تواصل إمكانات الغاز النيجيري جذب مزيد من الأطراف الراغبة في الاستثمار، وبعد أن كانت المنافسة قاصرة على قوتين بارزتين “المغرب، والجزائر” يبدو أن طرفًا جديدًا يوشك على سحب البساط من تحت أقدامهما.
وقررت الجارة الأفريقية غينيا الاستوائية دخول حلبة المنافسة من بوابتها الرسمية، إذ وقّعت اتفاقًا مع الحكومة النيجيرية يقضي بالموافقة على مشروع لخط أنابيب ينقل تدفقات الغاز.
ولدى كل من المغرب والجزائر مشروع منفصل لخط أنبوب ينقل تدفقات الغاز النيجيري عبر أراضيهما، ليغذّي الأسواق الأوروبية لتعويض غياب الغاز الروسي، لكن حتى الآن لا يوجد قرار استثمار نهائي بأي من المشروعين.
لماذا الغاز النيجيري؟
يُصنّف الغاز النيجيري بأنه يتصدّر أعلى الاحتياطيات في أفريقيا، وتشكل هذه الإمكانات عامل جذب ومنافسة قوية في توقيت حرج لأسواق الطاقة العالمية، خاصة أوروبا التي تتعطش للإمدادات بعدما هجرت الغاز الروسي المنقول عبر خطوط الأنابيب.
وبلغت احتياطيات نيجيريا من الغاز بنهاية العام الماضي 2023 ما قُدّر بنحو 5.943 تريليون متر مكعب، وفق بيانات الدولة لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
ويتبنّى الرئيس النيجيري بولا تينوبو إستراتيجية واضحة منذ توليه منصبه، إذ يتصدّر إنتاج الغاز وتسويقه الأولويات الرئاسية، بهدف تعزيز الاقتصاد الوطني وتلبية الطلب المحلي، والتوسع أيضًا في التصدير.
ولم يقتصر الأمر على تدفقات الغاز الطبيعي التي يمكن تصديرها عبر خطوط الأنابيب فقط، إذ صدّرت نيجيريا الغاز المسال بكميات تتجاوز 7 ملايين طن خلال النصف الأول من العام الجاري 2024.
ويعكس ذلك ارتفاعًا عن حجم صادرات النصف ذاته العام الماضي البالغة 6.89 مليون طن، وفق بيانات تقرير وحدة أبحاث منصة الطاقة المتخصصة -الصادر شهر يوليو/تموز- بعنوان “مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في النصف الأول من 2024”.
وحسب هذه البيانات، تفوّقت نيجيريا على الجزائر، بعد حسمها صدارة قائمة أكبر مصدر للغاز المسال في أفريقيا لصالحها، لتضيف عامل جذب جديدًا لإمكانات أبوجا ومواردها في السوق العالمية.
مشروع غينيا الاستوائية
انضمّت غينيا الاستوائية لجارتيها الأفريقيتين “الجزائر، والمغرب”، ليتسع نطاق المنافسة على الاستفادة من موارد الغاز النيجيري.
ووقّعت حكومتا دولتي غينيا الاستوائية ونيجيريا، اتفاقًا لبناء مشروع خط أنابيب ينقل غاز أبوجا الطبيعي إلى مرافق معالجة الغاز المسال في غينيا.
ويُعد الاتفاق الأحدث في سباق غاز نيجيريا بمثابة “تعاون إقليمي” يضمن موثوقية الإمدادات لمنشآت غينيا الاستوائية، ويؤمّن تدفقها لسنوات، حسب تصريحات وزير الناجم والهيدروكربونات الغيني أوبورو أوندو، التي نقلتها مجلة أوفشور (Offshore Magazine).
ومن ضمن المرافق المستفيدة بالاتفاق في غينيا الاستوائية، محطة جي إم إتش (GMH) التابعة لشركة إي جي إل إن جي (EG LNG)، والواقعة في منطقة بونتا يوروبا (Punta Europa) على جزيرة بيوكو.
وقبل استعدادها لاستقبال الغاز النيجيري، كانت المحطة -التي بدأ تشغيلها عام 2007- تعتمد على تدفقات غاز حقل ألبا البحري الذي تديره شركة ماراثون أويل (Marathon Oil) الأميركية، والذي شهد إنتاجه تراجعًا مؤخرًا رغم أهميته للدولة الأفريقية.
وحاولت غينيا توفير مصادر إضافية للتغلب على تراجع إنتاج حقل ألبا، عبر اتفاق مع شركة شيفرون الأميركية على توسعة مصادر التغذية.
وفي عام 2021، أُنجزت المرحلة الأولى لتطوير المحطة بنجاح بعد ربط إنتاج حقل ألين البحري بمحطة المعالجة، في حين تركز المرحلة الثانية على تغذية المحطة بغاز حقل ألبا، والمرحلة الثالثة تستهدف إمدادات حقل أسينغ.
