Skip to content

موجة الحر تضرب المحاصيل الزراعية في ليبيا

تضرب موجات من الجفاف غير المسبوقة منذ حوالي ثمان سنوات متتالية الأراضي الليبية تحمل معها ارتفاعا في درجات الحرارة وانخفاضا كبيرا في التساقطات المطرية ما أثر بشكل كارثي على المحاصيل الزراعية الاستراتيجية (الحبوب) وإنتاج الأشجار المثمرة.

دخل (فرج علي) محل خضار لشراء بعض الفاكهة فوقعت عيناه على التين المعروف محليا بـ (الكرموس). سأل صاحب المحل عن الثمن فقال له “35 دينارا الكيلو”. ألقى نظرة أخرى على صندوق التين وقبل أن ينصرف سأل كيف يُمكن أن يبلغ سعر التين 35 دينارا للكيلو الواحد ونحن في قلب الموسم؟ فرد عليه البائع إن ذلك يعود إلى نقص الإنتاج المحلي.
وأفاد أكرم محمد (صاحب محل للخضار في حي الصابري ببنغازي)، صحيفة (الأنباء الليبية) أن سبب ارتفاع أسعار التين لهذا العام، يعود إلى قلة المنتوج الوطني ما دفع التجار لاستيراد التين من تونس فارتفعت الأسعار.
ويضاعف تدني سعر صرف الدينار الليبي ارتفاع أسعار كل ما يُستورد من الخارج، ويزيد من معاناة الليبيات والليبيين، وبلادنا تستورد اليوم، 90 في المائة مما نستهلكه، بسبب السياسات الزراعية والاقتصادية الفاشلة.
وأرجع مزارعون التقتهم صحيفة (الأنباء الليبية) أسباب ارتفاع سعر فاكهة التين هذا الموسم إلى موجة الحر التي اجتاحت البلاد لفترة طويلة مع بداية فصل الصيف الحالي وكان لها تأثير كبير على أشجار الفاكهة منها المشمش الذي اختفى من الأسواق هذا العام.

وأوضح علي بن سعود صاحب مزرعة بمنطقة المقزحة (30 كلم جنوب شرق بنغازي، وهي منطقة تتربع بين اثنين من أكبر الأودية في ليبيا، من الشمال وادي القطارة، ومن الجنوب وادي النغار، ومن الغرب منطقة النواقية، ومن الشرق سلسلة جبلية ومرتفعات الرجمة، وهي ذات طبيعة زراعية جبلية وتشتهر بإنتاج التين والدلاع والطماطم والبصل)، أن تراجع محصول التين هذا العام يعود إلى الارتفاع الكبير وغير المسبوق في درجات الحرارة في بداية فصل الصيف ما تسبب في سقوط الثمرة قبل نضجها وجفاف الأوراق.

وأضاف بن سعود الذي يملك 100 شجرة تين و20 ألف من العنب أن جاره في المزرعة المحاذية، لديه 750 شجرة تين تضررت بشكل كبير من موجة الحر ولم يجن أي شيء منها، حتى لأسرته.
ونتج عن موجة الحر، بحسب هذا المزارع، انتشار حشرة العنكبوت الحمراء التي تقضي على الشجرة بالكامل، إلى جانب الرطوبة العالية التي فاقمت من الخسائر التي ضربت موسم جني التين هذا العام.

وأكد الخبير في مجال البيئة، سامي الأوجلي، لصحيفة (الأنباء الليبية) تأثير التغير المناخي على المحاصيل الزراعية مبينا أن الاحتباس الحراري المتسبب في ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة يؤثر على المحاصيل الزراعية التي تحتاج لدرجة حرارة معينة في شهر معين لتنمو وتعطي منتوجا جيدا.
وأوضح الأوجلي أن الاحتباس الحراري يؤدي إلى زيادة في التبخر ونقص في منسوب المياه الجوفية ويزيد من مخاطر الجفاف والتفاوت في درجات الحرارة وشح الأمطار التي تأتي في غير وقتها وارتفاع نسبة الرطوبة ما يؤثر بدرجة كبيرة على المحاصيل الزراعية منها التين.
واستطرد الخبير الليبي أن الاحتباس الحراري يؤدي إلى زيادة في الآفات الزراعية ويؤثر بشكل مباشر على النباتات التي تعتمد على موسم الأمطار والمياه الجوفية.

