تعد المصارف الخاصة في ليبيا شريكا أساسيا في التنمية والنمو والتطوير ،من خلال مساهمتها في توفير السيولة اللازمة للافراد والمؤسسات،ودعمها للمشروعات التنموية الاقتصادية والتجارية،علاوة على تقديمها للخدمات المتنوعة الاخرى مثل القروض والحوالات المصرفية والخدمات الائتمانية التي تخدم اهداف مختلف شرائح المجتمع الليبي .
كما تعتبر المصارف الخاصة من أهم مؤسسات القطاع المصرفي،وأحد ادواته الاساسية في تنفيد السياسة المالية والنقدية للدولة ،ولهذا فإن انشاء المصارف الخاصة في ليبيا والتوسع فيها اصبح مطلبا ملحا وحيويا لنهضة الاقتصاد الوطني .
وقد زادت اهمية التوسع في تأسيس المصارف الخاصة بعد التحولات التي انتهجتها ليبيا في تحرير الاقتصاد، والتخلص من هيمنة القطاع العام الذي تسيطر عليه الدولة ،والذي خلق حالة من الجمود في البنية الاقتصادية وادى الى انتشار مظاهر سوء الادارة والفساد، وتحقيق الشراكة المتكافئة مع المصارف التي تملكها الدولة.
كما فرضت عملية تحول الاقتصاد العالمي الى قرية صغيرة متنافسة بفعل ثورة التكنولوجيا والمعلوماتية،والتقدم اللافت في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ،وارتفاع حدة المنافسة التي اصبحت السمة المسيطرة على الاسواق المحلية والدولية التوسع في انشاء المصارف الخاصة،وتحديد طبيعة عملها وفقا لاحدث معايير المصرفية الدولية .
ويعتبر القطاع المصرفي من اكبر الانشطة الاقتصادية استجابة وتأثرا بالمتغيرات الاقتصادية حيث ظهرت سياسات وبرامج التحرير المالي ،ممتلة في الاتجاه المتزايد نحو تحرير النشاط المصرفي من القيود التنظيمية والتشريعية التي تحول دون قيامه بدوره، اضافة الى تنامي ظاهرة الاندماج المصرفي ،وتكوين الكيانات المصرفية العملاقة القادرة على المنافسة والنفاذ الى الاسواق العالمية .
ورغم حداثة تأسيس المصارف الخاصة في ليبيا، وماتواجهه من قيود تتعلق بالسياسة المالية للدولة، والاجراءات التي يفرضها مصرف ليبيا المركزي ،إلا ان هذه المصارف تحاول ان تفرض وجودها ،وتنشط في مواكبة احدث طرق العمل المصرفي ،لتحسين جودة خدماتها،وتسهيلها وتطوير ادائها .
أهم المصارف الخاصة في ليبيا
بدأ تأسيس المصارف التجارية الخاصة بعد ان قام مصرف ليبيا المركزي في العام 1999 بوضع إستراتيجية إعادة هيكلة وتطوير وتحديث القطاع المصرفي في ليبيا،ووضع برنامج شامل لعمل المصارف، وبدأ الانفتاح التدريجي والمنظم امام تأسيس المصارف التجاريةالخاصة،وفتح فروع لها في بعض المدن الليبية، وفقا لقانون تنظيم عمل المصارف التجارية.علاوة على ذلك سمح القانون بفتح فروع لبعض المصارف التجارية الاجنبية بالشراكة مع الدولة او افراد ليبيين .
في العام 2008 ثم تأسيس مصرف النوران ، في شكل شركة مساهمة برأسمال قدره 600 دينار ليبي،مقسم بالتساوي بين المصرف الليبي الخارجي ودولة قطر وهو من بين اهم المصارف التجارية الخاصة التي تم تأسيسها لتحقيق اهداف القطاع المصرفي،والمساهمة في عملية التنمية الوطنية .
وقد توسع نشاط مصرف النوران ، وتعددت فروعه حيت يمتلك بالاضافة الى الفرع الرئيسي فروعا اخرى هي :فرع برج طرابلس،وزاوية الدهماني،و السياحية ومصراته،والمشتل.
وقد تم لاحقا تحويل مصرف النوران الى مصرف اسلامي على اساس ان الادارة السليمة،والرقابة الفعالة شرطان اساسيان لانشاء نظام مصرفي متين،وتطوير الاداء وفق المعايير الدولية .
