعتبر ارتفاع اسعار السلع الاساسية في ليبيا خلال شهر رمضان المبارك حالة معهودة نظرا لطريقة الاستعداد له ،والتحول في  طريقة ونوع الاكل التي تصل عند بعض الاسر الى نوع من الاسراف .ولكن ارتفاع الاسعار خلال هذه السنة يمكن وصفه بالارتفاع الجنوني وغير المعتاد.

ويمكن ارجاع بعض اسباب هذا الارتفاع منها الى زيادة المرتبات بعد تطبيق قانون المرتبات الموحد ،بحيث اصبح الحد  للمرتبات في حدود 900دينار شهريا (المعاشات الضمانية) وهذا خلق حالة من التضخم في النقود دون ان يقابلها قيمة شرائية فعلية لهذه النقود .
بالاضافة الى صرف  ما يعرف بمنحة (الزوجة والابناء) لأشهر يناير فبراير ومارس ،ممّا وفر نوع من السيولة للاسر ودفعها الى شراء السلع ،ممّا شجع التجار الجشعين الى استغلال هذه الفرصة ،وتعمّد الزيادة في اسعار السلع مستغلين غياب الظوابط القانونية والرقابية .
كما يفسّر استاذ الاقتصاد بجامعة بني وليد الدكتور عثمان المبروك احد الاسباب المهمة لارتفاع الاسعار  الى زيادة الطلب على السلع خلال شهر رمضان وبنسبة تصل الى 30%عن باقي الاشهر ،مما يشجع التجار على رفع الاسعار .
ويتعمّد بعض التجار الى اخفاء بعض السلع (كما حدث خلال الايام الماضية عندما ثم إخفاء البصل المحلي )بعد ازمة البصل المصري المستورد الذي اكتشف عدم صلاحيته للاستهلاك وضرره على صحة المواطن، ممّا ادى الى ارتفاع سعر كيلو البصل المحلي و البصل المستورد من تونس او تركيا الى مستوى قياسي بحيث وصل كيلو البصل الى (8)دينار  متجاوزا سعر كيلو التفاح (6)دينار، وكيلو الموز (6الى7)دينار للكيلو .
خامسا :التّخوّف لدى المستهلك من ارتفاع الاسعار بشكل مفاجئ ،مما يؤدي الى شراء كميات كبيرة من السلع في وقت واحد ،لاعتقاد المستهلك ان الاسعار سترتفع او ان السلع ستختفي  من الاسواق ،وهي ظاهرة تغديها الشائعات في ظل غياب المعلومات الصحيحة من الجهات المختصة. وأصبحت ظاهرة عالية الضرر فيما يعرف في علم الاقتصاد بشراء الهلع .
هذا علاوة على الاسراف في تناول الطعام ،والميول الاستهلاكية المرتبطة بشهر رمضان.

ان ارتفاع اسعار السلع الاساسية خلال شهر رمضان المبارك تزيد من معاناة المواطن خاصة في ظل الازمة الاقتصادية التي تعيشها ليبيا والمرتبطة بالأزمة السياسية ،وفي ظل اتساع الفجوة في الدخل بين المواطنين ،فمثلا لايتجاوز المرتب الشهري لأصحاب المعاشات الضمانية وما في حكمهم (750الى 900)دينار شهريا فيما يتجاوز المرتب الشهري لبعض الشرائح الاخرى من امثال اصحاب المناصب القيادية والهيئات القضائية والاجهزة الرقابية  وما في حكمهم حاجز (20 الى 25)الف دينار شهريا . وعادة فإن الاسعار تحدد على اساس متوسّط الحد الاعلى للدخل عليه، ونتيجة عدم (التّعادل )في الدخل  بين الحد الاعلى والادنى للدخل بين الشرائح المختلفة في ليبيا ،فإن اسعار السلع الاساسية عادة مات حسب على أساس متوسط الحد الاعلى ،مما يزيد من العبء الذي يتحمله ذوي الدخل المحدود ،ويجعل هناك نوع من( الطبقية الرمضانية )تتمثّل في طبقة مرفهة في شهر رمضان تتحصل كل شيء ،وطبقة مهمشة  لاتتحصل على شيء ، زِد على ذلك ربّما ما يؤدّي الى إنجرار الدّولة لخلق حالة من الاقتصاد  الطّبقي الاستهلاكي الذي يضر بالطّبقة البسيطة .
كيف يمكن الحد من ارتفاع اسعار السلع الاساسية خلال شهر رمضان ؟
يصعب الجزم بقدرة الدّولة على مواجهة الارتفاع الحاد في اسعار السلع ،وخلق نوع من التعادل في حصول الافراد عليها بسبب أنّ هذه الظّاهرة متجذّرة منذ سنوات وتتم على مرأى ومسمع من السلطات الضّبطية والرّقابية ،وضعف قدرة الدولة على مقاومة هذه الظّاهرة ،مُضاف الى ذلك إنعدام الوعي الاستهلاكي لدى الافراد لانهم يقبلون على شراء السلع دون الاهتمام باسعارها او بوجود بديل اخر للسّلعة.

ولكن يمكن القول ان هناك بعض الاجراءات التى يمكن ان تقلل من زيادة هذه الظّاهرة منها ان تقوم الجهات الرّقابية خلال هذا الشهر  بمحاولة الكشف عن الاسعار من جهة ،وايضا تحديد اسعار بعض السلع من جهة اخرى.
وان تقوم الحكومة بتوفير السلع الرمضانية مباشرة ،وبيعها لتجار التّجزئة بسعر التّكلفة لخلق خالة من التنافس مع تجار الجملة الذين عادة ما يقومون بتقليل المعروض ،ثم تعمّد زيادة اسعار السلع .
بالإضافة الى  نشر الوعي الاستهلاكي للاقتصاد والحد من الاسراف ،والامتناع عن شراء كميات اكثر من الحاجة ،ومقارنة الاسعار قبل الشراء بين الاسواق والمتاجر ،وتركيز التّوعية على اساس ان هذا الشهر المبارك هو شهر (صوم)وعبادة وتقرب الى الله وليس شهر اسراف في الطعام .

الدكتور مسعود المهدي السّلاّمي.
أستاذ الإقتصاد السّياسي.

أشهر في موقعنا