أظهر تحقيق استقصائي أجرته منظمة «ذا سنتري» أن أنشطة تهريب الأسلحة حافظت على وتيرتها الثابتة في ليبيا خلال السنوات القليلة الماضية، لكنه أشار إلى أن قطاع تهريب الوقود آخذ في الصعود بوتيرة سريعة خلال العامين الماضيين، خصوصًا في الشرق، إذ قدَّر التكلفة المالية الإجمالية لتهريب الوقود في ليبيا بـ720 مليون دولار سنويًا.
وتطرقت المنظمة المعنية بمكافحة الفساد، إلى ما وصفته بـ «انتهاكات في صادرات النفط الرسمية»، إذ أشار التحقيق إلى زيادة كمية المنتجات النفطية المستوردة في العام 2022 بنسبة 19% مقارنة بالعام 2021، وأرجع ذلك في جزء كبير منه إلى تجارة الوقود غير المشروعة، مما يعني ارتفاع حجم الدولار في أنشطة الاتجار بالوقود.
وخلص التحقيق إلى أن هذه الأنشطة تسبب أضرارًا جسيمة للاقتصاد الليبي، وضرب مثلا على ذلك بما حدث «في العام 2022، تجاوزت تكاليف دعم الوقود في ليبيا 12 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 5 مليارات دولار عن العام 2021»، إذ أرجع هذه القفزة «في معظمها إلى التهريب».
انتعاش أنشطة تهريب الوقود في شرق ليبيا
وبالرغم من استمرار انتعاش أنشطة تهريب الوقود في غرب ليبيا؛ «فإن الدلائل تشير إلى أن الجزء الأكبر من الانتعاشة الأخيرة في تلك الأنشطة جاء في الشرق، بل وأصبحت مدينة بنغازي مركزًا لأنشطة تهريب الوقود بشكل أكبر مقارنة بالسنوات الماضية» بحسب التحقيق الاستقصائي.
وفي هذا الشأن، أعربت الولايات المتحدة في وقت سابق عن تورط مجموعة «فاغنر» العسكرية الروسية في تهريب الوقود من ليبيا، بالنظر إلى علاقتها مع عائلة قائد «القيادة العامة» المشير خليفة حفتر. وعبر مسؤول في المؤسسة الوطنية للنفط لمنظمة «ذا سنتري»، عن «مخاوف مماثلة بشأن استفادة الوحدات الروسية وغيرها من الوحدات غير الليبية ماديًا من خلال الاستيلاء على الوقود المدعوم».
«ذا سنتري» تتحدث عن فساد داخل المؤسسة الوطنية للنفط
وتحدث تحقيق المنظمة عن أشكال من الانتهاكات داخل المؤسسة الوطنية للنفط، أبرزها الصادرات النفطية غير المعلنة، وأشار إلى «أنه يجري سرقة عدة مليارات من الدولارات سنويًّا من الشعب الليبي من خلال صادرات النفط غير المعلن عنها، كما كشفت مصادر رقابية، ويعتقد الليبيون أن ظاهرة فقدان عائدات تصدير النفط آخذة في النمو في الموانئ النفطية المتواجدة في شرق وغرب البلاد على السواء».
تلك الديناميكيات في القطاع النفطي قد تكون ناتجة عن شيوع الصفقات الغامضة بين الفصائل الليبية بالتزامن مع تدخلات بعض الدول الأجنبية، ففي العام 2022، توسطت الإمارات في اتفاق بين عائلتي حفتر والدبيبة للموافقة على تغيير القيادة في المؤسسة الوطنية للنفط. ومع ذلك، ومنذ تولى الرئيس الجديد زمام المؤسسة، زعمت بعض وسائل الإعلام الليبية أن صدام حفتر سحب كميات كبيرة من النقد من خزائن الشركات التابعة للمؤسسة.
كما أن هناك أسئلة عالقة حول تخصيص المصرف المركزي 34.3 مليار دينار، (6.8 مليار دولار) لمؤسسة النفط، من التمويل الاستثنائي في العام 2022. وإذا جرى تأكيد هذه المخاوف، فإنها ستسلط الضوء على الكيفية التي تشكل بها الترتيبات داخل النخبة تهديدًا وجوديًا للمؤسسة الاقتصادية الأكثر حيوية في ليبيا.
تهريب خردة المعادن
أصبحت الصادرات غير الشرعية لخردة المعادن من مثارات القلق الكبيرة في ليبيا، في الوقت الذي تستغل فيه المجموعات المسلحة الرئيسية نفوذها، والوضع الأمني القائم وانتسابها الظاهري للدولة للاستفادة من نهب الثروات العامة.
ونقل تحقيق منظمة «ذا سنتري» عن مصادر محلية تحدثت عن سرقة مكونات معدنية من البنية التحتية العامة في جنوب شرق ليبيا، مع الإشارة إلى تصريح لهيئة الاستثمار العسكري أعلنت فيه أن المعدات قديمة ومعطلة، قبل أن يقوم «اللواء 106» التابع لـ«القيادة العامة» بنقل تلك المعدات إلى ميناء بنغازي لتصديرها.
وتستمر الممارسات نفسها في غرب ليبيا. ويجري عبر موانئ مصراتة والخمس شحن المعادن المسروقة إلى المشترين، ومقرهم تركيا في أغلب الأحيان.
