Skip to content

الإنفاق العام للدخل في ليبيا: اعتراضات عدة وانقسامات حادة

يثير موضوع الانفاق العام للدخل في ليبيا ومنذ عدة سنوات خلافات عدة وانقسامات حادة بين المناطق والمدن الليبية، وبين الاطراف المتصارعة على السلطة التي تشتكي من المحاباة المناطقية ، وعدم العدالة في الانفاق للدخل .

وتطالب هذه الجهات بما تسميه ( التوزيع العادل للثروة)، على المناطق الثلاث بشكل متساو .

وتكتسب هذه المطالب قدرا من (الوجاهة) خاصة في ظل الازمة السياسية للبلاد ،وانقسام السلطات التنفيدية، وضعف اداء الاجهزة الرقابية وتعدد ولاءاتها، وفي ظل انتشار الفساد المالي والاداري ،وتمكن بعض المتنفدين من التحكم في ادارة ثروة البلاد دون حسيب او رقيب، ودون الاتزام بأي ظوابط قانونية او ادارية في انفاق ثروة البلاد التي يأتي اغلبها من مصدر واحد وهو النفط الذي يخضع للتقلبات وعدم التباث في اسعاره.

 

تقرير مصرف ليبيا المركزي حول الانفاق

في إطار ما يقول عنه المصرف المركزي انه اتباع للشفافية والوضوح في كشف مايتم انفاقه من قبل الجهات العامة للدولة

ونشر مصرف ليبيا المركزي تقريره نصف السنوي حول اجمالي الانفاق العام للدولة خلال النصف الاول من العام الجاري ،بناء على توصية من البنك الدولي، والتزاما بمبدأ الوضوح والشفافية في تحديد اوجه الانفاق العام .وقد اظهر تقرير المصرف المركزي ان اجمالي ماتم انفاقه خلال الاشهر المذكورة بلغ 45 مليار دينار توزعت كالاتي :

الباب الاول (المرتبات ) 27.8 مليار دينار .

الباب التاني (النفقات التسييرية )4.6 مليار دينار .

الباب الثالث (التنمية ) 2.2 مليار دينار .

الباب الرابع (الدعم ) 10.4 مليار دينار .

الباب الخامس (الطواري ) لم يخصص له .

وكشفت الارقام عن حجم الانفاق الكبير لمؤسسات الدولة خلال الفترة المحددة ،حيث بلغت مصروفات كل من :

مجلس الوزراء 1.558.324مليار دينار .

وزارة الدفاع 2.152.770 مليار دينار

وزارة الداخلية 2.274.883 مليار دينار .

المجلس الرئاسي.718 324.716.مليون دينار

مجلس النواب 893.788.375 مليون دينار

مجلس الدولة 21.103.889 مليون دينار

هيئة رعاية اسر الشهداء 364.9 مليون دينار .

الهيئة العامة للاوقاف 95.9 مليون دينار .

وبلغ اجمالي ماانفقته المجالس الاربعة خلال 6اشهر 2.800 مليار دينار .

وكشفت تقارير الاجهزة الرقابية ان الحكومة انفقت 128 مليار دينار خلال العام 2022,وانها منحت اعتمادات بقيمة 10مليار دولار تم توزيعها على 1664 شركة ،كان نصيب المنطقة الشرقية منها 7%،ونصيب المنطقة الجنوبية 2%,فيما استحود على النصيب الاكبر من هذه الاعتمادات بعض المتنفدين .

والمتأمل لحجم انفاق هذه المؤسسات وغيرها يتفاجى بضخامة الارقام المالية التي صرفت ،يعجز عن فهم اين وكيف انفقت وعلى ماذا انفقت هذه المبالغ الظخمة، ولماذا هذا التوسع في الانفاق ،خاصة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد. خاصة وانه قد ينتج عن هذا التوسع غير المدروس في الانفاق عجز في الميزانية العامة قد تتطلب معالجته لجوء الحكومة الى الاستدانة ومحاولة الحصول على مصادر دخل اخرى لتغطيته ،مثل الانفاق من حساب الاحتياطي العام، والاحتياطي المجنب، وارصدة الحسابات المصرفية، مما قد يؤدي الى نمو الدين العام المحلي لمستويات غير مسبوقة وتحميل الافراد من اصحاب الدخول البسيطة فاتورة الهدر في صرف المال العام . كما قد يؤدي الانفاق غير المقنن للدخل وبدون ظبط للاولويات الى زيادة الغبن الاجتماعي والانقسام المناطقي .

