Skip to content

التضخم في الاقتصاد الليبي كيف يؤثر على الوضع المعيشي للمواطن؟

يعاني الاقتصاد الليبي منذ فترة من حالة غير مسبوقة من التضخم، فقد قدرت مصلحة الاحصاء والتعداد أن معدل التضخم وصل مع منتصف العام 2022 الى 5،3% فيما أورد مصرف ليبيا المركزي بلوغه 5،1%. لكن الدكتور احمد ابولسين الخبير الاقتصادي وعميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة طرابلس (سابقا) فقد خالف ما سبق وقال “إن البيانات الواردة من قبلهما حول معدلات التضخم غير دقيقة، وتخالف الواقع، وربما تكون مضللة”.

فمستوى التضخم حسب قوله ربما وصل في الربع الثاني من العام 2022 إلى ما يقرب 27% لان هناك تضخما مستوردا، يقابله انخفاض في القدرة الشرائية للدينار وتراكم معدلات التضخم منذ العام 2017.

وربما يعود السبب أيضا في أن تكون التقديرات الرسمية لمعدل التضخم اقل من المعدل الفعلي لأنها تعتمد على البيانات التي يتم جمعها بشكل اساسي في العاصمة طرابلس دون مقارنتها بمعدل التضخم في مدن أخرى ، وذلك لصعوبة القدرة على جمع البيانات بسبب الانفلات الامني ،والانقسام السياسي.

وتثير حالة التضخم في الاقتصاد الليبي عددا من التساؤلات حول اسبابه، ان كان يرتبط بالحالة السياسية المتأزمة التي تمر بها ليبيا ام أن هناك ارتباط (وهذا هو الاصح)بين ما يشهده العالم من ازمات سياسية واقتصادية متصاعدة.

وبالتدقيق، يمكن إجمال حالة التضخم التي يواجهها في سببين أساسيين، وربما هناك اسباب أخرى مساعدة.1.الاسباب الخارجية.

تستورد ليبيا 90%من احتياجاتها من السلع الأساسية من الخارج وبالتالي فإن التضخم هو (مستورد)،فجائحة كورونا والحرب الروسية -الاوكرانية  تسببت في زيادة اسعار عددا من السلع في الخارج بنسبة تصل إلى 25% واسعار النقل والشحن عالميا ،نتيجة زيادة المخاطر الناجمة عن الحرب ،مما لدى الى زيادة تكلفة السلع التي تستوردها ليبيا ،خاصة ان54%من واردات القمح و65%من واردات الشعير ،و72%من واردات الذرة تستوردها ليبيا من اوكرانيا وروسيا. هذا ،بالاضافة إلى الزيادة في الطلب العالمي على السلع ،مقابل النقص في العرض منا اثر على الامداد والتوصيل في خطوط النقل العالمية.

داخليا، ادت الازمة السياسية وحالة الانقسام السياسي التي تشهدها ليبيا الى وجود حكومتين ومصرفين مركزيين ، ومؤسسات أخرى موازية ،نتج عنه زيادة كبيرة في الانفاق الحكومي  واستنزاف للعملة الصعبة ، والى غياب السلطة النقدية المركزية الموحدة ،وعدم القدرة على توجيه على ضبط حركة الاموال ،والفشل في توجيه المنظومة المصرفية على مستوى الاقتصاد العام، مما خلق تشوهات في بنية الاقتصاد وبروز ظواهر سلبية أثرث على مستوى الاسعار وأدت الى زيادة مستوى التضخم. وبروز ظاهرة السوق الموازي (السوق السوداء) التي تضارب بشكل شبه معلن في الدينار، وعادة ما يتم الاسترشاد بها في تحديد سعر الصرف الرسمي.

هذا إضافة الى قيام المصرف المركزي بتحديد سعر صرف الدينار عند مستوى 4،48 دينار الدولار الواحد مما ادى الى انخفاض قيمته الشرائية. ولايمكن إغفال قصور دور الجهات الرقابية في الحد من ظاهرة ارتفاع الاسعار ،ولجم جشع الموردين والتجار الذين يضاربون في الاسعار ويستغلون حاجة المواطن.

تشوه بنية الاقتصاد الليبي

خلق التضخم حالة من التشوه في بنية الاقتصاد وحد من قدرته على التعافي، والقى بظلاله على حياة المواطن، خاصة ذوي الدخل المحدود. وأّدى انخفاض قيمة الدينار الليبي أمام الدولار إلى تدني قدرته الشرائية وموجة غير مسبوقة في ارتفاع الاسعار.

ويوضح التالي مستوى الارتفاع في اسعار السلع الاساسية في النصف الثاني من العام 2022 مقارنة مع النصف الثاني من العام 2021.

