أ.الدكتور مسعود المهدى السلامي: أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعه.
لا يكاد يمر يوما دون أن يعلن مكتب النائب العام عن ضبط واعتقال مسئولين وموظفين حاليين وسابقين في الدوائر الحكومية، لارتكابهم عمليات سرقة واختلاس ونهب المال العام.،دون الخوف من أي رادع قانوني أو اخلاقي
وتتصدر المصارف التجارية والبعتات الدبلوماسية والشركات الاستثمارية قائمة الجهات الاكثر جادبية للسرقة والاختلاس وبشكل متكرر، وبمبالغ ضخمة.
ورغم الضربات التي يتلقاها لصوص المال العام، فإن كل الدلائل تشير إلى زيادة استشراء ظاهرة الفساد، وزيادة معدلاته،واتساع رقعتها،وتحولت إلى ظاهرة خطيرة خلقت تشوهات في بنية الاقتصاد الليبي وادت إلى وجود طبقة طفيلية اغتنت بالمال الحرام على حساب الليبيين البسطاء
وكنتيجة لاستفحال هذه الظاهرة وزيادة معدلاتها تم تصنيف ليبيا على أنها من أكثر الدول فسادا في العالم. فقد احتلت ليبيا حسب ماورد في تقرير منظمة الشفافية العالمية للعام 2023 المرتبة 170 من بين 180 دولة الأكثر فسادا في العام،وقالت منظمة الشفافية الدولية ان المسئولين العامين الفاسدين يخدمون أنفسهم بدلا من الشعب الليبي.
والسؤال الذي يفرض نفسه : ماهي أسباب استشراء ظاهرة الفساد في ليبيا؟ وهل تحولت ظاهرة الفساد ونهب المال العام الى ثقافة؟
تؤكد تقارير كل الجهات الرقابية في ليبيا، وتقارير المنظمات الدولية المختصة ،ومن بينها منظمة الشفافية الدولية على استشراء الفساد في جميع مؤسسات الدولة الليبية والذي وصل إلى حالة غير مسبوقة من قبل الى الحد الذي عجزت معه كل الاجهزة الرقابية من الحد من تفاقم هذه الظاهرة التي اترث بشكل مباشر على الوضع المعيشي لليبيين الذين اصبح لديهم قناعة بأن الفساد طال كل مؤسسات الدولة، وانه لايوجد مسئول حكومي نزيه وغير فاسد.
. ومع تفاقم حدة هذه الظاهرة زادت القيم المختلسة والمسروقة من مبالغ بسيطة إلى مبالغ ضخمة تصل إلى مليارات الدينارات، يتم بها شراء القصور والفلل في داخل ليبيا وخارجها. واعتلى سراق المال العام منصة لتكريم،والمكانة الرفيعة، وتغدق عليهم الالقاب السامية والاخطر من كل ذلك، اصبحت سرقة المال العام عملية يومية معتادة لاتجد من يقاومها او يستهجنها ، بل تجد احيانا من يبررها ويتسامح معها، واصبح الفاسدين اشخاصا مقبولين ومرحب بهم في اعلى الإدارات الحكومية،وتحول الفساد إلى نظام عمل وسلوك مقبول في كل مؤسسات الدولة تقريبا،مما نتج عنه تكبد خزينة الدولة المليارات من العملة المحلية والعملة الصعبة التي ثم نهبها دون ان يستفيد منها المواطن .
وحسب التقارير الرسمية ثم خلال 13 عاما الماضية صرف اكثر من 450 مليار دولار على ميزانيات كبيرة التهم اغلبها غول الفساد، ولم يكن لها اي تأثير إيجابي على تحسن حياة المواطن، او على تحسن البنية التحتية او على القطاعات المهمة مثل الصحة والتعليم والمواصلات والإسكان.
في العام 2023 كشف تقرير ديوان المحاسبة عن حجم هائل من الفساد والانتهاكات والانفاق المنفلت واستباحة المال العام من قبل المؤسسات الحكومية في الدولة مما دفع عضو المجلس الرئاسي موسى الكوني إلى القول امام رئيس هيئة الرقابة الادارية “ان بلاده اصبحت تتصدر دول العالم في الفساد “.وفي نفس الاتجاه، قال المبعوت الأممي الاسبق غسان سلامه أن “الصراع في ليبيا يدور حول الثروة، وله جدور اقتصادية، مايعني أن المظاهر السياسية مجرد إخفاء لحقيقة أن الأمر كله يدور حول المال ،وأن النظام برمته يقوم على الفساد ونهب ثروات البلاد من قبل النخب السياسية دون استثناء،وأن الكثيرون متمسكون بمناصبهم لأنها تسمح لهم بنهب المال الثروة، وانهم يستولون على المال العام ثم يهربونه للخارج “.
إن المشكلة الاساسية تكمن في عواقب الفساد الذي،الذي اصبح حالة معتادة وطال الجميع، وتسبب في الحاق الضرر بالفئة الاقل حظا من الناس، كما تسبب الفساد المستشري في كل مؤسسات الدولة في تفاقم الازمة السياسية، وإعاقة اي جهود للإصلاح الاقتصادي، حيث يتم توجيه الموارد الاقتصادية لخدمة مصالح فئة معينة وأشخاص معروفين من أصحاب الحظوة، بدلا من توجيهها لخدمة المواطن،وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
ومجمل القول، ان الشي الوحيد الذي اتفق عليه اغلب الفرقاء السياسيين في ليبيا هو اشتراكهم في رعاية عملية الفساد، بما سمح بتشكل شبكات فساد على نطاق واسع، على أساس التوازنات السياسية والمناطقية والقبلية تقوم بنهب المال العام، وتوزيعه وفق مصالح الأفراد والجماعات المتنفذة. وباتت فيه أسر بعينها تتحكم في مفاصل المال العام عن طريق الاعتمادات المستندية وتجارة العملة، وفي الخيارات المالية والاقتصادية للدولة، مما جعل الفساد يتحول الى حالة مزمنة وثقافة متجدرة في المجتمع.