يحدر السيد بالقاسم قزيط عضو مجلس الدولة من ان ” ترك الانفاق العام لاجتهادات حكومة الوحدة ومحافظ المصرف المركزي ،و غياب العدالة في الانفاق سيقود البلاد إما لايقاف النفط او الانفصال او العودة للحروب “.

اللجنة الوطنية لتحديد اوجه الإنفاق العام 

اصدر المجلس الرئاسي القرار رقم 18 لسنة 2023, بتشكيل لجنة برئاسة محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي لتنظيم الانفاق العام وتحديد اولوياته ،وتعزيز الشفافية، والتأسيس لبيئة اقتصادية عادلة ومواتية. وقد لقت هذه الخطوة الترحيب من اغلب الاطراف الرسمية والشعبية ،لكونها تزيل التوتر والخلاف الناجم عن الهدر في الانفاق العام ،ومحاولة اعادة ظبط الانفاق وتقنينه ،وتوزيعه بطريقة تحقق العدالة الاجتماعية والمناطقية .

لكن في ظل تشكيلها من شخصيات من دون تحديد صفاتهم ،ودون وجود إطار قانوني ينظم عمل اللجنة فإنه يخشى ان تصبح هذه اللجنة كأنها لجنة للترضية وتقسيم المغانم ، و ربما يشوبها الفساد لانها لجنة مؤقتة ،ويشارك فيها بعض الاشخاص المتهمين بالفساد، ومن اصحاب السلطة والمصلحة ،علاوة على انه ليس من الواضح كيف ستخضع اعماال اللجنة للتقييم والرقابة .

الانفاق العادل للدخل وليس التقسيم العادل “للثروة “

تطالب بعض الجهات السياسية مدعومة من قبل بعض المناطق بالتقسيم العادل للثروة مدفوعة باسباب مناطقية وقبلية ،وبحجة ان اغلب انتاج النفط وهو المصدر الاكبر للدخل يثم في مناطق هذه الاطراف التي

تطالب بتقسيم دخل النفط بالتساوي بين المناطق الثلاثة الكبرى ،المنطقة الشرقية ،المنطقة الغربية، المنطقة الجنوبية ،من خلال وضع حصة كل منطقة في فرع المصرف المركزي بهذه المناطق ،اي بمعنى ان يثم توزيع دخل النفط على اساس التقسيم الجغرافي،وبحيث ان كل منطقة هي التي تحدد اوجه الصرف الخاصة بها . وهذا المطلب لايستقيم مع الواقع فلا توجد اي دولة لا في التاريخ القديم او في التاريخ الحديث قامت او تقوم “بتوزيع”ثرواتها على افراد او مناطق.

اولا لان مفهوم الثروة واسع ولايعني فقط “النقود”.فالثروة هي ماتملكه او مايمكن ان تملكه الدولة من ثروات منقوله او غير منقوله .

وتانيا ان ثروات الدول لاتوزع على اساس جغرافي او مكاني ،وانما تنفق الثروات من خلال مايعرف بالميزانية العامة للدولة وفق بنود متعارف عليها مثل: بند المرتبات,،بند النفقات التسييرية ,بند التنمية ،بند الدعم ،بند الطواري ، وعلى اساس الكثافة السكانية ،ووفق مقتضيات وخطط التنمية التي تضعها الدولة ،التي تشمل كل المناطق، وبما تقتضيه المصلحة العامة للدولة ، وتوفير متساو للاحتياجات الاساسية ، وبما يحقق العدالة للجميع

الدكتور مسعود المهدي السلامي : استاذ الاقتصاد السياسي

أشهر في موقعنا