عاد الحديث مجددا عن ضرورة رفع الدعم عن الوقود، واستبداله بالدعم النقدي المباشر للمواطنين،،فقد صرح رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الخميد الدبيبة خلال الاجتماع الذي عقده مجلس الوزراء بمدينة غريان أن رفع الدعم عن الوقود اصبح ضروريا، وانه يجب اقناع الشباب به ،وطرح البدائل المتاحة والمقبوله لتطبيقه. وبين الدبيبة ان نصف الميزانية العامة للدولة الليبية يتم اتفاقها على تغطية نفقات الوقود، واصفا هذا الدعم بالمخيف، وانه يجب إنهاءه وعدم القبول باستمراره .
ويعكس تصريح رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة الهاجس المتواصل لدى حكومة الوحدة الوطنية من الاثار السلبية للدعم، والضغط الكبير الذي يسببه على ميزانية الدولة،وعلى تضخم فاتورة الانفاق العام .
ولمواجهة هذه الاشكالية شرعت حكومة الوحدة الوطنية بأعداد التصورات المناسبة وتهيئة الظروف لتطبيق رفع الدعم دون تسرع لتخوفها مما قد يجره من اثار سلبية على المواطن ،قد تؤدي الى قلاقل اجتماعية وامنية غير متوقعة .
ويثير الحديث عن رفع الدعم عن الوقود جدلا واسعا بين المواطنين والمهتمين بالجانب الاقتصادي، فبينما يراه البعض منهم انه حلا وخطوة ضرورية للقضاء على عملية تهريب الوقود ،ومعالجة التشوهات التي اصابت الاقتصاد، نتيجة تضخم الفاتورة السنوية للدعم ، يراه البعض الاخر ان التسرع في رفع الدعم دون خطط مدروسة ،وبدائل مناسبة يؤثر سلبا على حياة المواطن من خلال الارتفاع الكبير في السلع الاساسية وبالتالي يؤدي الى تفقير الطبقة الوسطى التي ستختفي تماما .
عليه،تقع مسألة رفع الدعم عن الوقود في صلب اهتمامات الحكومة هذه الايام ،وفي صدارة برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تسعى لتحقيقه ،لما يسببه الدعم من استفحال ظاهرة تهريب الوقود، ومن هدر كبير في المال العام ،والفساد المالي والاداري.
أسباب التوجه لرفع الدعم عن الوقود
رغم ان موضوع رفع الدعم عن الوقود ليس بجديد،وإن مايطرح من سياسات اليوم حول كيفيفة رفع هذا الدعم ،كان محل اهتمام العديد من الحكومات السابقة ،التي لم تستطع ايا منها اتخاد أجراءات حقيقة حياله،إلا ان مادفع الدبيبة الى اقتراح التعجيل برفع الدعم عن الوقود هو
تفشي ظاهرة تهريب الوقود وعلى نطاق واسع في جميع انحاء البلاد على مدى سنوات طويلة ،مما جعلها مشكلة غير محلولة تستنزف خزينة الدولة ،وتوسع من نطاق استشراء الفساد.وقد كشف تحقيق اجرته منظمة (ذا سنتري) وهي احد المنظمات الدولية المعنية بمكافحة الفساد ان تهريب الوقود في ليبيا،مستفحل،وانه اخد في الصعود بوتيرة متسارعة خلال العامين الماضيين ،خاصة في المنطقة الشرقية التي ازدادت فيها كميات وطرق تهريب الوقود مؤخرا،بالاضافة الى ان اجراءات ضرب معاقل تهريب الوقود في المنطقة الغربية التي نفدتها حكومة الدبيبة لم تفلح في الحد من هذه الظاهرة .
وتقدر بعض الجهات الاقتصادية الليبية التكلفة الاجمالية لتهريب الوقود في ليبيا ب 750 مليون دولار سنويا ،فيما تقول جهات اخرى ان الرقم الحقيقي لكلفة تهريب اعلى بكثير .
كما زادت مخصصات دعم الوقود لتتجاوز 12مليار دولار في العام 2022,بزيادة قدرها 5مليار دولار عن العام 2021.
وحسب رئيس حكومة الوحدة الوطنية انه يتم شراء لتر البنزين بين60الى 80 سنتا ،ويتم بيعه للافراد ب 3سنتات ،بحيث تتحمل خزينة الدولة الفارق في التكلفة ،مشيرا الى ان نصف الميزانية العامة للدولة يتم إنفاقها لتغطية تكلفة المحروقات ،وان 60% من الدعم يذهب للكهرباء ،فيما تبلغ قيمة الدعم للمواطنين 40%.