المعكرونة (كيس 500ج)من 2،50 الى 3،75د.

الطماطم (علبة)من 2،50،الى 4،50د.

الزيت من 7 د إلى 11د(سعر قنينة الزيت يزيد أو ينقص حسب العلامة التجارية ولاد الاستيراد).

الأرز من 3،50 إلى 5،50 د نصف كيلو (هناك انواع من الارز المستورد ومعروف العلامة التجارية يصل سعره الى 8 و9 دينار لنصف للكيلو تقريبا لكن لا يلاقي اقبال من دوي الدخل المحدود لضعف قدرتهم الشرائية لمثل هذه الانواع من الارز.

المعكرونة من 3 الى 6د (هناك انواع خاصة المكرونة الايطالية يصل سعرها الى 10 و11 دينار للكيس الواحد وهي خارج قدرة دوي الدخل المحدود على شرائها).

التونة. من 2،50الى 6د للغابة الصغيرة مع ملاحظة أن سعر علبة التونة 200جرام تقريبا ترتفع اسعارها أكثر حسب العلامة التجارية.

الدقيق تحول السعر من 2 دينار الكلغ الى 4،50د.

البيض .من 6 دينار للطبق الى 13 د.(يتراوح سعره هذه الأيام بين 14و 15 دينار للطبق الواحد).

اللحوم الحمراء.

من32 د كغ إلى 51 د.

اللحوم البيضاء.

من 6 او 7 د للكغ الى 11،50 د كغ..

وكمؤشر على ارتفاع الاسعار يمكن الاشارة إلى بعض السلع المختارة بمقارنة اسعارها في شهر مايو 2022 مع شهر فبراير من نفس العام.

الدقيق ارتفع السعر بنسبة 17%

الكسكسي ارتفعت اسعاره بنسبة 80%

الخبز ارتفعت اسعاره بنسبة 34%.

وقد كشفت دراسة اعدها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية لتقييم الاسواق في المناطق الحضرية الرئيسية في ليبيا على أساس شهري من حيت توفر السلع الأساسية ووضع التصور لأسعارها بمقارنة مستوى التحول في الاسعار بين العامين 2022و 202، أن مدن الجنوب الليبي هي الأكثر تاثرا بارتفاع اسعار السلع الاساسية، فتكلفة سلة غداء لأسرة تتكون من 5 افراد في مدن مثل غات ومرزق والقطرون وسبها تصل إلى 1000دينار شهريا. بيننا تكلف في مدن مثل سرت ومصراته وطرابلس  900دينار تقريبا.

 

إن مؤشرات ارتفاع اسعار السلع الأساسية التي تشكل الحاجة الماسة للمواطن بحيث لا يمكن الإستغناء عنها أو ايجاد بدائل لها خلقت حالة من التذمر لدى المواطنين خاصة مع ارتفاع الفارق واتساع الهوة في القدرة الشرائية بين الفئات المقتدرة من ذوي الدخل العالي مرفهة تستحوذ على كل شيء والفئات المنهكة من ذوي الدخل المحدود مهمشة بالكاد تتحصل على قوت يومها، في بلد غني بالثروات الطبيعية حيت يصل دخل ليبيا من النفط الى ما يزيد عن 20مليار سنويا ومن الغاز ما يقرب من 3،50مليار سنويا.

إن الخروج من حالة التضخم في الاقتصاد الليبي واحتواء تداعياته على حياة المواطن يستلزم النظر في كيفية إعادة هيكلة الاقتصاد وتخليصه من التشوهات التي لحقت به على مدي عقود من الزمن ، والتفكير في الخروج التدريجي من سيطرة الدولة على مفاصل الاقتصاد ، والتغيير التدريجي لسعر صرف الدينار مقابل الدور حتى يسترد الدينار عافيته وتعود قوته الشرائية. والتحول من الدعم السلعي الى الدعم النقدي المباشر للمواطن.

وعلى المدى المتوسط والطويل تحتاج ليبيا الى تنويع مصادر الدخل ، وتوطين الصناعات خاصة تلك المتعلقة بالسلع الضرورية لحياة المواطن ،واحياء المشروعات الزراعية القديمة  والاهتمام بقطاعات أخرى يمكن أن تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد مثل السياحة والتجارة البينية خاصة مع دول الجوار مثل تونس والجزائر. ذلك أن الاقتصاد الريعي لليبيا القائم على النفط كمصدر واحد للدخل لا يمكن الاعتماد عليه الى الأبد .

ا.د مسعود المهدي السلامي 

استاذ الاقتصاد السياسي بجامعة الزيتونة.طرابلس

أشهر في موقعنا