Skip to content

هل تتجه ليبيا نحو الإفلاس فعليا؟!

 

الدكتور مسعود المهدي السلامي: أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة

كثر النقاش والجدل في الفترة الأخيرة حول الوضع المالي لليبيا واختلفت الاراء بين الخبراء والمختصين بين من يرى أن الوضع المالي للبلاد يشهد عجزا ملحوظا وتناقصا مستمرا في احتياطيات ليبيا من العملة الأجنبية، وانه إذا استمر الإنفاق المنفلت وهدر المال العام بهذا المستوى الغير مسبوق فإن ليبيا مقبلة فعليا على وضع عسير قد تصل معة الى حالة من الإفلاس مما يدفعها الى الاستدانة من البنوك الدولية، بينما يرى خبراء اقتصاديون ومحللون اخرون انه رغم الوضع المالي الصعب الذي تمر به البلاد لكن ذلك لايصل بليبيا إلى العجز وإعلان الإفلاس.

ويستغرب اغلب الخبراء والمختصين من الوضع المالي الذي وصلت اليه ليبيا رغم انها تتمتع بموارد طبيعية ضخمة، واحتياطيات مالية كبيرة تزيد عن 140مليار دولار في العام 2009،كما انها تمتلك صندوق الثروة السيادي الليبي الذي تزيد اصوله المالية عن 67مليار دولار، هذا ناهيك عن استثمارات واموال منقولة وغير منقولة ضخمة.

وحسب هؤلاء الخبراء والمختصين ان الاقتصاد الليبي يرزح تحت وطأة أعباء ضخمة،وتشوهات كبيرة بسبب إهدار المال العام، واستنزاف الموارد والتهريب المنظم للمحروقات، والفساد المستشري في كل مؤسسات الدولة، مما تسبب في تأزم الوضع المالي للدولة، والعجز في الميزان التجاري ، وارتفاع معدل التضخم، وتدني قيمة العملة المحلية أمام العملات الاجنبية.وإن لم تُتخد اجراءات اقتصادية ومالية عاجلة وناجعة تتوافق تماما مع المعايير الدولية المنظمة لهيكلة الاقتصاد، والمنظمة ايضا للاتفاق المالي، فإن ليبيا ستشهد عجزا ماليا متصاعدا يصعب معه إعادة توازن الوضع الاقتصادي والمالي،مما قد يقودها إلى الاستدانة أو إعلان الإفلاس.

في الاتجاه الآخر ، يرى بعض المحللين والخبراء أنه رغم كل التشوهات التي يعاني منها الاقتصاد الليبي والهدر غير المسبوق في المال العام، والانفاق العشوائي،إلآ انه يصعب القول ان البلاد تتجه نحو الإفلاس فعليا، فهي تمتلك ثروات طبيعية متعددة واحتياطيات نقدية ضخمة،وأن الإيرادات النقدية المتأتية من بيع النفط مستقرة.

والسؤال:ماهي حقيقة الوضع المالي لليبيا؟وهل ليبيا تتجه نحو الإفلاس فعليا؟ ولماذا يهدد شبح الإفلاس اغنى دولة في قارة أفريقيا؟

ربما لم يأت بجديد التقرير الصادر عن صحيفة اندبندنت حول الوضع الاقتصادي في ليبيا ،والذي يشير أن ليبيا متجهة الى الإفلاس في حال بقاء الوضع على ماهو عليه في استنزاف الموارد، وعدم تنويع الموارد، وعدم خلق بيئة آمنة للتنمية. ،وقد سبق وأن نبه المبعوت الأممي الاسبق غسان سلامه الى مشكلة تردي الوضع المالي للبلاد عندما قال ” ان الصراع في ليبيا يدور حول المال،وأن النظام برمته يقوم على الفساد ونهب ثروات ،وأن استمرار هذا الوضع سيصل بالبلاد إلى الإفلاس. كما أن التقرير الصادر عن البنك الدولي في العام 2017 أكد من انه اذا استمر سباق الصراع والانفلات الأمني والمعدل الحالي للاتفاق فإن ذلك سيقود ليبيا في نهاية المطاف إلى الإفلاس.

