Skip to content

الاقتصاد الأزرق .. بوابة إفريقيا لمضاعفة الموارد

الاقتصاد الأزرق أو الذهب الأزرق هذا هو الاسم الذي يطلقه الخبراء على الأنشطة الاقتصادية التي تتم في مياه البحار والمحيطات أو بالقرب منها. فاقتصاد المحيطات يدعم 90 في المائة من التجارة العالمية ويوفر ملايين الوظائف، بينما تبلغ القيمة الإجمالية لصناعات الشحن والسياحة والطاقة البحرية ما قيمته 24 تريليون دولار.
وتقدر مساهمة مصائد الأسماك والشعب المرجانية والأعشاب البحرية وأشجار المانجروف في الاقتصاد العالمي بنحو سبعة تريليونات دولار سنويا. أما التجارة والنقل البحري فتتجاوز مساهمتهما الاقتصادية خمسة تريليونات دولار، أما إنتاجية السواحل وامتصاص الكربون فتبلغ 12 تريليون دولار تقريبا.
تلك الأرقام هي ما يدفع بعض الدول الإفريقية -حتى إن كانت غنية بالنفط- إلى إعطاء مزيد من الاهتمام لهذا النشاط الاقتصادي. ويعكس قرار الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو في أغسطس الماضي بإضافة حقيبة وزارية جديدة لحكومته تتعلق بالاقتصاد البحري والأزرق، تنامي الوعي الإفريقي بما يحمله الاقتصاد الأزرق في طياته من آثار اقتصادية مبهرة يمكن أن تحدث طفرة نوعية في نمو القارة.
الاهتمام بالاقتصاد الأزرق لم يكن حكرا على نيجيريا، فأعداد متزايدة من البلدان الإفريقية تضع الآن استراتيجيات وطنية لاستغلال المحيطات والبحار على أمل أن تكون رافعة مستقبلية مهمة لتحفيز وتعزيز الجهود التنموية.
ولا يبدو ذلك مستغربا في قارة تضم 38 دولة ساحلية وجزرية، من إجمالي 54 دولة، وتغطي مياهها الإقليمية 13 مليون كيلومتر مربع، و90 في المائة من صادراتها ووارداتها تتم عن طريق البحر.
كما أن الأرقام الخاصة بمساهمات الاقتصاد الأزرق في إجمالي النشاط الاقتصادي الإفريقي تدفع بالحكومات الإفريقية إلى منح هذا النشاط كثيرا من الاهتمام باعتباره مدخلا لتوليد مزيد من فرص العمل وضمان حياة كريمة لملايين الأفارقة الآن ومستقبلا.


وفي الوقت الراهن تضخ الأنشطة الاقتصادية المتعلقة بالبحار والمحيطات ما يقدر بـ300 مليار دولار في النشاط الاقتصادي الإجمالي في القارة السمراء، ويدعم الاقتصاد الأزرق ما يقارب 50 مليون وظيفة في إفريقيا، وسط توقعات بأن تستمر تلك الأرقام في الزيادة، بل إن كثيرا من الخبراء يرون في الاقتصاد الأزرق فرصة لمعالجة قضايا التغذية والأمن الغذائي لنحو 200 مليون إفريقي خاصة في البلدان التي تعاني نقص الغذاء أو البلدان منخفضة الدخل.

، فالأسماك على سبيل المثال توفر ما يقرب من 20 في المائة من البروتينات الحيوانية التي يستهلكها سكان القارة، وترتفع النسبة إلى 50 في المائة في البلدان الجزرية والساحلية.
من جهته، يرى البروفيسور مايكل كول أستاذ الدراسات البحرية في مركز الدراسات البحرية في المملكة المتحدة أن فرص الاقتصاد الأزرق في إفريقيا أعلى بكثير من “الاقتصاد الأخضر”.
ويقول لـ”الاقتصادية”، “إن مفهوم مفهوم الاقتصاد الأخضر الذي تم إطلاقه أول مرة في عام 1989 كان يستهدف في الأساس تحسين الوضع الاقتصادي، مع الحد من المخاطر البيئية وندرة الحياة البيئية، في إطار التنمية المستدامة والقضاء على الفقر، لكن عديدا من الدول الإفريقية خاصة الساحلية تساءلت عما إذا كان التركيز على الاقتصاد الأخضر قابلا للتطبيق عليها، وشددت على أنها ترى أن الاقتصاد الأزرق من خلال استغلال الثروات في المحيطات والمسطحات المائية سيكون أكثر نفعا، ولذلك سعت إلى توسيع الجانب الأزرق في الاقتصاد الأخضر، باعتبار أن نهج الاستدامة في الاقتصاد الأزرق أكثر ملاءمة لظروفها وتحدياتها الخاصة”.

