Skip to content

تهريب العملة الصعبة من ليبيا إلى الخارج وانعكاساتها على الاقتصاد

تعاني ليبيا منذ سنوات من ظاهرة انتشار الفساد المالي والاداري، وسوء الادارة ،بسبب حالة الانقسام السياسي ،وقفز اشخاص غير مؤهلين لمراكز السلطة ،وتحكمهم في مقاليد الامور ،وإدارة البلاد بطريقة تفتقر لابسط قواعد الحكم الرشيد
.وقد اصبحت عملية تهريب العملة الصعبة من ليبيا الى الخارج ظاهرة خطيرة على الاقتصاد ،وفعل معتاد ومتكرر ،ويكاد ان يكون يوميا .حيث
تتم على مدار الاسبوع محاولات تهريب العملة الصعبة من ليبيا الى دول مثل الامارات وتركيا ،ودول اخرى، ،عبر المنافذ الجوية والبرية، والتحويلات المصرفية ،الامر الذي يشكل استنزافا حادا للاحتياط من للعملة الصعبة في ليبيا ،وخطرا على تباث الاقتصاد الليبي الهش اصلا.
ورغم ظروف الانقسام السياسي، ووجود حكومتان متصارعتان على السلطة ، تحاول السلطات المختصة ،التصدي لهذه الظاهرة المخالفة للقانون ، والتي يصنفها كجرائم اقتصادية ، ويعاقب عليها باشد العقوبات . وقد تمنكنت الجهات المختصة
خلال السنوات الماضية من إحباط المئات من عمليات تهريب العملة (دولار _يورو )،فيما افلتت عمليات تهريب اخرى، حيث نجح المهربون في تهريب مئات الملايين من اليوروهات والدولارات من ليبيا ، لتستقر في بنوك الدول الاخرى، ويستفيد منها اقتصاد هذه الدول، ولتنضم الى سلسلة اخرى من عمليات الفساد المالي والاداري المستشري في مؤسسات الدولة ،الذي انهك الاقتصاد الوطني ،وزادت من معانات المواطن الذي تضيق عليه يوما بعد يوم سبل الحياة الكريمة،بسبب غلاء المعيشة.
وتتم عمليات تهريب العملة الصعبة إما من خلال الافراد ،او عبر الشركات المحلية والاجنبية ،او عبر التحويلات المالية المشبوهة ، او من خلال بطاقة الاغراض الشخصية (فيزا كارد) حيث يتم التحايل على القانون بطرق متعددة ،مما تسبب في شح في توفر العملة الصعبة ،وارتفاع سعرها في السوق الموازي .

واقع واسباب انتشار ظاهرة تهريب العملة الصعبة :

