ارتفع بشكل مفاجي سعر الدولار في السوق الموازي ليتجاوز 6دينار للدولار الواحد ،بعد استقراره ،وثبات سعره فترة ثلاث سنوات،اسهمت في تحسن الحالة المعيشية للكثير من الفئات المتوسطة وضعيفة الدخل .
ورافق ارتفاع سعر الدولار،ارتفاع سعر العملات الاجنبية الاخرى، ،قبل ان يحدث تراجع طفيف في سعر هذه العملات ،نتيجة الاخبار المتداولة بقرب فتح بطاقات 100000دولار .
ويشكل ارتفاع الدولار والعملات الاجنبية الاخرى، والهبوط المستمر في قيمة الدينار الليبي هاجسا، بما يجره من تداعيات كارثية على المستوي الاقتصادي ،وصداعا يؤرق المواطن الليبي ،الذي اصبحت حياته المعيشيه تتاثر بشكل مباشر بارتفاع وهبوط الدولار .
فكلما زاد سعره في السوق الموازي (السوق السوداء ) ،كلما هبطت قيمة الدينار الليبي، وبالتالي زادت اسعار السلع الاساسية التي يعتمد عليها المواطن في حياته المعيشية، وبدأ المواطن يفقد قدرته على سد ابسط المتطلبات الحياتية .
وياتي ارتفاع سعر العملات الاجنبية في السوق الموازي رغم حالة الاستقرار النسبي التي تشهدها البلاد، والزيادة في انتاج النفط وارتفاع اسعاره، والفائض في ميزان المدفوعات خلال 2022_2023،ووجود احتياطيات جيده لدى الدولة من النقد الاجنبي ، علاوة على قدرة المصرف المركزي على اتخاد الاجراءات المناسبة للحفاظ على السعر الحالي للدينار .
ورغم محاولات الدولة التحرك لضخ المزيد من الدولارات والعملات الاجنبية الاخرى ، لتهدئة السوق والحيلولة دون خروج الامور عن السيطرة،إلا ان ارتفاع هذه العملات يعاود بين الحين والاخر ،مما يشير الى
إن الارتفاع الحاد والسريع في سعر الدولار واليورو تحديدا ليس مرتبط باحتياج فعلي من السلع والخدمات في المجتمع،التي تحتاج إلى صرف المزيد من العملة الصعبة ،بل هو في واقع الامر ارتفاع مرتبط بعوامل اخرى غير حقيقية من المرجح ان تكون هي السبب في الارتفاع المفاجي في سعر الدولار والعملات الاجنبية الاخرى .
أسباب الارتفاع المفاجي في سعر العملات الاجنبية
إن اصل المشكلة في ارتفاع سعر الدولار وبعض العملات الاجنبية الاخرى هو الانقسام السياسي وعدم وجود سياسة اقتصادية فعالة تدفع الى استقرار السوق ، والانفاق غير الرشيد من قبل الحكومة الذي وصل الى استباحة وهدر المال العام ،في غياب الضوابط القانونية والادارية في الانفاق، علاوة على عدم وجود إطار تنظيمي يحفظ عوامل المنافسة بين الجهات المستوردة ،وسوء إدارة بيع النقد الاجنبي من قبل المصرف المركزي الذي يقوم بشكل غير منظور بإدارة السوق الموازي ،حيث يقوم بعض التجار (الوهميين) ،بتهريب العملة الى الخارج في صورة اعتمادات مزيفة ومن ثم التحايل في استيراد السلع ،لتعود العملة الصعبة لاحقا وتباع في السوق الموازي(السوق السوداء)باسعار باهضة .