من المنطقي اقتصاديا أن يكون كثير من الدول الإفريقية الجزرية الصغيرة النامية أكثر اهتماما بالفرص التي يمكن أن يوفرها الاقتصاد الأزرق للتخفيف من واحدة من أبرز العقبات الرئيسة المتعلقة بالتنمية المستدامة، ألا وهي القاعدة الضيقة من الموارد الأرضية، كما أن تمتعها بمناطق اقتصادية خاصة كبيرة يجعل من الاقتصاد الأزرق مدخلا أكثر ملاءمة للتنمية المحلية مقارنة بالاقتصاد الأخضر.
واحد من الجهود الإفريقية المستحدثة في مجال الاقتصاد الأزرق يقوم على فكرة مقايضة الديون الإفريقية بالبيئة البحرية، ويرى بعض دعاة الحفاظ على البيئة أن إفريقيا جاهزة لمثل هذه الصفقات، فهي مليئة بالبيئات البحرية، وتعد الجابون أول دولة إفريقية تلجا إلى ما يعرف بالسندات الزرقاء للتغلب على مشكلة المديونية.
بدوره، يقول لـ”الاقتصادية”، الدكتور ويل جيمس أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة لندن “أعادت الجابون تمويل 500 مليون دولار من ديونها وخصصت 163 مليون دولار من المدخرات للحفاظ على البيئة البحرية، والجابون هي موطن أكبر عدد من بعض أنواع السلاحف البحرية في العالم، ومن خلال إعادة التمويل ستعزز اقتصادها الأزرق بتضييق الخناق على الصيد الجائر، كما ستمول صندوقا سيستثمر في تمويل مشاريع الحفاظ على البيئة البحرية، وعلى الرغم من أن مقايضة الديون بالطبيعة البحرية لا تزال صغيرة، فإن خطوة الجابون تعني أنها ستكون قادرة على الحفاظ على 30 في المائة من ثرواتها في المحيط بحلول عام 2030، خاصة أن مياهها الوطنية أرض خصبة لـ120 نوعا من الأنواع البحرية الأكثر عرضة للانقراض أو مهددة بالانقراض”.
تدخل فكرة السندات الزرقاء ضمن الجهود الإفريقية لتوسيع الإمكانات الكامنة في الاقتصاد الأزرق في القارة، ومن الواضح أن القارة السمراء تجد في هذا الاقتصاد مدخلا ملائما للتخصص في التكنولوجيا البحرية وتربية الأحياء المائية ودعم الجهود المبذولة في مجال الطاقة المتجددة.
فمن المتوقع أن تنمو سوق التكنولوجيا الحيوية البحرية العالمية بمقدار 2.5 مليار دولار وأكثر بحلول عام 2030، ولدى بعض الدول الإفريقية على الأقل مثل جنوب إفريقيا القدرة على أن تكون حاضنة للتكنولوجياالحيوية البحرية.

ويعتقد ك. دي. أرثر المهندس في مجال التكنولوجيا البحرية من شركة “كينيتي كيو” أن السعي الإفريقي لزيادة قدرتها الابتكارية في مجال تكنولوجيا الاقتصاد الأزرق يعود إلى أن التخصص في التكنولوجيا الحيوية البحرية سيفتح أبوابا جديدة لاستكشاف ومضاعفة موارد المحيطات والبحيرات في إفريقيا، ما يمكن القطاع الصناعي من تصنيع منتجات في القطاعين البيولوجي والصيدلاني كما يمكن أن يساعد إفريقيا على حل مشكلات نقص الغذاء والفقر والبطالة.
لكن إفريقيا لا يمكنها تحقيق الفائدة من الاقتصاد الأزرق إلا من خلال زيادة الاستثمارات في هذا النشاط الاقتصادي، فالإمكانات المحلية محدودة ولا تسمح لها بامتلاك قاعدة وبنية تحتية تؤهلها لتعظيم الاستفادة من إمكاناتها في الاقتصاد الأزرق، ما يجعل من التعاون مع المجتمع الدولي ضرورة حتمية خاصة مع البلدان التي تمتلك مساحات بحرية مشتركة مع القارة السمراء أو أنظمة بيئية مرتبطة بها، ما يوفر مناطق استراتيجية استثمارية طبيعية بين الطرفين.
وإذا كان عديد من مشاريع الاقتصاد الأزرق الإفريقي قد تلقى دعما كبيرا من عديد من المنظمات والاتحادات الدولية، فإن التعاون بين إفريقيا وبلدان مجلس التعاون الخليجي في مجال الاقتصاد الأزرق خاصة مع تمتع الطرفين بنقاط قوة تكاملية يمكن أن يكون مفيدا للجانبين من وجهة نظر بعض الخبراء.
الدكتورة إيمي ونستون أستاذة الاقتصاد الدولي في جامعة لندن تشير لـ”الاقتصادية”، إلى وجود عوامل معززة لهذا التعاون أبرزها المصالح الاستراتيجية المشتركة والمعلنة لدى الجانبين في الحفاظ على موارد البحار والمحيطات.
وتؤكد أن التعاون المتكافئ يعني إمكانية تقاسم الفوائد المحققة بشكل عادل ومنصف، وهو ما قد لا يتحقق في حال تعاون بلدان القارة مع قوى دولية أخرى، يضاف إلى ذلك أن هذا التعاون يسمح للطرفين بتنويع اقتصاداتهما من خلال الاستفادة من فرص استثمارية واعدة، وجذب الاستثمارات إلى مجالات بحثية تسهم في وجود ابتكارات عالمية مثمرة وذات عوائد اقتصادية مرتفعة.

أشهر في موقعنا