وحسب مدير إدارة الدراسات والبحوث بمصرف ليبيا المركزي ان الانفاق على الدعم خلال الفترة من 2011 الى 2022 بلغت 170.4 مليار دينار ،وهو رقم ضخم انهك الخزينة العامة ،واثر سلبا على خطط التنمية ،وانعكس سلبا على قدرة الدولة على توجيه الموارد لخدمة المواطنين .
وفي هذا الخصوص ،يصف المستشار المالي عمار صالح تواصل دعم الوقود بالكارثة ،ويطالب برفعه ،ودفع مقابل الدعم مباشرة للمواطن عن طريق منظومة حسابات عملية تحمي حقوق المواطن ،وتقطع الطريق على السماسرة،والمتحايلين، وتجار الازمات .
ويساند الخبير الاقتصادي وحيد الجبو هذا التوجه بالقول ان الهدر المالي وتهريب الوقود يجب ان يتوقف فورا ،و يجب ان تتم مكافحة هذه العصابات التي تقوم بهذه الاعمال المدمرة للاقتصاد الليبي، عن طريق بيع الوقود بسعره الحقيقي ،وتحويل الدعم السلعي الى دعم نقدي،فالدعم النقدي(حسب رأيه) هو الحل لوقف نزف تهريب الوقود،
وقطع الطريق امام المتربصين بقوت الليبيين .
وحسب الخبير المالي خالد الزنتوتي ان التهريب اصبح هو العنوان الرئيسي لسرقة اموال الليبيين من قبل عصابات إجرامية محلية ودولية ،فارتفاع فاتورة إستيراد البنزين بحوالي 40% في سنة واحدة لايقبله منطق ولا اخلاق ولااقتصاد .
إن رفع الدعم عن الوقود ،واستبداله بالدعم النقدي المباشر للمواطن ،اصبح ضروريا نتيجة ماخلفه الدعم من ظواهر مقيتة اصبحت تنتهك حرمة الاقتصاد الليبي، علاوة على انه سيخفف من الاعباء التي تتكبدها الخزينة العامة نتيجة حصول مايقارب 3مليون اجنبي على مزايا دعم الوقود دون مقابل .
لكن رفع الدعم عن الوقود ( رغم اهميته )ليس امرا سهلا في الوقت الراهن في ظل وجود سلطات تنفيدية مؤقتة،وفي عدم وجود اي طرف سياسي ليبي يمكن ان يتحمل مسؤولية اتخاد هذا القرار، في ضوء الحديث عن انتخابات رئاسية وبرلمانية مرتقبة.
من جهة تانية، يجب ان يسبق التفكير في رفع الدعم، اتخاد اجراءات حقيقية وحاسمة تستهدف القضاء على كل اشكال الفساد المستشري في مرافق الدولة، والذي وصل الى مستويات غير مسبوقة ،والتوقف عن نهب المال العام . ولابد قبلها ،من ضمان الالتزام الكامل من كافة الجهات بتنفيده،لانه لايوجد مايحول دون تسرب الوقود من هذه الجهات الى جهات اخرى ،او خلق سوق موازية له،لذلك فان رفع الدعم يتطلب ان يكون هناك مركز تكلفة لجميع الجهات العامة ،يحتسب فيها الوقود كمصروف يحمل على مخصصاتها .
كما يحتاج رفع الدعم الى اختيار التوقيت العادل، والدراسات العلمية المتخصصة ، والإجراءات الإدارية والقانونية المحكمة، وتقدير واقعي للمستهدفين بالتعويض، وتحديد كمية الاستهلاك اليومي والاسبوعي والشهري لمختلف انواع المركبات، والتحسب العملي لكل ماقد ينجم عن رفع الدعم من معاناة للمواطن نتيجة الارتفاع في اسعار السلع الاساسية التي يعتمد عليها في حياته اليومية ،ومايمكن ان يخلفه من اثار اجتماعية قاسية ، والتي ربما اخطرها دفع الطبقة الوسطى إلى التآكل السريع، مما يؤدي الى خلق طبقة طفيلية مرفوضة اجتماعيا، وماقد يسببه غياب البدائل المناسبة لرفع الدعم من تداعيات سياسية وامنية غير محسوبة .
بقلم: الدكتور مسعود المهدي السلامي أستاذ الاقتصاد السياسي