في العام 2019 ثم تأسيس مصرف اليقين الذي يعتبر من المصارف الاسلامية ، ويبلغ رأسماله التأسيسي المصرح به وفق التشريعات النافذة 250مليون دينار،وبهيكل ملكية موزع بين عدد من الافراد المواطنين والشركات ،حيث تتوزع النسبة الى 71%من الاسهم للافراد المواطنين و 29% لعدد من الشركات المحلية من القطاع الخاص .
في العام 1996ثم تأسيس مصرف التجارة والتنمية ،وهو من اكبر المصارف الخاصة ومقره الرئيسي مدينة بنغازي ، ويملك اصول مالية تصل قيمتها الى 4.6مليار ليبي ،وله عدة فروع في المدن الرئيسية في ليبيا .
في العام 2003 ثم تأسيس مصرف الامان الذي يعتبر هو الاخر من المصارف الخاصة الكبرى، ويقدم مجموعة واسعة من الخدمات المصرفية للافراد والشركات والمؤسسات الحكومية .
في العام 2012ثم تأسيس المصرف الاسلامي الليبي، وهو مؤسسة مالية اسلامية تأسست برأسمال يبلغ 250مليون دينار ليبي .
والى جانب هذه المصارف ، ثم تأسيس عدد آخر من المصارف الخاصة مثل: السراي والاجماع العربي والمصرف المتحد ومصرف الوفاء وغيرهم ، وتنشط هذه المصارف في تقديم خدماتها المصرفية في كل مناطق ليبيا،
ورغم الدور الكبير الذي اصبحت تقوم به المصارف الخاصة في تطوير العمل المصرفي،وتقديم الخدمة المصرفية المناسبة التي يحتاجها الافراد والمؤسسات العامة والخاصة ،إلا ان مايحد من قيام المصارف الخاصة بدورها بفاعلية ،القيود التي يفرضها مصرف ليبيا المركزي على عمل المصارف،خاصة في الجانب المتعلق بالشراكة مع المصارف والمؤسسات المالية الاجنبية ، والقيود المتعلقة بإدارة النقد الاجنبي،وتحويل الاموال الى الخارج، بالإضافة الى ان اغلب المصارف الخاصة لاتفصل بين الملكية والادارة ، مما يفقد هذه المصارف الاستقلالية في العمل، والفاعلية والمرونة المطلوبة،ويجعل ادارة المصارف رهينة لرؤية واهداف الافراد ،خاصة في حالة عدم الخبرة والكفاءة المصرفية المطلوبة .
قصور في الأداء
كما تعاني المصارف الخاصة من القصور في مستوى تعدد تقديم الخدمات المصرفية ، فهي لاتملك حتى الان المقومات القادرة على تنويع خدماتها التي يبحث عنها الزبون ،ومواكبة التطور العالمي,الى جانب ضعف ومحدودية تنافسيتها حتى مع المصارف الكبرى التي تملكها الدولة .
وتقوض هيمنة الدولة على ملكية المصارف الكبرى قدرة المصارف الخاصة على عملية المنافسة ،من اجل التوسع في التمويل والاقراض والائتمان وتطوير الخدمات المصرفية ،اضافة الى ضعف مشاركة رأس المال الخاص في القطاع المصرفي.علاوة على هذا كله لم تسن السلطات النقدية في ليبيا حتى الان اي تشريعات تنظم عملية منح الرخص لغير الليبيين لمزاولة النشاط المصرفي.
إن تفعيل دور القطاع المصرفي الخاص في ليبيا الذي يساهم في عملية التنمية والتطوير ،وتمويل الاستثمارات الخاصة الكبرى والمتوسطة ، وتنويع النشاط الاقتصادي ،للحد من إعتماده المفرط على قطاع النفط والغاز ،
يستدعي حزمة من الاصلاحات الجدرية اهمها التوسع في إنشاء المصارف الخاصة في ليبيا ،فمؤشر الكثافة المصرفية متدني ولايزيد عن 7فروع مصرفية لكل 100الف نسمة،والتخلص من القيود التي يفرضها مصرف ليبيا المركزي على عمل المصارف الخاصة، والتفكير في وضع استراتيجية طويلة المدى تجعل المصارف الخاصة شريكا اساسيا في عملية التنمية الوطنية.
بقلم: الدكتور مسعود المهدي السلامي : أستاذ الاقتصاد السياسي