عاد الحديث مجددا عن الاموال الليبية المجمدة في الخارج بقرار من مجلس الامن الدولي رقم 1973, بعد احداث العام 2011.
فقد واجهت هذه الاموال المجمدة محاولات من بعض الدول للاستيلاء عليها ،مستغلة حالة الانقسام السياسي في البلاد،وعدم اتفاق الاطراف السياسية على خطة موحدة لانقاد هذه الاموال من الضياع .
واليوم يعود الخلاف بين هذه الاطراف للظهور مجددا ،حيث سارع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي الى رفض طلب رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة فك التجميد عن هذه الاموال للاستفادة منها في إعادة إعمار مدينة درنه واخواتها .
وشدد المنفي على ان السلطات التي سيتم انتخابها وفق دستور دائم هي من تملك وحدها الحق القانوني في التصرف في هذه الاموال حصريا .
وجاءت تصريحات المنفي بعد تأكيد حكومة الوحدة الوطنية انها طلبت رسميا من البنك الدولي دعمها في طلب رفع التجميد عن هذه الاموال لاستخدامها في تمويل إعادة إعمار درنة .و نقلت بعض المصادر المحلية عن وزارة المالية بحكومة الوحدة أنها تسعى للاستفادة من هذه الاموال المجمدة في الخارج للغرض نفسه .
على نفس الصعيد دكرت صحيفة (Wall Street Journal) الامريكية ان حكومة الوحدة الوطنية طلبت المساعدة من الحكومة الامريكية في رفع التجميد عن الاموال والاصول الليبية المجمدة بامريكا .
وقالت صحيفة (أونو ايطاليا) أن معهد الامم المتحدة الاقليمي لابحاث الجريمة ناقش مع مكتب استرداد أموال الدولة الليبيه وإدارة الأصول المستردة (لارمو ) قضايا متعدده تتعلق با أصول ليبيه مجمدة في الخارج تبلغ قيمتها اكثر من 60مليار دولار من الاموال المسروقه.
وقالت الصحيفة الايطالية أنه بالنظر إلى الوضع الانسانى المزرى في ليبيا فان معهد الامم المتحدة الاقليمي لبحوث الجريمة والعدالة يشجع على النظر في إلغاء تجميد جزء كبير من الاموال الليبيه واعادة توزيعها على المواطنين الليبين من خلال وسائل شفافة وقابلة للمراقبة .
خلاف سياسي
ويشير الخلاف بين الاطراف السياسية في ليبيا حول كيفية الحفاظ على هذه الاموال ،والتصرف فيها، الى خطورة ماتتعرض له هذه الاموال من محاولات نهب واطماع من بعض الدول المجمد لديها هذه الاموال .فكل شي بات غامضا.
ولا أحد يعرف عنها شيئا على وجه التحديد، وبإسم من مُودعة كلها او بعضها ،وماحجم الاموال التي تقع تحت سيطرة الدولة الليبية، ،والتي باتت هدفا لبعض الدول والعصابات والافراد والمؤسسات ،التي تحاول نهبها والسطو عليها، بدون اي سند قانوني .
وقد كشف الخبير المالي علي الصلح ان هناك محاولات من عدة دول اوروبية واسيوية للاستيلاء على هذه الاموال ،لكن الدولة الليبية نجحت في اكثر من مرة في الحفاظ على هذه الاموال .
وقد افادت وكالة فرانس برس مؤخرا ان الاموال الليبية المجمدة للصندوق السيادي الليبي انخفضت بمقدار 800 مليون دولار في العام 2022 وحده .
وهناك تكهنات بان الولايات المتحدة قامت بمصادرة نحو 32 مليار دولار من الاصول الليبية المجمدة لديها، فيما قام الاتحاد الاوروبي بمصادرة 45مليار يورو.
كما كشفت صحيفة (Algerie Patriotique ) الناطقة باللغة الفرنسية ان مسئوليين ليبيين اكدوا رغبتهم في تحويل الاموال الليبية المجمدة في البنوك الفرنسية، الى الجامعة العربية لمنع استخدامها في العدوان على غزة .وحسب بعض المصادر ان 5مليارات دولار تم سحبها بالفعل من الخزينة الامريكية لصالح إسرائيل .
أطماع خارجية
إن وجود الاموال الليبية المجمدة في الخارج بهذا الحجم الضخم (200)مليار دولار اواكثر ،بالاضافة الى 144 طنا من الذهب ،في شكل ودائع واصول ثابتة واسهم وسندات ،واستثمارات عينية ،وعقارات ومصارف وفنادق ،يخدم اقتصادات الدول المستحودة على الاموال الليبية ،التي تستخدم كل طرق التحايل والتسويف لإبقاء هذه الاموال مجمدة لاطول فترة ممكنة لديها .
وتحاول هذه الدول (حاول بعضها فعلا )التحايل لمصادرة هذه الاموال ،تحت ذريعة انها تعويضات لشركات كانت تعمل في ليبيا ، وتركت مواقعها بعد احداث 2011,او انها تعويضات عن قضايا سياسية مسجلة ضد ليبيا .
ان الخلاف بين رئيس المجلس الرئاسي المنفي ،ورئيس حكومة الوحدة الوطنية الدبيبة حول الاموال الليبية المجمدة ،يظهر حالة الارتياب والشك من قبل رئيس المجلس الرئاسي في ان يقوم رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بالاستفادة من هذه الاموال، في تعزيز سلطته ، بدلا من استخدامها في إعادة إعمار درنة
،وبالتالي البقاء اطول فترة ممكنة في السلطة،كما يظهر هذا الخلاف حجم الانقسام الكبير بين الاطراف السياسية حول هذا الملف ،فمنذ العام 2017 لم تتوافق هذه الاطراف المنقسمة على رأي موحد ومطالبة مجلس الامن الدولي برفع الحظر عن الاموال المجمدة ،هذا من جهة.
ومن جهة تانية ، يكشف هذا الخلاف عن فشل هذه الاطراف المتخاصمة في إنقاد هذه الارصدة من النهب والاستيلاء عليها من قبل بعض الدول.
إن الاولوية التي يجب ان تلتزم بها الاطراف السياسية الان هي الحفاظ على هذه الاموال ، ورفع التجميد عنها، والاتفاق على آلية لاستخدامها في عملية التنمية، وتوجيهها لتمويل مشروعات البنية التحتية، وتحسين الوضع الاقتصادي، وإحداث التنمية الشاملة التي تحتاجها ليبيا.
وقبل ذلك، تحسين مستوى حياة المواطن الذي ارهقته الاوضاع المعيشية الصعبة، والتي اصبحت لاتقل في حدتها عن تلك الاوضاع التي يعيشها مواطنو دول اخرى فقيرة،او قليلة الموارد .
بقلم: الدكتور مسعود المهدي السلامي أستاذ الاقتصاد السياسي