ورأى أهمية جمع البيانات وتوزيع استبيان لإجراء دراسة مدتها ستة أشهر للخروج بنتيجة واقعية لمعرفة مدى تأثير الاحتباس الحراري في البيئة التي نعيش فيها والمحيطة بنا.
وكان مدير إدارة الشؤون العلمية في المركز الليبي للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء، محمد عبد الله، أكد في تصريحات صحفية سابقة ضرورة دق نواقيس الخطر فيما يتعلق بملف الجفاف ومخاطره على الحياة بشكل عام في ليبيا، مشيرا إلى أن خطورة الوضع تتمثل في كون ليبيا هي إحدى أفقر الدول مائيا، وأن أمنها المائي يحتاج إلى إجراءات أكثر فعّالية عن طريق الاحتياط واتخاذ الإجراءات الوقائية، وهي مسؤولية تقع مباشرة على الجهات الحكومية المسؤولة.
وأشار عبد الله إلى أن الجفاف الذي حدث في السنوات الأخيرة وقلة هطول الأمطار، قد يعصف بالثروة الزراعية والحيوانية والغطاء النباتي، لافتا إلى أن المركز الليبي للاستشعار عن بعد بصفته عضوا في اللجنة الوطنية لمكافحة التصّحر، يجري بحوثه العلمية باستمرار ويتابع الوضع المائي، بعد تأثر الغطاء النباتي بالجفاف الذي بدأت ملامحه تظهر على الواقع البيئي في البلاد.

ورأى المهندس الزراعي عوض الحداد، من جهته، في تصريح لصحيفة (الأنباء الليبية) أن من بين أسباب تدني محصول التين لهذا العام، جرف الأراضي المزروعة بأشجار التين وتفتيتها وبيعها كمقسمات سكنية، وضرب مثلا على ذلك بما حدث في سوسة ورأس الهلال ولاثرون ودرنة وشحات وشط البدين والزويتينة وسلطان وقمينس وغيرها من المناطق التي تعتمد زراعة الكروم فيها على المياه الجوفية السطحية.
ولاحظ أن إنتاج هذه المناطق من التين كان يكفي السوق المحلي ولكن اليوم لم تعد تنتج بالشكل الكافي وتراجعت جودة الثمرة لعدة أسباب منها قلة الاهتمام بأشجار الكروم من تقليب وتسميد واستخدام المبيدات الحشرية.
وتحتاج شجرة التين لكمية معتدلة من المياه ويُمكن سقيها مرتين في الأسبوع لأن كثرة الماء تسبب تعفن الجذور كما تحتاج إلى أجواء معتدلة حيث تؤذي درجة الحرارة العالية الشجرة وتؤثر على إنتاجها من الثمار.
وأضاف أن الآفات التي أصابت أشجار التين كثيرة منها آفات فطرية وحشرية ومنها آفة العناكب التي تتسبب في إتلاف الثمار والشجرة، ناهيك عن أن مزارع التين قليلة والعمالة بها غير مؤهلة وتحتاج إلى دورات إرشادية في تقليم الأشجار والحفاظ عليها من الآفات.

وقال المهندس الزراعي علي العماري إن أسباب تلف وسقوط ثمرة التين قبل نضجها يرجع أيضا إلى رش المبيدات الحشرية بطريقة غير علمية خاصة أثناء عملية التلقيح أو خلال فترة ظهور الثمار ما يتسبب في قتل حشرة (البلاستوفاجا) وهي العامل الرئيسي في إتمام عملية التلقيح، فتسقط الثمار.
وأكد العماري في هذا الصدد عدم رش التين بمركبات الكلوروبيفوس (الدورسبان) لأنه حساس للمبيد ويسبب احتراق الأوراق، ويفضل رش التين بمبيد السايبرمترين 20 في المائة. ونصح بإجراء عملية التسميد بالأسمدة العضوية شتاء وبعد ذلك يأتي التسميد الكيماوي، المركب من العناصر الثلاثة (NPK) لأن نقص العناصر يسبب سقوط الثمار، حسب رأيه العلمي.

ودعا إلى ضرورة التأكد من نوع التربة نظرا لتأثيرها على زراعة أشجار التين والانتظام في عملية الري بمعدل مرة واحدة كل 5 أيام والانتباه إلى ارتفاع درجة الحرارة حيث لا تتحمل أغلب أصناف التين الحرارة المرتفعة.
ويدعو الخبراء، أمام مشاكل تغير المناخ الصعبة التي تجتاح حوض البحر المتوسط وتلقي بظلالها على ليبيا، وباتت تشكل تهديدا كبيرا للتنمية الاقتصادية في بلادنا، خاصة أن هذه التقلبات زادت من آثار المخاطر الطبيعية على الإنتاج الزراعي بسبب الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة وشح الهطولات المطرية وتراجع منسوب المياه الجوفية، إلى أهمية نشر ثقافة الوعي البيئي بين المزارع والمواطن ومحاولة معرفة طرق التصدي لهذا التغير الخطير على مستقبل الحياة ليس في بلادنا فحسب وإنما فوق الكوكب الأزرق.(الأنباء الليبية)

أشهر في موقعنا