يطالب الخبراء في الاقتصاد منذ سنوات طويلة بضرورة ان تتخلى الحكومة عن الدعم المباشر للمحروقات ، بشكل منظم وتدريجي واستبداله بالدعم النقدي المباشر للمواطن وفق آلية محددة ،وذلك من اجل التخلص من التشوهات التي يعاني منها الاقتصاد الليبي ، ويرهق الميزانية العامة للدولة ويضخم حجمها ،حيت يذهب اغلب الدعم على المحروقات لجيوب المهربين والمضاربين الذين يقومون بتهريبه لدول الجوار للاستفادة من فارق الاسعار ،ولا يستفيد منه المستحقين له من الفقراء.
وازدادت المطالبة برفع الدعم عن المحروقات ،بعد ان زادت فاتورة الدعم في الميزانية العامة للدولة لأرقام ضخمة ،،حيث وصلت فاتورة الدعم في موازنة العام 2022 الى 20 مليار دينار اي ما يعادل 4,19مليار دولار . ويذهب هذا على حساب دعم سلع اساسية اخرى يستفيد منها المواطن .
و رغم ازمة الطاقة العالمية التي دفعت عدد من الدول النفطية مثل الامارات ودول غير نفطية مثل مصر وتونس الى زيادة اسعار المحروقات ، واصلت ليبيا احتفاظها بصدارة ارخص الدول في اسعار المحروقات ، بعد فنزويلا، وايضا ارخص دولة عربية وافريقية في سعر المحروقات ،حيث يبلغ سعر لتر البنزين :
0,15قرش=LyD.
0,031USD.
0,029 EuR
ويوضح الرسم البياني التالي سعر لتر البنزين في ليبيا مقارنة بسعره في عدد من الدول العربية الاخرى
ويلاحظ مما سبق ،ان سعر المحروقات في ليبيا هو الاقل من بين الدول العربية ،و هو الاقل حتى بالنسبة للدول النفطية الاقل عددا في السكان والاكثر دخلا مثل الامارات وقطر .
كما تعتبر ليبيا ارخص دولة افريقية في سعر المحروقات مقارنة ببعض الد ول الافريقية فمثلا سعر قالون البنزين في دولة منتجة للنفط مثل نيجيريا 1,82دولارا ، وفي انجولا الى 1,60دولار للقالون ،فيما لا يزيد سعر الجالون في ليبيا عن 0,015دولار للقالون.
وكانت حكومة الوحدة الوطنية شكلت في مارس من العام 2021لجنة لمراجعة اسعار المحروقات، اوصت بالرفع التدريجي للأسعار، وبما لا يؤثر على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد .
لماذا رفع الدعم عن المحروقات؟
ان رفع الدعم عن المحروقات اصبح ضرورة لمعالجة التشوهات التي اصابت الاقتصاد وحدت من فاعليته ، وايجاد مصدر للدخل خاصة بعد تطبيق قانون المرتبات الموحد ،الذي اثقل كاهل الخزينة العامة. وقد اوصى صندوق النقد الدولي في اجتماعه في شهر مارس من هذا العام مع محافظ المصرف المركزي ووزراء المالية والتخطيط ورئيس ديوان المحاسبة، بضرورة تنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل ولانفاق، وضرورة تنفيد اصلاحات ضرورية في مجال الدعم ،وخاصة دعم المحروقات. وحذر صندوق النقد من نظام الدعم ، وقال انه يؤثر سلبيا على الاقتصاد الليبي ,ويسبب تشوه في جسم المنظومة المالية .
وحسب الخبير الاقتصادي الليبي محمود سالم ان الدعم بكل اشكاله غير مجد في دولة نامية مثل ليبيا ،وان الدول المتقدمة لايوجد بها دعم لاي سلعة مقدمة للمواطن ،ويجب رفع الدعم عن المحروقات واستبداله بالدعم النقدي للمواطن. ويشاركه في هذا الرأي عضو لجنة سعر الصرف بمصرف ليبيا المركزي ومدير المصرف التجاري مصباح العكاري الذي يرى ان رخص اسعار الوقود يتسبب في تشوه الاقتصاد ،وان قيمة رفع الدعم تعود للخزينة العامة ،وتستتمر في دعم النقل العام ،ودعم الاسر الفقيرة والحد من بعض الظواهر مثل زيادة عدد السيارات المستخدمة للبنزين ، وماتسببه من حوادث مميتة .
واوضح مصباح بان رفع الدعم عن المحروقات اصبح ضرورة اقتصادية، ولكن يجب ان يكون تدريجيا ، بحيث يبدا السعر عند 30قرش للتر البنزين ،ويتم توجيه الدعم النقدي المقابل لرفع الدعم في دعم الاسر الفقيرة التي لا تملك وسيلة النقل ،وغير المستفيدة من دعم المحروقاتودعم الخزينة العامة.
يتسبب ذلك في دعم ظاهرة تهريب الوقود الى دول الجوا ،مما يفقد الخزينة العامة اكثر من مليار دينار سنويا ،ولابد من رفع الدعم حتى يحدث نوع من التوازن في السعر مع دول الحوار ،كما تسبب الدعم في خلق ازمة وقود في الداخل خاصة في منطقة الجنوب، التي وصل فيها سعر لتر البنزين الى حوالي 4دينار مقابل 15قرش في منطقة الساحل الليبي ،وان الدعم يزيد من الفرص الضائعة على الاقتصاد .وان رفع الدعم خطوة على طريق الاصلاح الاقتصادي الذي يعاني من اثار الحرب ،وانتشار ظاهرة الفساد المالي والاداري .
.
ان فكرة رفع الدعم مطلوبة منذ سنوات طويلة ،ولكن وفق ظوابط حتى تحمي المواطن من القطاعات الفاسدة التي ستحاول تعويض اي خسائر مادية بعد رفع الدعم ، حيث سيقاتل لصوص المال العام من اجل بقاء الدعم لان اغلبه يدخل جيوبهم ،فيما لايستفيد منه المواطن بما لايزيد عن نسبة 30%.
ويجب ان يثم رفع الدعم عن المحروقات بشكل تدريجي ، وعلى عدة سنوات لا تقل عن 5 سنوات ،وذلك لتجنب الاثار الجانبية السلبية المتعددة له ، و ان يكون مقابل رفع الدعم تقديم الدعم النقدي للشريحة الاقل دخلا ،التي لاتستفيد بشكل مباشر من الدعم.
ويجب ان تتولى الدولة وضع القوانين والظوابط التي تحد من الاثار الجانبية لرفع الدعم ، مثل التوسع في اقامة وسائل النقل العام ،ودعم الاسر الفقيرة ،والحد من ظاهرة التضخم والارتفاع في الاسعار ،وعدم ترك المواطن مكشوفا دون حماية.
الدكتور مسعود المهدي السلامي
أستاذ الإقتصاد السياسي