وحسب الدكتور سلامه الغويل “ان السوق غير حر بسبب امتلاك مجموعة السيطرة على مراكز المال، ووجود مجموعة محددة تكيف فيه على حسب مصالحها ،فيما كشف مصدر مسؤؤل بمصرف ليبيا المركزي ان ارتفاع سعر صرف الدولار ناتج عن مضاربة غير حقيقية بين تجار العملة. وحسب مايتداول من مصادر داخل مصرف ليبيا المركزي ان الارتفاع السعري للدولار ناتج عن مضاربات التجار لتحقيق مكاسب ،وان سعر الدولار سينخفض خلال الايام القادمة . ان احد اسباب الارتفاع في سعر الدولار والعملات الاجنبية الاخرى يعود الى
ان هناك بعض التجار من اصحاب الاعتمادات والحوالات استفادوا من احتكار الدولار ،وقاموا بتغدية السوق الموازي بالنقد الاجنبي ،وتهريب الاموال عن طريق بعض الشركات المحلية والاجنبية خاصة إلى دولة الامارات ،مما دفع المصرف المركزي الى فرض قيود على حوالى 100شركة تساهم في تهريب العملة الاجنبية عن طريق اصحاب الاعتمادات والمستوردين، مما تسبب في نقص كبير في حجم المعروض من العملة الصعبة خاصة الدولار واليورو وادى بالتالي الى ارتفاع اسعارهما بشكل حاد ،اضافة الى عدم قيام المؤسسة الوطنية للنفط منذ فترة بتحويل اي دولار من حسابات النفط إلى مصرف ليبيا المركزي ،خاصة مع تنامي العجز في النقد الاجنبي داخل المصرف المركزي والذي بلغ 9.9مليار دولار.
ويؤكد المحلل المالي سليمان الشحومي ان ارتفاع الدولار والعملات الاخرى في السوق الموازي هو مؤثر وحقيقي،نتيجة نقص المعروض من( الدولار ) من قبل مصرف ليبيا المركزي،وتقييد عمليات التجارة الخارجية، بالاضافة إلى القيود التي تفرضها لجان مراجعة طلبات الاعتمادات على المصارف،ورفضها الاعتمادات المشكوك فيها واشار الى ان هناك حالة من التشاؤم في السوق وتجار العملة من المستقبل ،وحالة من عدم التأكد من الضوابط التي يضعها المركز .
ومن جهته ،يعتقد استاذ الاقتصاد احمد ابولسين ان مشكلة ارتفاع سعر الدولار وبعض العملات الاجنبية الاخرى لها ابعاد ترتبط بزيادة الإنفاق العام بحجم كبير خلال الفترة السابقة ، .ويرى ان الحلول المبدئية لمواجهة هذه الازمة تتمثل في تجميد سعر صرف الدولار عند مستوى معين لفترة تمتد من 3 الى 4 سنوات.
إن الارتفاع المفاجي في سعر الدولار يؤدي الى التاثير في دخل الدولة خاصة مع زيادة تكاليف تصدير النفط والغاز ،مما يؤثر سلبا على اقتصاد البلاد ،ويعيق قدرة الدولة على استثمار المزيد من الاموال في تطوير البنية التحتية اللازمة لإنتاج وتطوير النفط والغاز ،كما يؤتر ارتفاع اسعار الدولار على زيادة تكلفة اسعار السلع التي تستوردها ليبيا ،ويحد من قدرة الافراد على شراء السلع الاستهلاكية ،وبالتالي يتم خلق حالة من الركود الاقتصادي،يصحبها قلاقل اجتماعية تنعكس سلبا على استقرار البلاد
ان السوق الموازي هو سوق خارج الاطار الرسمي للدولة ،ولاتوجد قوانين تشرعن وجوده او تحميه ،وبالتالي فالسوق الموازي هو سوق هش ،ومن السهل القضاء عليه ،ومحاصرته،وبإمكان المصرف المركزي اتخاد أجراءات رادعة (لو اراد) ضد المحتكرين والمضاربين في الدولار والعملات الاخرى ،وفرض المزيد من القيود، والرقابة الصارمة على المصارف تفاديا لوقوعها في مخاطر تهريب الاموال ،او غيرها من العمليات الاخرى المشبوهة ،ورصد العمليات المصرفية غير الطبيعية والضخمة والمعقدة، واتخاد الاجراءات المناسبة حيالها .
وتحسين الادارة المالية والاقتصادية .ومالم يتم اتخاذ الاجراءات السريعة والناجعة ،فسيستمر الاقتصاد الليبي يواجه الصدمات ،وحالة عدم الاستقرار طالما ظلت إيرادات النفط المصدر الوحيد للدخل ،واستمرت مؤسسات الدولة المعنية لاتستجيب لضرورة إعادة الهيكلة والاصلاح الاقتصادي الشامل .
بقلم: الدكتور /مسعود المهدي السلامي أستاذ الاقتصاد السياسي