بدأ قطاع النفط والغاز في ليبيا في التعافي والتحسن التدريجي في الإنتاج واجمالي الإيرادات، بعد فترة عصيبة مر بها القطاع نتيجة الظروف الأمنية، والاغلاقات المتكررة للحقول والموانئ النفطية على مدار سنوات.
والتي بدأت بقيام المليشياوي ابراهيم الجضران بإقفال الحقول والموانئ النفطية الواقعة في الهلال النفطي مما كبد الخزينة العامة خسارة تقدر ب 750 مليون دولار، تلا ذلك عددا من الإقفالات الأخرى استهدفت بعض الحقول النفطية في المنطقة الجنوبية من بينها اقفال حقل الشرارة الذي يعد أكبر الحقول النفطية في ليبيا، بسبب المطالبة بالتعيينات وتحسين الرواتب وتوفير المحروقات للمنطقة الجنوبية.
وفي كل مرة تتابع الاقفالات للحقول والموانئ النفطية، مما يؤدي إلى خسائر مالية كبيرة .
وخلال الايام القليلة الماضية قام جهاز حرس المنشآت النفطية في المنطقة الغربية بالتهديد بإقفال مجمع مليتة ومصفاة الزاوية لتكرير النفط في حالة عدم تلبية مطالبهم بزيادة مرتباتهم، ومنحهم نفس الامتيازات التي يتحصل عليها العاملين في قطاع النفط.
ولكن رغم التهديدات المتكررة والاضطرابات التي طالت القطاع على مدار السنوات الماضية والذي يشكل 95%من مصدر الدخل في ليبيا، شهد قطاع النفط في الفترة الأخيرة حالة من التحسن والاستقرار السياسي والامني النسبي أدى إلى زيادة الانتاج والايرادات حيث بلغ إنتاج النفط الخام حسب(المؤسسة الوطنية خلال عام 2023( 0 1.25000) برميل يوميا، وبلغت إجمالي الإيرادات النفطية 111.4 في العام 2023 موزعة إلى 99.1 مليار دينار إيرادات مبيعات النفط الخام مع 12.3 مليار دينار إيرادات اتاوات نفطية، أضيفت إليها 10.3 مليار دينار اتاوات نفطية عن سنوات سابقة، فيما بلغت الإيرادات 105.5مليار دينار خلال العام 2022،و103.4مليار دينار خلال 2021.
وحسب المؤسسة الوطنية للنفط فإن الإيرادات النفطية المتوقعة خلال العام 2024 ستصل إلى 23.7 مليار دولار، في حال استمرار حالة الاستقرار الأمني واستمرار الإنتاج بنفس الوتيرة وفي وضعه الطبيعي، اي ما بين 1.2برميل في اليوم و1.1 مليون برميل في اليوم.
واشارت المؤسسة إلى أن إنتاج النفط بدأ فعلا في التحسن، ومن المتوقع ان يصل الانتاج إلى 1.5 مليون برميل في اليوم خلال العام 2025 في حال عدم حدوث اغلاقات للحقول والموانئ النفطية، وعادت الشركات لمواقعها الاستكشافية السابقة.
من جهة تانية قال رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في كلمته أمام (منتدى النفط والغاز) الذي عقد مؤخرا بالعاصمة الجزائرية ان ليبيا تحضر لطرح جولة تراخيص جديدة للشركات المحلية والاجنبية خلال العام الحالي للقيام باستكشافات جديدة في مجال النفط والغاز، مشيرا إلى أن التقدم الملموس في الأوضاع السياسية والامنية شجع الشركات الأجنبية على العودة للعمل، وممارسة عملية الاستكشاف والإنتاج والتطوير.
وفعلا، دفع التحسن في الوضع الأمني وحالة الهدوء السياسي الى عودة عددا من الشركات الأجنبية إلى ليبيا واستئناف أعمالها مما سيؤدي إلى إنعاش الاستراتيجية قصيرة المدى الخاصة بقطاع النفط والغاز والتي تتضمن رفع الانتاج إلى 2 مليون برميل في اليوم كخطوة أولى، قبل الوصول إلى 3 مليون برميل يوميا مع حلول العام 2025.
كما لوحظ خلال الأشهر الأخيرة شروع عددا من الشركات الأجنبية في أعمال الحفر والتنقيب في مواقع كان يصعب العمل فيها بسبب هشاشة الوضع الأمني في البلاد.
لكن هل يسهم تعافي قطاع النفط نتيجة حالة الاستقرار الأمني التي تشهدها البلاد في تحسين الوضع المعيشي لليبيين؟
على الرغم من النمو السريع في الانتاج النفطي وزيادة الإيرادات النفطية بشكل مضطرد إلا أن هذه الزيادة لم تنعكس بشكل كبير على تحسن المستوى المعيشي لليبيين، ولم توفر لهم حياة كريمة ومرفهة اسوة بالدول الأخرى المنتجة للنفط.
والملاحظ انه مع كل زيادة في الدخل العام من النفط تزداد الصراعات بين الأطراف السياسية على المناصب والاستحواذ على المال، مما عمق حالة الفساد ونهب المال العام، دون الاهتمام بمعاناة الليبيين الذين أصبح يطحنهم غلاء المعيشة والارتفاع الحاد في سعر صرف الدولار الذي ادى الى تدني قيمة الدينار، وبالتالي الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية التي يعتمد عليها المواطن في تلبية احتياجاته.
من جهة تانية، مازال سكان المناطق المنتجة للنفط، خاصة المناطق الجنوبية يعانون من التهميش السياسي والاجتماعي وارتفاع نسبة الفقر والبطالة بين ابنائها، وهذه المظالم كانت وراء قيام المجموعات المسلحة بإقفال الحقول والموانئ النفطية، وتعطيل تدفق النفط بهدف الضغط لتحقيق مطالبها في تأمين الوظائف وتحقيق التنمية المكانية.
وحتى تعود زيادة معدلات الانتاج النفط بالفائدة على المواطن. وتساهم في استقرار وضعه المعيشي لابد من انهاء حالة الانقسام السياسي والاقتصادي، واجراء انتخابات عامة تفضي الى إنجاب برلمان رشيد، وحكومة كفؤة، وإزالة الطبقة السياسية والاقتصادية التي تعمل على نهب المال العام، ومنع اي تحسن في الوضع المعيشي لليبيين.
بقلم: الدكتور مسعود المهدي السلامي.: أستاذ الاقتصاد السياسي.