أشار موقع «إس أند بي غلوبال إنسايتس» الأميركي إلى أن تراجع صادرات النفط الروسية، بسبب الهجوم الأوكراني المكثف بالطائرات المسيرة على المصافي ومنشآت التكرير، يؤثر على أنشطة تهريب الوقود من ليبيا، ويفاقم الانتقادات الداخلية لتجارة التهريب المربحة. كما يهدد سلطة حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» ورئيسها عبدالحميد الدبيبة في طرابلس.
وقال الموقع المعني بمتابعة أسواق النفط والطاقة العالمية في تقرير منشور الخميس: «شن أوكرانيا حملة هجوم مكثفة بالطائرات المسيرة على مصافي النفط الروسية من شأنه الضغط على تجارة الوقود غير القانونية في ليبيا، التي تبعد أربعة آلاف كم عن روسيا، وهي تجارة غذت بالفعل التوترات السياسية في البلد الهش».
وبالفعل أظهرت بيانات «إس أند بي غلوبال» تراجع شحنات المنتجات النفطية الروسية إلى ليبيا متأثرة بالهجمات الأوكرانية، مع انخفاض صادرات الديزل والبنزين بأكثر من النصف إلى 48 ألف برميل يوميا في مارس الماضي من 100 ألف برميل يوميا مسجلة في يناير.
وشهدت إمدادات الديزل، التي مثلت الجزء الأكبر من الإمدادات الروسية إلى ليبيا، الانخفاض الأكبر، حيث تراجعت من 69 ألف برميل يوميا في يناير إلى 40 ألف برميل في مارس. كما انخفضت تدفقات البنزين الروسي خلال الفترة نفسها 76% إلى 7600 برميل يوميا فقط، حسب بيانات الموقع الأميركي.
تراجع تدفقات الوقود الروسي يهدد حكومة الدبيبة
ويرى التقرير الأميركي أن هذا التغير الكبير في تدفقات الوقود الروسي يترك ليبيا في موقف غير مستقر، مع زيادة الانتقادات المحلية لأنشطة التهريب، مضيفا: «ذلك يهدد السيطرة الهشة لحكومة الدبيبة، المعترف بها من الأمم المتحدة، في طرابلس».
ويشير إلى «اتهام محافظ البنك المركزي، الصديق الكبير، وحلفائه الدبيبة بغض الطرف عن أنشطة التهريب، وزيادة الضغوط من أجل إصلاح نظام الدعم الذي يستنزف احتياطات البلاد من العملة الأجنبية».
كما طالت الانتقادات رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة، الذي جاء تنصيبه على رأس المؤسسة نتيجة صفقة بين حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» في طرابلس والحكومة المكلفة من مجلس النواب في بنغازي، حسب التقرير.
من جهته، فتح رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، تحقيقا في ملفات مرتبطة بالفساد في المؤسسة الوطنية للنفط وتهريب الوقود. وجاء قرار إقالة وزير النفط، محمد عون، من منصبه، وإحالته إلى التحقيق ليزيد من الاضطرابات الداخلية، ولا سيما أنه كان على خلاف مع مؤسسة النفط بشأن العائدات النفطية.
رفع الدعم عن الوقود مخاطرة سياسية
في هذا الصدد، قال المدير المساعد في شركة «ويسبرينغ بيل»، إلياس صديقي، إن «عدم قدرة حكومة الدبيبة على تتبع نقل الوقود واستهلاكه سمح بازدهار أنشطة التهريب. رفع الدعم سيكون مخاطرة سياسية كبيرة، ويمكن أن يزعزع استقرار الدولة الممزقة بالفعل».
وأضاف: «أنشطة التهريب تجارة راسخة، حيث يشارك فيها العديد من أصحاب المصلحة الذين أصبحوا أكثر تطورا في إعادة تصدير الوقود المهرب إلى الدول المجاورة، برا أو بحرا، من الموانئ الشرقية».
وتابع: «عدم الاستقرار في السودان المجاور أدى إلى تفاقم المشكلة بسبب تزايد الطلب على الوقود المهرب من ليبيا».
تضخم الدعم الحكومي يغذي التوترات الداخلية
وخلال الأسابيع الأخيرة، تكبدت قدرات التكرير في روسيا خسائر فادحة بسبب الهجمات الأوكرانية، مما أثر على تدفق الخام، في الوقت الذي يسعى فيه الكرملين إلى تأمين إمدادات الوقود إلى المراكز العسكرية والسكانية قبيل ذورة الطلب في الصيف. يأتي ذلك بينما حظرت روسيا صادرات الغاز ستة أشهر بدءا من الأول من مارس الماضي، مع رفع سعر وقود الديزل.