تهريب الذهب عبر ليبيا
وبالنسبة إلى تجارة الذهب، يشير التحقيق إلى أن ليبيا لم تنتج الذهب تاريخيًّا، وعمل السوق السوداء كمنصة غير رسمية لتجارة الذهب. ومنذ العام 2014، جرى استخدام ليبيا كنقطة للعبور للذهب غير المشروع إلى دول مثل الإمارات وتركيا.
واستخدمت بعض الجهات النشطة في منطقة جنوب الصحراء البنية التحتية للنقل في ليبيا، بما في ذلك المطارات الدولية، لتصدير الذهب إلى وجهات خارج أفريقيا. ويرجع استخدام السوق السوداء في ليبيا كنقطة عبور وسيطة إلى هشاشة الدولة، التي تسمح بالتهرب من دفع الضرائب الرسمية ولا تفرض أي نوع من المساءلة.
ومن نقاط العبور الرئيسية التي تستخدم في صادرات الذهب غير المشروعة من ليبيا: ميناء ومطارات منطقة مصراتة – زليتن – الخمس، وميناء بنغازي. ويأتي الذهب بشكل رئيسي من تشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي.
تهريب المهاجرين والاتجار في البشر
فيما يتعلق بتهريب المهاجرين والاتجار في البشر، تعد ليبيا من نقاط العبور الرئيسية لآلاف المهاجرين الساعين للوصول إلى إيطاليا ومالطا وأوروبا.
ولتحقيق الاستفادة القصوى من هذا الوضع، طورت المجموعات المسلحة في ليبيا سلسلة من الأعمال، بينها مراكز الاحتجاز ودوريات مكافحة الهجرة غير الشرعية، مستغلين تبعيتهم الاسمية للهيئات الحكومية، والدعم الضمني من كبار المسؤولين. ونتيجة لذلك، تورطت جميع الفصائل ذات الصلة سياسيًا تقريبًا في أنشطة تهريب البشر والاتجار بهم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
ومع زيادة أنشطة تهريب البشر من شرق ليبيا، يقول التحقيق إنه «سيكون من المستحيل تقريبًا حدوث تلك الانتعاشة دون معرفة أو تورط أفراد من عائلة حفتر. على سبيل المثال، كان بعض الليبيين المتورطين في مأساة غرق مئات المهاجرين قبالة سواحل اليونان، في يونيو الماضي، مرتبطين بشكل مباشر بصدام حفتر».
وخوفًا من ارتفاع وتيرة الهجرة غير الشرعية، اتجهت الدول الأوروبية، بزعامة إيطاليا، إلى إبرام ترتيبات جديدة مع القادة في ليبيا من شأنها الحد من أعداد الهجرة غير الشرعية.
وأبرمت روما ترتيبات مع الأطراف في الغرب، أسفرت عن منح التشكيلات المسلحة هناك سفنًا دورية من الاتحاد الأوروبي، فضلا عن رواتب للمنتسبين بالقطاع العام، واعتراف رسمي من الحكومة في طرابلس.
وتسعى روما إلى إبرام اتفاق مماثل مع الأطراف في شرق ليبيا. وفي يونيو الماضي، أعلن وزير الداخلية الإيطالي استعداد بلاده لدعم المشاريع التنمية في الشرق بطلب من خليفة حفتر مقابل ضبط تدفق المهاجرين غير الشرعيين.
تهريب المخدرات
انتقل التحقيق إلى كشف أنشطة تهريب المواد المخدرة من ليبيا، وهي أنشطة آخذة في النمو بشكل سريع، وتتركز في ثلاث منتجات: القنب أو الحشيش وحبوب الكبتاغون والكوكايين. ويتورط بعض المسؤولين في الدولة في تسهيل والمساعدة في تجارة المخدرات غير المشروعة.
وفي العام 2020، قال التحقيق: «بتشجيع من الإمارات، أقامت عائلة حفتر ونظام الأسد علاقة سياسية وعسكرية ولوچستية واقتصادية، سهلت تدفق الكبتاغون من سورية إلى شرق ليبيا. وتقدر قيمة صناعة الكبتاغون التي يرعاها النظام السوري، ويشرف عليها ماهر شقيق الرئيس بشار الأسد، بنحو 10 مليارات دولار سنويًا».
وأضاف: «تتحرك نسبة من تلك التجارة عبر شرق ليبيا، قبل أن تصل إلى باقي أنحاء ليبيا أو البلدان المجاورة مثل السودان والجزائر والنيجر. وتنتهي بعض شحنات الكبتاغون من ليبيا إلى أوروبا، وبعضها يجري توزيعه داخل ليبيا نفسها».
ورجح التحقيق توسع نشاط تهريب حبوب الكبتاغون في ليبيا، بالنظر إلى تسارع قبول نظام الأسد بين البلدان العربية في الآونة الأخيرة.
وتعد السيطرة على مسارات تهريب نبات القنب أو الحشيش من مصادر التوتر المتكررة خصوصًا في البلدات القريبة من الساحل الغربي، مثل منطقة العجيلات. وتدخل شحنات القنب غير الشرعية من المغرب إلى ليبيا عبر الجزائر ومنطقة غات، وكذلك عبر مناطق مثل ممر السلفادور في جنوب غرب ليبيا.