أنبوب الغاز النيجيري عبر المغرب والجزائر
رغم التفاصيل المحدودة المعلنة حول اتفاق مشروع أنبوب الغاز النيجيري وغينيا الاستوائية، خاصة فيما يتعلق بالربط بين غينيا ووجهات التصدير، فإنه أثار علامات استفهام كبيرة حول مشروعي التعاون مع المغرب والجزائر.
وكشف تحليل لمدير تحرير منصة الطاقة المتخصصة عبدالرحمن صلاح، أن تدفق الغاز من نيجيريا قد لا يلبي طموحات كلتا الدولتين، بسبب صعوبات تتعلّق بمسار عبور الخطين بدول عدة، فضلًا عن التحديات الاستثمارية والأمنية، خاصة المشروع المغربي الذي يمر بـ11 دولة (إلى جانب المغرب ونيجيريا).
وأضاف صلاح أن هذه العوامل حالت دون التوصل إلى قرار استثمار نهائي في أي من الخطين، حتى الآن، حسب تصريحاته خلال حلقة بعنوان “حصاد الطاقة في 2023″، ضمن حلقات برنامج “أنسيّات الطاقة” على منصة إكس.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، انضمّت ليبيا بصفتها منافسًا جديدًا للمغرب والجزائر في طموح تصدير الغاز من نيجيريا إلى أوروبا، وطرحت مقترحًا لمشروع أنبوب يمر عبر النيجر.
وفيما يلي، تستعرض منصة الطاقة المتخصصة تطورات مشروع المغرب والجزائر:
أنبوب الغاز المغربي النيجيري
يصل طول أنبوب الغاز المغربي النيجيري إلى 6 آلاف كيلومتر، ويمر بنحو 11 دولة، بالإضافة إلى الدولتين صاحبتي المشروع.
ويُعد مسار المرور طويلًا للغاية، ورغم ذلك يرى مسؤولون مغاربة أن الخط قد يشهد خطوة حاسمة بإعلان قرار الاستثمار النهائي نهاية العام الجاري.
وخلال الأشهر الأخيرة، رصدت منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) تطورات المشروع، التي تضمّنت اجتماعات مكثفة بين الجانبين وبدء عمليات المسح لتحديد مسار الخط بدقة انتهاء بإسبانيا البوابة الأبرز في أوروبا.
وفي شهر يوليو/تموز، التقى مسؤولون من 12 دولة نظراءهم المغاربة، لبحث تطورات ما يمكن وصفه بأنه مشروع مستقبلي لأكبر خط أنابيب بحري عالميًا.
ورغم المضي قدمًا في تطوير المشروع فإن خبير الهيدروجين والغاز لدى منظمة أوابك المهندس وائل عبدالمعطي، أبدى نظرة غير متفائلة حيال الخط.
وحدّد عبدالمعطي 6 تحديات تواجه المشروع، هي: التمويل، وصعوبة تأمين عقود الشراء لمدد تصل إلى 20 عامًا، وطول مسار الخط، ومعدل التنافس القوي في سوق الغاز المسال، وتحديات جذب شركاء دوليين، والتحديات التي تواجه إنتاج الغاز في نيجيريا رغم ازدهار الاحتياطيات.
أنبوب الغاز الجزائري النيجيري
يُعد طول أنبوب الغاز الجزائري النيجيري أقل بكثير من نظيره المغربي، إذ يُقدر بنحو 614 كيلومترًا، ولم يشهد هذا الخط أيضًا أي ملامح حول قرار استثمار نهائي وشيك.
وشملت توقعات مدير تحرير منصة الطاقة عبدالرحمن صلاح صعوبة تنفيذ هذا الخط أيضًا، خاصة مع تراجع الإنتاج النيجيري، وما إذا كانت الاحتياطيات كافية لتلبية طلب المشروع.
وتأثر الخط الجزائري النيجيري -المتوقع نقله 30 مليار متر مكعب سنويًا من الغاز النيجيري إلى أوروبا- بانقلاب النيجر وتداعياته، بالإضافة إلى مشكلات التمويل رغم تأمين مخصصات من البنك الأفريقي للتنمية.
وفي وجهة نظر مقابلة، رجح خبير الطاقة الجزائري الدكتور أحمد طرطار، إمكان تنفيذ المشروع، متوقعًا تحقيقه مكاسب اقتصادية هائلة.
وقال إن انخفاض التكلفة ومسار الخط الأقصر (إذ يربط الجزائر ونيجيريا عبر النيجر) مقارنة بالمشروع المغربي النيجيري يرجحان كفة المشروع الجزائري.