وتوقع التقرير أن يجبر تراجع واردات الوقود الروسي شبكات التهريب في ليبيا على البحث عن إمدادات بديلة، للحفاظ على تجارة التهريب مستقرة في الأسواق السوداء، وهو ما يثير توترا بين الدبيبة ومعارضيه، بما فيهم حليفه السابق محافظ المصرف المركزي، حسب تقرير الموقع الأميركي.
وتُظهر حسابات المصرف المركزي أن واردات الغاز والديزل إلى ليبيا أكثر من كافية لتلبية الطلب المحلي. غير أن مشاهد نقص الوقود والطوابير الطويلة في محطات التعبئة لا تزال متكررة في الشارع الليبي.
وتضخمت قيمة الدعم الحكومي للسلع من 20.8 مليار دينار في العام 2021 إلى 61 مليار دينار بالعام 2023، بينها 41 مليار دينار لدعم الوقود. وقال محافظ البنك المركزي في تصريحات أخيرة: «هذا يتخطى احتياجات الاقتصاد الوطني، ويؤكد أن جزءا كبيرا من هذا الوقود يجرى تهريبه إلى الخارج».
كما قال: «من المتوقع أن تنمو فاتورة دعم الوقود خلال العام 2024، بحسب المؤسسة الوطنية للنفط. وفي هذا الصدد، لم تتخذ الحكومة الإجراءات اللازمة لمعالجة هذه الظاهرة».
غير أن الدبيبة رفض انتقادات الكبير، مؤكدا قوة الاقتصاد الليبي. لكنه، في الوقت نفسه، دعا مؤسسة النفط والشركات التابعة لها، في تصريحات في 18 مارس الماضي أمام المجلس الأعلى لشؤون الطاقة والمياه، إلى تعزيز الشفافية في كل عملياتها.
الاعتماد على الوقود الروسي بسبب محدودية طاقة التكرير
وضخت ليبيا، صاحبة الاحتياطي النفطي الأكبر في أفريقيا، نحو 1.14 مليون برميل يوميا في فبراير، ويجرى تصدير الجزء الأكبر منه، حيث تظل قدرة التكرير في الداخل غير فعالة نتيجة سنوات من الحرب الأهلية.
ودفعت القيود المفروضة على طاقة التكرير ليبيا إلى الاعتماد على واردات الوقود الضخمة لتلبية الطلب المحلي، مما دفعها إلى التحول إلى الإمدادات الروسية الرخيصة في أعقاب الحرب مع أوكرانيا.
وبحسب بيانات «إس أند بي غلوبال»، ارتفعت تدفقات المنتجات المكررة من روسيا إلى ليبيا بمقدار عشرة أضعاف تقريبا على أساس سنوي في العام 2023.
وتدفق نحو 60 ألفا و600 برميل يوميًا من الغاز والبنزين والنافتا بين البلدين خلال العام 2023، ارتفاعا من 6800 برميل يوميا فقط في العام 2022، مما انتزع حصة سوقية من موردي زيت الغاز في البحر الأبيض المتوسط، حيث جرى نقل نحو نصف الشحنات المتجهة إلى ليبيا، التي تتراوح بين 8 و10 شحنات.
ويجرى بيع الوقود محليا بسعر مدعم عند ثلاثة سنتات لكل لتر، مما يجعل أنشطة التهريب والسوق السوداء مربحة إلى حد كبير، ويحولها إلى ما يشبه «السر المعلن» بين المجموعات والأطراف المتنافسة على السلطة في البلاد.
تهريب الوقود من ليبيا
وتشير مصادر في ليبيا، حسب التقرير، إلى انتظام استيراد الوقود من روسيا عبر وسطاء في تركيا، ومنها إلى ليبيا، في مسار برز خلال العام الماضي بالتزامن مع سعي روسي حثيث للبحث عن مشترين جدد للنفط في مواجهة العقوبات الغربية المفروضة بحقها، والحظر الأوروبي على واردات الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا.
لكن القليل من النفط الروسي المستورد يظل داخل ليبيا، بينما يجرى تصدير الجزء الأكبر منه عبر حدود البلاد الشاسعة مع السودان بالجنوب، حيث تقول مصادر محلية ومحللون إن الوقود المهرب يصل إلى قوات «الدعم السريع» في السودان، وهو ما يغذي بالتبعية الحرب المشتعلة هناك.
وفي بعض الأحيان تقوم قوات «الدعم السريع»، المدعومة من مجموعة «فاغنر» الروسية، بإعادة تصدير الوقود المهرب من ليبيا إلى أوروبا، مما يدر عليها ربحا يقدر بمليارات الدولارات، ويغذي الحرب الأهلية، حسب مصادر نقل عنها التقرير.