وحسب وزير الاقتصاد الاسبق سلامه الغويل انه ” ان تأخر خطوة الإفلاس لايعني عدم وقوعها، خاصة في ظل تمسك الحكومة بنفس السياسة الفاشلة”.

وحسب الخبير الاقتصادي محمد السنوسي ان استمرار اتخاد القرارات الاقتصادية بناءا على المناكفات السياسية فإن ذلك سيتجه بليبيا نحو الإفلاس، وأن ليبيا لن تكون قادرة على الايفاء بالتزاماتها، وأن الوضع يسير بسرعة نحو الأسوأ، وأن بداية إفلاس ليبيا ستظهر مع العام 2026 خاصة إذا حدث انخفاض كبير في أسعار النفط.

في الجانب الآخر، استبعد خبراء ومحللون آخرون إفلاس ليبيا أو تعرضها لتداعيات مالية شديدة الخطورة، ،لامتلاكها موارد ضخمة واصولا كبيرة ،وصندوق سيادي خاص بالاستثمارات الخارجية.وفي هذا الاتجاه يرى الباحث الاقتصادي محمد درميش انه رغم كافة المؤشرات السلبية فإن ليبيا لاتعاني من شبح الإفلاس، فهي تمتلك موارد مالية ضخمة، واستثمارات بقيمة 70 مليار دولار، ومساهمات الدولة في عدة مؤسسات استثمارية، بالإضافة إلى ارصدة بالعملة الصعبة تفوق 80 مليار دولار.

ويستبعد المحلل الاقتصادي سعيد رشوان ايضا فكرة أعلان ليبيا افلاسها نظرا لامتلاكها موارد طبيعية ضخمة اهمها النفط والغاز، واحتياطيات نقدية كبيرة، وأن ليبيا من خلال وضع سياسة حكيمة لترشيد الإنفاق، ووقف الهدر في المال العام، واعلان الحرب على الفساد، وتوحيد مؤسسات الدولة المنقسمة تستطيع تجاوز هذا الوضع المالي الصعب.

 

وفي المجمل، إن القول بأن ليبيا ستصل إلى حالة الإفلاس المالي والاستدانة لايقصد به الإفلاس بالمعنى الكلي، ،فالدول لاتفلس ولايتأتر وضعها القانوني تجاه المؤسسات الدولية، ولاتفقد سيادتها من الناحية القانونية ولكنها قد تعجز عن الإنفاق العام والايفاء بالتزاماتها المالية تجاه مواطنيها مثل دفع الرواتب والقيام بالأعمال الخدمية الضرورية ،وهناك العديد من المؤشرات السلبية ألتي اصابت الاقتصاد الليبي مثل تخفيض قيمة الدينار وزيادة مستوى التضخم ، والتوسع في الوظائف العامة مما ارهق الخزينة العامة بمبالغ ضخمة في صورة مرتبات.

خطوات لتفادي شبح الإفلاس

صحيح أن ليبيا ليست مقبلة على الإفلاس في الوقت الحاضر خاصة مع وجود احتياطيات مالية،وارتفاع أسعار النفط في الوقت الحالي ولكن ذلك لايعني عدم التحوط لمنع حدوثه، خاصة في ظل الهزات المتوقعة لأسعار النفط العالمية، وفي ظل استمرار انقسام المؤسسات ، وتجدر الفساد ونهب المال العام، وتبدأ هذه الخطوات من ضرورة اعادة هيكلة القطاع العام،وادماج الاقتصاد الوطني في الاقتصاد العالمي، وتنويع مصادر الدخل القومي،وإيجاد مصادر دخل بديلة عن النفط، والعمل على تطوير القطاع المصرفي العام والخاص، وتخفيف القيود المفروضة على عمله، وإنهاء الانقسام المؤسساتي، وترشيد الإنفاق العام، وإنهاءالإنفاق الموازي، ومحاربة الفساد الذي استوطن كل مؤسسات الدولة، والإفلاس رغم أنه ليس قريبا وقد لايحدث في السنوات القريبة، ولكنه يظل خطرا يجب التنبه له ومنع حدوثه.

أشهر في موقعنا