تعتبر عملية تهريب العملة الصعبة الى خارج البلاد جريمة اقتصادية ،يعاقب مرتكبها عقوبة مشددة بالحبس او الغرامة المالية ،او كلاهما معا . غير ان هذه العقوبة لم تردع ضعاف النفوس عن تهريب مئات الملايين من هذه العملة خلال السنوات الماضية. وحسب تقديرات بعض المختصين ان مايزيد عن 10% من التحويلات الاجنبية للعملة تتم بوسائل غير قانونية. .
وفي هذا الخصوص، تمكنت الاجهزة المختصة بمطار معيتيقة الدولي خلال الايام الماضية من أحباط عملية تهريب 3 ملايين يورو و 25كيلو ذهب متكونة من 12سبيكة مختلفة الاوزان قام بها رئيس طاقم الضيافة بأحد شركات الخطوط الليبية ،في رحلتها المتجهة للقاهرة.
ومنذ ايام ايضا اعلن النائب العام عن حبس مديرين عامين سابقين لمصرف الصحاري ،ومسؤول الاعتمادات المستندية بالمصرف ،بعد تباث تورطهم في تمكين 13شركة من الانتفاع بنقد اجنبي تصل قيمته الى 70مليون دولار .
وسبق ان اعلنت مديرية امن بنغازي القبض على عصابة من نيجيريا تقوم بتهريب العملة الصعبة الى خارج ليبيا، بالتعاون مع اشخاص ليبيين ومحلات بيع العملة .
ومن وقت لآخر يكشف النائب العام عن قضايا فساد تورط فيها مسؤولين كبار في بعض الوزارات والسفارات ،وايضا بعض المصارف والمؤسسات التي لها علاقة باستخدام العملة الصعبة ،حيث ثم سجن البعض منهم وعزلوا من مناصبهم ،في حين لاتزال بعض القضايا الاخرى رهن التحقيق .
وحسب الخبير الاقتصادي إدريس الشريف ،انه توجد شبهات تهريب عملة اجنبية يقوم بها مصرف اليقين (مصرف خاص صغير ) عن طريق اعتمادات خارجية مفتوحة لشركات أماراتية بقيمة تتجاوز مليار دولار،مشيرا الى ان هذا المصرف من اكثر المصارف حصولا على العملة الاجنبية من المصرف المركزي ،في شكل اعتمادات وحوالات ،وان المصرف حصل خلال العامين الماضيين على اكثر من 2مليار دولار.
وتتعدد طرق تهريب العملة الصعبة من تهريبها مباشرة عبر افراد ، او عبر بعض الشركات ،او عن طريق الاعتمادات المستندية،اوعن طريق بطاقات الفيزا الخاصة بالاستعمال الشخصي.
يقول عبد الحفيظ تريبل مدير إدارة الرقابة على المصارف والنقد بمصرف ليبيا المركزي ان حجم الفساد في بطاقات الفيزا في السنوات الاخيرة لايوصف ،حيث يتم تعبئة هذه البطاقات بالعملة المحلية ،ويتم بعدها سحبها بالعملة الصعبة من خارج ليبيا . وقد كشف ديوان المحاسبة في تقرير له مؤخرا ،ان لدى بعض تجار العملة مايقرب من 120بطاقة مصرفية لكل تاجر ،يقومون بواسطتها بسحب اموالهم التي اودعوها بالعملة المحلية ،وبالسعر الرسمي من خارج ليبيا وبالعملة الصعبة .
في العام 2017 كشف تقرير لديوان المحاسبة أن اجمالي الاعتمادات المستندية الخاصة بصفقات الاستيراد في الفترة من يناير الى نوفمبر من العام 2016 وصلت الى 570 مليون دولار ،وان 86%من هذه الاعتمادات برسم التحصيل ثم تهريبها الى الخارج. وفي العام 2018اعلن ديوان المحاسبة عن اسماء 44شركة محلية ،و24شركة اجنبية مسئولة عن تهريب العملة الصعبة،حيث ثم لاحقا ايقاف التعامل مع هذه الشركات من قبل مصرف ليبيا المركزي،وتجميد نشاطها .كما كشفت بعض التقارير نشرت في العام 2018 ان السنوات الاخيرة شهدت تهريب اطنان من الذهب الى دولة الامارات تقدر قيمتها بنحو 3 مليار دولار .
والجدول التالي يوضح اكثر 10 دول مستفيدة من تحويلات النقد الاجنبي خلال 5 اشهر من 2023.

الامارات :2.008مليار دولار .
تركيا :388 مليون دولار .
سويسرا :321 مليون دولار .
تونس :247مليون دولار .
مصر :246 مليون دولار .
إيطاليا :199 مليون دولار .
بريطانيا :189 مليون دولار .
النمسا :160 مليون دولار .
الصين :148 مليون دولار .
اسبانيا :112مليون دولار .
ويرى استاذ الاقتصاد احمد ابو لسين بأن الاتجار في العملة من خلال بطاقات الائتمان المصرفية ،او من خلال الاعتمادات المستندية الوهمية ،التي يقوم بها بعض التجار هي عمل من اعمال جرائم غسيل الاموال
إن حالة الانقسام السياسي ،والفساد المالي والاداري المستشري في اجهزة الدولة،وضعف الاجهزة الرقابية ،وتعدد ولاءاتها، هي من الاسباب الرئيسية لبروز ظاهرة تهريب العملة الصعبة من ليبيا للخارج.
وحسب الخبير القضائي بوزارة العدل في الحكومة الموازية (غير معترف بها دوليا) ان عمليات تهريب الاموال من العملة الصعبة ،التي تزيد من ثبديد ثرواث البلد ،ترجع الى ضعف الاجهزة الرقابية ،والفساد المستشري في اغلب مؤسسات الدولة .
إن الاشخاص الذين يقومون بتهريب العملة الصعبة من افراد وشركات ومسؤولي بعض المصارف، لايترددوا في غياب الرادع القانوني القوي في التحايل ،واستغلال وظائفهم ،وشراء الذمم ،ودفع الرشاوي لتهريب العملة ،من اجل الإتراء السريع ،ولو على حساب قوت الليبيبن ،وماتخلفه هذه الجريمة الاقتصادية من ضرر بالغ على الاقتصاد الليبي.

وقد ساهم عدم تنظيم السوق الموازي لبيع العملة، وغياب الظوابظ الادارية والقانونية لهذه السوق في تشجيع مهربي العملة، والمتاجرة فيها خلافا لما تقتضيه القوانين المعمول بها في ليبيا في هذا الخصوص .

بقلم : الدكتور : مسعود المهدي السلامي أستاذ الاقتصاد السياسي 

أشهر في موقعنا