الدكتور مسعود المهدى السلامي.
أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة.
أعلن مصرف ليبيا المركزي خلال الايام الماضية عن الشروع في اقامة شركات رسمية للصرافة تمارس عملها تحت إشراف المصرف بشكل قانوني ومنظم. وقد شرع المصرف في قبول طلبات الموافقة على إنشاء شركات ومكاتب صرافة عبر البوابة الالكترونية للأشخاص الذين سبق وأن تحصلوا على الموافقة المبدئية من قبل المصرف.
وتأتي خطوة المصرف المركزي هذه في إطار العمل على تنظيم عمليات بيع وشراء النقد الأجنبي. والقضاء على المضاربة بالعملة الأجنبية التي تمارسها محلات الصرافة العشوائية الغير مرخص لها. فهل تمتل هذه الخطوة بداية النهاية لوجود السوق السوداء، وهل تساهم فعليا في تخليص الاقتصاد الليبي من التشوهات التي سببها وجود السوق السوداء ؟
لقد جاءت خطوة المصرف المركزي بإنشاء شركات رسمية للصرافة في إطار سعي الإدارة الجديدة للمصرف القضاء على السوق السوداء وإعادة تنظيم التعامل في بيع وشراء النقد الأجنبي وفقا للظوابط القانونية المنظمة لنشاط هذه الشركات، ومنها قرار مصرف ليبيا المركزي رقم 16 لسنة 2010 بشأن القواعد المنظمة لأعمال الصرافة. كما تأتي هذه الخطوة بعد اقالة المحافظ السابق الصديق الكبير وتعيين ناجي عيسى محافظا جديدا للمصرف، الذي بادر الى اتخاد جملة من الإجراءات السريعة في تجاه محاصرة وجود السوق السوداء ادت هذه الإجراءات إلى استعادة الدينار الليبي عافيته مقابل العملات الاجنبية .
كما تهدف خطوة المصرف المركزي إلى العمل على ازالة التشوهات التي اصابت الاقتصاد الليبي واضعفته، وخلقت إلى جانبه اقتصاد موازي طفيلي تسبب في التهام كتلة نقدية تزيد عن 50 مليار دينار.
ولضمان نجاح تأسيس شركات الصرافة. وحتى يمكن لهذه الشركات المساهمة بشكل فعال في القضاء على السوق السوداء يتوجب على المصرف اتخاد جملة من الشروط التي تضمن وجود شركات صرافة حقيقية أن يتخد حزمة من التدابير والإجراءات الفعالة التي تمكن شركات الصرافة المرخص لها من القيام بدور إيجابي مكمل للدور الذي تقوم به المصارف التجارية في توفير العملة الصعبة بالسعر التنافسي المطلوب،وتقديم الخدمات المالية للشركات والأفراد والتجار وتقديم الخدمات المصرفية لهم بطريقة منظمة وسريعة ،علاوة على توفير خدمة الحوالات الخارجية الخاصة باستيراد السلع الأساسية التي يحتاجها المواطن. كما يتوجب على المصرف المركزي قبل القيام بمنح الاذن النهائي لعمل محلات الصرافة اتخاد مجموعة من الظوابط والتدابير منها:
اولا: التأكد من أن شركات الصرافة لاتعمل في غير الأغراض المرخص لها بها، ولاتدار من قبل تيارات او جماعات مشبوهة قد تعمل على تهديد الامن القومي للبلاد.
تانيا: ضمان أن لاتمارس شركات الصرافة نشاطات مخالفة للقانون مثل تبييض الأموال والتهريب وتمويل الأعمال المشبوه،أو التلاعب بقيمة الدينار الليبي، أو تعمل على ترسيخ اقتصادات الصراعات الداخلية.
ثالثا: منع ظهور شركات صرافة وهمية تحت غطاء شركات الصرافة،مما يفتح الباب أمام الفاعلين غير الشرفاء لممارسة انشطتهم الفاسدة تحت غطاء قانوني.
رابعا: تغليض العقوبات على المتعاملين في سوق صرف العملة خارج الأطر الرسمية بما يؤدي تدريجيا إلى القضاء على المتعاملين في تجارة العملة الأجنبية.
ان تأسيس شركات ومكاتب صرافة رسمية للتعامل في النقد الأجنبي خطوة ضرورية لإصلاح القطاع المصرفي، وبداية النهاية لوجود السوق السوداء التي تسببت لسنوات طويلة في تدني الدينار الليبي وافقدته قيمته أمام العملات الاجنبية الأخرى، ومع البدء في إنشاء هذه الشركات ينتهي عصر مظلم من. الاستغلال والسمسرة في بيع وشراء العملات الأجنبية وبدون اي رقابة على هذه السوق وبطريقة مجحفة في حق الاقتصاد الوطني، كما يسهم إنشاء شركات ومكاتب الصرافة في تقنين التعامل بالنقد الأجنبي، والحد من وجود محلات الصرافة التي تمارس عملها بطريقة عشوائيه وغير منظمة.،ومخالفة للقانون.
من جهة تانية، يسهم إنشاء هذه الشركات في تنظيم وزيادة تدفق الأموال وزيادة الأمان في التحويلات المالية في الداخل والخارج ،والعمل على استقرار أسعار الصرف، وتوفير النقد الأجنبي بشكل اكثر شفافية.يقول المحلل الاقتصادي محمد الشيباني’ أن قرار مصرف ليبيا المركزي يسهم في تقنين نشاط الصرافة، ويحد من الأسواق غير منظمة التي تؤدي إلى اضطرابات في سعر الصرف “.
ولضمان نجاح عمل شركات ومكاتب الصرافة يجب على المصرف المركزي القيام بعملية إشراف صارم ومتابعة دقيقة ودائمة لعمل هذه الشركات والمكاتب حتى لا تتحول مع الوقت إلى أدوات جديدة للفساد والسمسرة وتقوم بنفس الممارسات السابقة ألتي كانت تقوم بها السوق السوداء ، وبالطريقة والآليات الفاسدة نفسها.